المحتوى الرئيسى

مصر التى لا يعرفها وزير الخارجية

05/09 22:29

فرق كبير بين أن يُقر المسئول بواقع سيئ، تلك صراحة وشفافية، وبين أن يرضى المسئول بهذا الواقع السيئ وكأنه قدر ونصيب، تلك إهانة واعتراف بالفشل.

وفرق أكبر بين الوزير الذى لا يدرك حجم الدولة التى يدير واحداً من أهم ملفاتها، ولا يتفهّم عمق تراثها وتاريخها وكيفية استعادته أو الاستفادة منه فى الحاضر، تلك كارثة، وبين الوزير الذى يقر بأن المستقبل لن يكون حتى مثل الماضى.

شفتى آخرتها يا مصر؟.. حتى الريادة التى عشنا لسنوات مقتنعين بأنها كانت رأس مالك فى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط يقولون الآن إنها كانت وهماً، يقولون إنك يا مصر لم تكونى يوماً دولة رائدة ولا تبحثين فى المستقبل عن ريادة.

تناسى أحدهم كل التاريخ القريب والبعيد وكل السنوات التى كانت مصر فيها نقطة البداية لحركات التحرر من الاستعمار فى المنطقة العربية وكامل أفريقيا، وتناسى أحدهم أن القاهرة كانت نقطة انطلاق الفن والعلم والدراسة، أن القاهرة كانت القبلة التى عرف من خلالها أهل المنطقة معنى السينما، وكانت الكعبة التى يزورها طلاب أوروبا لتلقى علوم الطب والزراعة، وقرر فى لحظة أن يقول للعالم كله الآتى: ««ليس من أهدافنا أن تكون مصر رائدة، فمصر ليست رائدة ولكن لها قدرات بحكم موقعها الذى لا ينافسها فيه أحد».

تنتظر أنت الآن إخبارك بصاحب هذه المقولة غير المنضبطة، التى قد تعادل جريمة تزوير فى تاريخ مصر وتشكيك فى قدرتها وقدرة أبنائها، وتتخيل أنت أن قائل مثل هذه العبارة ربما يكون واحداً من قيادات الإخوان الحاقدة، أو من هؤلاء الكارهين لمصر فى قطر، أو مسئولاً تركياً يعانى من عقد نقص أردوغانية، أو كاتباً سعودياً كارهاً لمصر كما هو الحال مع جمال خاشقجى، أو كاتباً إسرائيلياً أوجعته ذكريات حرب السادس من أكتوبر فقرر أن يبث حقده فى مثل هذه الكلمات.

آسف يا سيدى، خاب ظنك، قائل هذه العبارة هو وزير الخارجية المصرى السيد سامح شكرى، قالها فى حرم البرلمان، خلال الاجتماع مع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أمام نواب الشعب، ولم يرده أحد، ولم يصده أحد، ولم يغضب منه أحد، وكأنهم جميعاً متوافقون على تلك الجريمة.

لا يا معالى الوزير، عفواً، إحنا آسفين، مصر دولة رائدة، مصر دولة كانت لها الريادة فى المنطقة سياسياً وفكرياً ودينياً وفنياً. لا يا معالى الوزير، مصر رائدة الفن فى الوطن العربى والشرق الأوسط، أول سينما كانت من قلب قاهرة العشرينات، أول شوارع تعرف الإنارة كانت فى قلب القاهرة، أول من عرّف العالم العلم والهندسة والفلك هم الفراعنة، أول مسرح كان من قلب هذا الوطن، مصر كانت دولة قبل أن يعرف أحد فى هذه المنطقة معنى الدولة، مصر كان لديها نظام رى وترع ومصارف وقناطر وسدود قبل أن يعرف أحد معنى الزراعة. لا يا معالى الوزير، مصر دولة ريادة فى المنطقة كان لديها برلمان وتجربة حزبية متعددة وكان لديها جيش نظامى قبل أن يعرف أهل المنطقة الفرق ما بين السيف والبندقية، وكان لديها سميرة موسى ومصطفى مشرّفة، علماء كباراً، قبل ما يعرف أهل هذه المنطقة شكل الفصول المدرسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل