المحتوى الرئيسى

تقرير : قلق مصري إزاء "الذهب الأصفر"

05/10 15:42

ينتظر الفلاحون منتصف أبريل من كل عام؛ حيث تشرق سنابل القمح وتتلألأ حباتها الذهبية في مشهد مبهج للفلاح الذي يتشوق لجنى محصوله ورؤية حصاد تعبه وصبره على رعاية هذه النبتة لمدة تزيد عن 6 أشهر.

لكن هذا الشوق وتلك البهجة تمتزجان بمشاعر من القلق والخوف لدى الفلاحين من عدم تكرار مشهد حصاد القمح مجدداً في العام المقبل؛ جراء مصاعب يواجهونها في توريد المحصول لمخازن الغلال الحكومية، وارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية المطلوبة؛ ما يجعل زارعته غير مجدية اقتصادياً بالنسبة لهم.

وتعد مدينة الحسينية في محافظة الشرقية (دلتا النيل/شمال) من المدن المصرية التي تزخر قراها بالثروات الزراعية، وأبرزها القمح، خصوصًا في قرية "سعود" حيث ينهمك الفلاحون في مثل هذا التوقيت من كل عام في حصاد محصول القمح الذي يعود تاريخ زراعته في مصر لعهود قديمة، وله قيمة كبيرة لدى المصريين.

محمد عبدالحليم علي، مهندس زراعي من قرية "سعود"، وهو مشرف من قبل وزارة الزراعة على حصاد القمح، يقول للأناضول إن "القمح يعد أبرز المحاصيل الاستراتيجية في مصر، تختلف زراعته بحسب مكانه؛ فشمال البلاد يسبق جنوبها بأسبوعين، وأفضل مواعيد الزراعة شهر أكتوبر، ويبدأ الحصاد منذ في منتصف شهر أبريل".

وبينما يراقب المهندس الزراعي المشهد من بعيد، يمسك أحد الفلاحين منجلاً (أداة حادة تستخدم للحصاد) بيد تكسوها المشقة، ووجه ترتسم عليه ملامح المعاناة، ليحصد عيدان القمح الطويلة المحصورة في الزوايا التي يصعب على ماكينة الحصاد الآلية الولوج إليها، وعلى الجانب الآخر تلاحقه الماكينة في حصاد المساحات الشاسعة، بينما يلهو قريباً منه أحد الأطفال بأعواد القمح، وتداعب فرحة الحصاد أحلامه البريئة.

يشير "عبدالحليم" إلى أن "حصاد فدان من القمح كان يحتاج في السابق إلى ما بين 4 إلى 5 فلاحين وعمال، لكن ماكينة الحصاد الحديثة أصبحت تقوم بكل ذلك في آن واحد".

وتقدر المساحات المزروعة قمحًا في مصر للموسم الحالي، وفق حصر لوزارة الزراعة، بـ 3.4 ملايين فدان، تنتج نحو9.4 ملايين طن، فيما يستهلك الشعب سنويًا من هذه السلعة 15 مليون طن، نصيب الفرد منها 180 كيلوغراما.

والفدان هو مقياس لمساحات الأراضي مستخدم في مصر، ويعادل 4200 متر.

ويضيف "عبدالحليم" أن "المخزون المصري من القمح لا يكفي للاستهلاك المحلي؛ لذلك تستورد الحكومة ما بين من 25 إلى 30% من حاجة البلاد من الاستهلاك المحلي".

تمر مراحل نضج القمح، وفق المهندس الزراعي، بعدة أطوار، منها "العجيني"، ثم "الطور الميت"، موضحًا أن الأخير أفضل وقت مناسب لحصاد القمح؛ حيث يصل نضج حبات القمح في هذه المرحلة إلى أفضل درجاته.

ويتابع: "عندما يصل نضج القمح إلى مرحلة الطور الميت، يقوم الفلاحون بتجفيف الأرض، ثم تنزل ماكينات الحصاد الآلية التي تقوم بمهمتين الحصاد والتربيط (تحزيم أعواد القمح)"، لافتاً إلى أن هذه الماكينة ساهمت تقريباً في انقراض الحصاد اليدوي.

بعد حصاد القمح وتجميع أعواده على شكل حزم، يتم نقلها لمكان يسمى الجرن (مساحة من الأرض تستخدم لتخزين المحصول)؛ وهناك تنتظر ماكينة أخرى مهمتها القيام بعملية تٌعرف باسم "الدْرس"؛ أي فصل حباب القمح عن الأعواد، والأخيرة يستخدمها الفلاحون بعد طحنها كعلف للحيوانات، ويسمى هذا العلف بـ"التبن".

أما آخر المراحل، فتتمثل في تعبئه الحبوب في شكائر (أجولة)، قبل أن يتم توريد المحصول لصوامع الحكومة، وأخذ المقابل المادي.

واعتادت الحكومات المتعاقبة في مصر على شراء محصول القمح الذي يعد أحد السلع الاستراتيجية من الفلاحين بأسعار تفضيلية عن تلك التي يطرحها التجار للشراء.

