المحتوى الرئيسى

حديث المتوسط

05/10 18:20

شباب تونس .. والزواج من اجنبيات طاعنات في السن!

اخيرًا، وتحت إشراف السيدة لاورا باز، سفيرة الإتحاد الأوروبي في تونس، انعقدت في "النجمة الزهراء" بضاحية سيدي بوسعيد الجميلة، ندوة مهمة حضرها كتاب وباحثون من بلدان اوروبية مختلفة (البرتغال، فرنسا، اسبانبا، بريطانيا، بلجيكا، بلغاريا، بولونيا، اليونان، النمسا)، وكتاب من بلدان المغرب العربي لتعيد الحوار الثقافي والفكري بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وقد آنعقدت الندوة في فترة تشهد فيه هذه المنطقة التي عرفت أقدم الحضارات والثقافات، اعني بذلك حوض المتوسط، صراعات، ونزاعات، وأحداثا سياسيّة وآجتماعيّة، ودينية، وعرقيّة، وهجرات جماعية ولدت مشاكل عويصة، وفجرت ضغائن وأحقادا تشبه تلك التي وسمت تاريخ هذه المنطقة في أزمنة بعيدة ومظلمة. ويبدو الإرهاب الأصولي الذي آزداد آستفحالا خلال العقد الأخير بمثابة الزيت الذي يضاعف من لهب الحرائق المشتعلة سلفا، مذكيا العنصرية، والشوفينية، والكراهية بين الشعوب. 

وكل هذا يبرز وكأنه قنابل موقوتة مزروعة على ضفتي المتوسط. لذا فإن الدعوة الى حوار ثقافي وفكري بين اوروبا وبلدان المغرب العربي التي تعيش آضطرابات، وتحولات خطيرة على جميع الصعد، أمر مهم وضروري للغاية. ولا أعتقد أن الأمر موكول فقط الى الدول والمؤسسات، بل وأيضا الى المثقفين والمفكرين من مختلف الإتجاهات بهدف التخفيف من حدة التوتر، وإعادة مدّ الجسور بين الضفتين بواسطة الحوار النزيه الرافض لكلّ أشكال العنف، والإرهاب، والعنصرية، والكراهية.

ويؤكد التاريخ في مختلف مراحله أن البحر الأبيض المتوسط هو أحد الفضاءات الأساسيّة التي تأسّس فيها جزء مهم من الحضارة الأنسانيّة، وفيها آنبثق الفكر الفلسفي، والفكر النقدي، خصوصًا في العهد اليوناني، والعهد الروماني والعهد الذي شهد التعايش السلمي بين الأديان في ظل الحضارة العربية- الإسلامية. وحتى في العهود التي آشتدت فيها مشاعر التباغض والعداوة بين شعوب المنطقة لتفضي الى حروب طويلة ومدمرة، ظل الحوار قائمًا بطرق وبأشكال مختلفة. لنتذكر القديس اغسطين، والكاتب ابوليوس صاحب رائعة "الجحش الذهبي"، وجميع اولئك الذين نسجت أقوالهم وقصائدهم وحكمهم روابط روحية عميقة بين الضفتين. لنتذكر أيضا آبن عربي، وآبن رشد، وآبن حزم، وآبن طفيل، وآبن باجة وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين الذين كانوا بمثابة همزة الوصل بين الشرق والغرب. وعلينا ألاّ ننسى شعراء الأندلس، وصقلية الذين حملوا فاكهة الشعر العربي الى الضفة الشمالية للمتوسط. كما لا يجب أن ننسى آبن خلدون الذي لم يعرف طوال مسيرته المديدة لا التعب ولا الوهن، في سبيل البحث عن حقيقة تاريخ الشعوب والأمم، والحضارات. وكان هو أول من آستشف أن الحضارة العربية - الإسلامية أدركت طور الإنهيار في حين بدأت تظهر في الضفة الشمالية للمتوسط شرارة حضارة جديدة.

وخلال الفترة الإستعمارية حيث هيمنت كل من بريطانيا، وفرنسا، وايطاليا على بلدان عربية، ظل الحوار الثقافي متواصلا، متحديا مشعلي الأحقاد والضغائن من الجانبين. والذين صنعوا ما لا يزال يسمى بـ"النهضة العربية" كانوا من المستفيدين الكبار من الثقافة االأوروبية. والبعض من هؤلاء أقاموا طويلا في كل من باريس ولندن، ومنهما عادوا بأفكار وتصورات ساهمت الى حد كبيرة في يقظة الشعوب العربية، وفي خروجها من عهود الإنحطاط والجهل. وكان المصري د.طه حسين من أنشط الداعين الى تدعيم الحوار بين ضفتي المتوسط. 

وفي كتابه الشهير: "مستقبل الثقافة في مصر"، الصادر عام 1938، والذي أثار ضجة هائلة، لا في مصر وحدها، بل في جميع أنحاء العالم العربي، حاول طه حسين أن يبيّن آعتمادا على أدلة وقرائن دقيقة، أن مصر كانت منذ القدم جزءا أساسيا في الفضاء المتوسطي بقطع النظر عن الحضارات والثقافات التي تعاقبت عليه. ومن الطبيعي إذن أن تكون وريثة للتراق الأدبي والفلسفي اليوناني والروماني. لذلك حرص طه حسين على أن يعرف في كتابته، كما في محضارته الأكاديمية على التعريف بكل من هوميروس، وسقراط، وأرسطو، وأفلاطون، وفيرجيليوس وغيرهم. 

وكان هدفه الأساسي من كل هذا هو قطع الطريق على التيار الأصولي المتطرف الذي كان قد برز للوجود في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، في نفس الفترة التي ظهرت فيها النازية والفاشية في كل من ايطاليا والمانيا. وكان منظرو هذا التيار الذي تزعمه حسن البنا، يعمل من خلال اطروحاته وفتاويه على عزل مصر عن محيطها المتوسطي لتكون تابعة للفضاء الصحراوي في جوانبه المظلمة والمتحجرة. وقد آزداد التيار الأصولي آتساعا وآنتشارا بعد أنتفاضات ما سمي بـ"الربيع العربي"، لا في البلدان العربية فحسب بل في البلدان الأوروبية حيث يكثر عدد المهاجرين العرب والمسلمين.

ويجدر بي أن أتحدث أيضا عن شعراء أوروبيين عاشوا في بلدان عربية متوسطية مثل الشاعر اليوناني قسطنطين كافافي (1863-1933) الذي أمضى الشطر الأكبر من حياته في مدينة الإسكندرية مسائلا تاريخ بلاده القديم. ومتغنيا بالمتوسط، كتب يقول: "لأتوقف هنا ... وبدوري أتأمل الطبيعة قليلا ... ألون جميلة زرقاء للبحر الصباحي، وللمساء من دون سحاب ... رمال صفراء ... كل هذا مضاء بعظمة وجلال. نعم ... لأتوقّف هنا. وأتخيّل أنني أرى هذا المنظر (في الحقيقة أنا شاهدته عند وصولي خلال برهة قصيرة)، وليس فقط أوهامي وذكرياتي وآستيهاماتي المثيرة".

وفي الإسكندرية عاش أيضا الشاعر الإيطالي الكبير غيوسبه اونغراتي (1888-1970) الذي تغنى بإهرامات الفراعنة، وبـ"النيل الأحمر"، و"النيل الأزرق"، و"النيل الأبيض"، و"النيل الأخضر" الذي يشبه "جذع شجرة اللوتس". كما مجّد في قصائده "درويشا مسلما" كان من خلال نصائحه الشعرية، وصوت الشعر "يشعل نار الجهاد" في قلوب مريديه، فتلمع الروح بـ"نور لا تسعه السماء رغم آتساعها الهائل". كما تحضر الصحراء العربية في شعر اونغراتي. وفي ذلك كتب يقول: "هل يمكن يا الهي أن تنبسط الصحراء حدّ أنها تحرم نفسها من الصدقة الضاربة للذكرى".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل