الدولة "الذكية" تعرف العالم على أغنيات "أولاد الشوارع" !

اقرأ أيضا: جريمة حلوان وطريقنا لمواجهة الإرهاب لماذا لا يفوز مسيحي بمنصب محافظ القاهرة ؟! الأمل ينتصر على الخوف .. هنا لندن ! لماذا يرفع البلطجية صور الرئيس وليس الوزير ؟! لماذا تحدث السيسي كثيرا عن الخوف في كلمته اليوم ؟!

لم أكن سمعت من قبل عن ما يسمى بفرقة "أطفال شوارع" الغنائية الشبابية التي انتشر خبرها على نطاق واسع خلال الأيام الماضية ، كنت أستغرب الاسم في البداية ، ثم اضطررت أن أتابع أخبارهم وأغنياتهم بعد أن "ذاع صيتهم" بسبب الغارة الأمنية التي استهدفتهم وألقت القبض عليهم وأحالتهم إلى النيابة بتهمة إهانة مؤسسات الدولة وتم حبسهم عدة أيام على ذمة التحقيقات ، وأعتقد أن ملايين المصريين كانت هذه أول مرة يعرفون فيها بهذا الاسم ، وأظن أن الدولة كافأت هؤلاء الشباب مكافأة كبيرة بما فعلته ، رغم ما أصابهم من تضييق مؤقت على حريتهم وتعريضهم للخطر ، فالدعاية التي قدمتها لهم "أجهزة الدولة ومؤسساتها" لا تقدر بثمن .

السخرية السياسية نمط شائع في العمل الصحفي والعمل الإعلامي والعمل الفني ، والكاريكاتير نفسه هو نوع من السخرية المرسومة ، وأقوى أنواع الكاريكاتير هو ما يتعلق بالسياسة ورجالها ، وهناك في الدول "المتحضرة" برامج تليفزيونية متخصصة في السخرية السياسية وتحظى بنسب مشاهدة عالية ، وكان في مصر ـ أيام ربيع الحرية ـ  برنامج الإعلامي المعروف باسم يوسف والذي كان يمارس السخرية السياسية بمهارة جعلت الشوارع تخلو من المارة أثناء بث برنامجه لأن الملايين يتابعون برنامجه ، مثلما يحدث في مباريات الأهلي ضد الزمالك ، وفي أواخر الستينات والسبعينات كانت كثير من أغنيات الشيخ إمام التي كتبها الراحل أحمد فؤاد نجم هي من نوع السخرية السياسية الغنائية ، وعندما لاحقتهم أجهزة عبد الناصر والسادات من بعده واعتقلتهم لبعض الوقت ساهمت في انتشارها أكثر وذاع صيتهم أكثر حتى أصبحت ظاهرة عربية ووصل الطلب على حفلاتهم لدى الجاليات العربية في العواصم الغربية نفسها ، أي أن الحملات الأمنية ضدهم عززت رصيدهم الشعبي ووسعت نطاق تأثيرهم ، وقد دفن التاريخ أسماء السادة اللواءات والوزراء الذين لاحقوا نجم وإمام ، ولا أحد يذكرهم الآن ، لكن بقيت الأغنية واسم الشيخ إمام واسم نجم على مدار الأجيال زادا للتحرر والانعتاق يتغنى بها الناس ويتداولون حفلاتهم ، بفضل هؤلاء السادة اللواءات المجهولين الآن .

لا أعرف بالضبط من الذي طلب إلقاء القبض على هؤلاء الشباب "أطفال شوارع" ، ومن هي الجهة التي ترصدت لأغانيهم ، لكن الذي أعرفه أن الواقعة أتت بعد أيام قليلة من خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ردد فيه عبارة "أنا ما بخافش" أكثر من عشر مرات ، وهو ما جعل الناس تربط بين هذا الكلام وبين الخوف من "أغنية" قالها مجموعة من الشباب يسخرون فيها من الواقع والساسة والسياسة ، فإذا كانت "الأغنية" تربك دولتك وتخيفها إلى هذا الحد ، فمن الذي سيصدق قول الرئيس أنه لا يخاف ، هذا ما وصل للناس ، وهذه هي المعادلة التي انتشرت بصيغ مختلفة عبر الصحف والفضائيات وشبكات الانترنت على أوسع نطاق .