وفي العام الحالي، حددت الحكومة سعر شراء أردب القمح (150 كجم) من الفلاح بما يتراوح بين 410 و420 جنيهاً (ما بين 46.17 و47 دولارا) للأردب حسب جودة الحبوب.

لكن الفلاحين لهم شكاوٍ عديدة باتت متكررة خلال السنوات الأخيرة في موسم الحصاد أبرزها المصاعب التي يواجهونها في توريد المحصول لمخازن الغلال الحكومية، وارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية المطلوبة؛ ما يجعل زارعته غير مجدية اقتصادياً بالنسبة لهم.

المهندس الزراعي، "محمد عبدالحليم"، يحصر شكاوي الفلاحين في "المعادلة الإنتاجية"؛ حيث يمثل ارتفاع تكاليف الإنتاج ومستلزماته، عقبة أمام زراعة القمح في البلاد.

يقول "عبدالحليم" إنه "بعد الثورة (25 يناير 2011)، ارتفعت أسعار السولار والقيمة الإيجارية للعمال والفلاحين والأرض، بالتوازي مع ارتفاع أسعار المخصبات والأسمدة"، وكلها من مستلزمات زراعة محصول القمح.

واعتاد الفلاح المصري على توريد محصول القمح إلى مخازن الغلال الحكومية التابعة لوزارة التموين، مقابل دعم تشجيعي من الحكومة لزراعته، بنحو 6 مليارات جنيه (675.8 ملايين دولار) من خزانة الدولة، وهو يعتبره عبدالحليم "مناسبا جدًا"، مستدركًا: "لكن الأرباح والعائد تعود فقط للشركات المصنعة والموردة للأسمدة، وشركات البترول".

"أحمد شريف"، أحد فلاحي قرية "سعود" الذي يتجاوز عمره 50 عامًا، قضي أكثرها في زراعة الأرض، يعرب عن استيائه من أزمة إجراءات توريد القمح للحكومة، التي يراها قد تجبر الفلاحين، العام المقبل، على عدم زراعة المحصول مرة أخري.

وناشد الفلاح رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، بالتحرك لإنقاذ محصول القمح من أزمة توريده للجهات الحكومية.

ويقول للأناضول إن الأماكن المعدة لاستقبال القمح من الفلاحين، وتسمى "الشون"، والتي من المفترض أن تكون منتشرة في القرى، إما إنها قليلة أو غير صالحة للاستخدام؛ ومعه يضطر الفلاح إلى تحمل تكلفة توريد القمح إلى أماكن تجميع رئيسية للمحصول تٌسمى "المطاحن"، وعادة ما تكون في المدن؛ ما يضيف عليه عبئاً مادياً جديداً.

ويشير "شريف" إلى أن "الفلاح تلاحقه مستحقات للغير يجب سدادها، ويجب أن يكون يوم حصاد القمح يوم راحة بالنسبة له، وليس يوم للتعب والمشاكل"، لافتًا إلى أنه لا يطلب رفع سعر توريد القمح للحكومة بل الحصول عليه في موعده، كأقل شيء، رغم أن الصحيح هو رفع سعر التوريد في ظل الغلاء الكبير الذي نراه في الزراعة والحياة، وفق قوله.

ومن المفترض بعد أن يقوم الفلاح بتسليم محصلوه من القمح من الحكومة، أن يحصل على المقابل من مصرف حكومي هو "بنك التنمية والائتمان الزراعي"، لكن هناك شكاوي متكررة من الفلاحيين من تأخر صرف مستحقاهم عن توريد صرف محصولهم من القمح.

ويوم 7 مايو الجاري، أصدر رئيس الحكومة المصرية، قرارًا، بـ"تشكيل غرفة عمليات لمتابعة عمليات توريد الأقماح المحلية، والتيسير على المزارعين، على أن تقوم الغرفة بالاتصال بالمحافظين للمتابعة الفورية لحسم أية مشكلة على أرض الواقع، وإصدار تقرير يومي عن أعمالها".

وأشارت الحكومة المصرية، وفق بيان لها، إلى أنها "ستتابع عمليات استلام القمح من الفلاحين وسداد مستحقاتهم"، مشددة على "ضرورة فتح جميع الشون بمختلف المحافظات سواء التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعي أو وزارة التموين للقضاء على مشكلة تكدس المحاصيل في بعض المناطق، على أن يتم توجيه المحافظين بضرورة متابعة التأكد من الالتزام بتنفيذ هذا القرار".

وكشفت الحكومة أنها حتي ذلك التاريخ المذكور، تم توريد مليون و150 ألف طن من القمح إليها، منها 800 ألف طن خلال خمسة أيام فقط، لافتة إلى أن "بنك التنمية والائتمان الزراعي" سدد للمزارعين مقابل عمليات التوريد 300 مليون جنيه (نحو 33.3 ملايين دولار)، مشيرة إلى أنه سيتم تحويل 300 مليون جنيه أخرى للبنك، صباح الأحد (8 أبريل)؛ لسداد جميع مستحقات المزارعين.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل