سياسة و كورة (2) – رحلة إلى إقليم الباسك

أغمض عينيك .. أطلق العنان لخيالك .. آلة الزمن عادت بك إلى يوم الخامس من ديسمبر لعام 2010، أنت الآن في إحدى أهم مدن الشمال الإسباني .. مدينة سان سيباستيان، وتحديدا في "أنويتا" معقل نادي ريال سوسيداد.

افتحهما الآن، نعم .. إنه دربي الباسك .. يوجد حولك 30 الف متفرج يرغبون في استقلال إقليمهم عن اسبانيا، الجميع يُمسك بعلم فريقه في يد وعلم إقليمه في اليد الأخرى، الترقب ساد قسمات وجوه تنتظر على أحر من الجمر نزول أفراد فريقي ريال سوسيداد وأتليتك بلباو حاملين معهم العلم الباسكي المقدس، حتى تسُمع الأصم بهتافات " independencia.. independencia" (الاستقلال.. الاستقلال)، لا تقلق .. فأنت على بعد خطوات من قوم اعتادوا خلط كرة القدم بالسياسة.

صورة من الدربي الذي انتهى 2-0 لصالح ريال سوسيداد في إطار الجولة 14 من الليجا (5-12-2010)

"سياسة وكورة" سلسلة جديدة يقدمها FilGoal.com عن أبرز الأحداث والمناسبات الكروية التي شهدت تدخلات سياسية.

الحلقة الأولى - سياسة وكورة - ما بين كرة القدم وصليب هتلر المعقوف

وستكشف الحلقة الثانية من السلسلة عن علاقة الأندية الرياضية في إقليم الباسك بالسياسة.

ماذا تعرف عن إقليم الباسك؟

يمتد إقليم الباسك عبر الحدود الإسبانية شمالا إلى جنوب غرب فرنسا، وتبلغ مساحته 20 ألف كيلومتر مربع، يقع 18 ألف كيلومتر منها ضمن الجانب الإسباني .

أهم مدن الإقليم هي بلباو، بيتوريا وسان سيباستيان، السكان يتحدثون لغتهم الخاصة التي تعرف بـ"أوسكارا"، ويعتبر معظمهم من الكاثوليك، والمعلومة الأهم هنا هي أن قاطني الإقليم دائما ما يطالبون باستقلاله عن إسبانيا.

أهم الأندية الكروية في الباسك ونشأتها

تأسس نادي ريال سوسيداد عام 1909، وينتمي النادي لمدينة سان سباستيان.

الفضل في دخول كرة القدم إلى مدينة سان سباستيان يعود إلى مجموعة من الطلبة والعمال الإسبان العائدين من بريطانيا، حيث قاموا بتأسيس نادي سان سباستيان ريكريشن عام 1904، لكنه لم يدم طويلا، وتأسس بعده نادي ريال سوسيداد عام 1909.

اسم ريال سوسيداد مشتق من كلمة Royal Society وتعني الجمعية الملكية، وقد تفسر لك تلك المعلومة سبب تغيير اسم النادي إلى "دونوستيا" إبان فترة حكم العصر الجمهوري.(1931-1939)

شعبية النادي تأثرت باسمه المنتمي للملكية في إقليم يطالب بالاستقلال، حيث تشير الاحصائيات إلى ان شعبيته تقدر بـ1.3% من الشعب الإسباني.

قصة تأسيس نادي أتليتك بلباو تعود إلى عام 1898 حينما أنشأ مجموعة من العمال البريطانيين العاملين في قطاع حديد ميناء المدينة نادي بلباو لكرة القدم "Bilbao Football Club"، وبعدها بثلاثة أعوام أسس طلاب إسبان عائدين من بريطانيا النادي الرياضي "Athletic Club" ،وتم دمج الناديين للمشاركة في بطولة كأس الملك 1902 ،ويبدو أن قرار الدمج كان صحيحا حيث تمكن الفريق من الفوز بالكأس مما مهّد الطريق للدمج الكامل عام 1903.

يعد نادي أتليتك بلباو رمزا سياسيا لإقليم الباسك، فمعظم عشاقه يؤيدون التيار الانفصالي، بل إن ألوان قمصانه الاحتياطية في العديد من المواسم كانت ترمز إلى علم الإقليم.

أتليتك بلباو هو صاحب الشعبية الأكبر في الباسك، ويقدر عشاقه بـ7.3% من الشعب الإسباني مما جعله يحتل المرتبة الخامسة من حيث الشعبية على مستوى إسبانيا.

تدخل السياسة في مباريات كرة القدم

على عكس دربيات العالم أجمع، فإن العلاقة بين جمهوري أتليتك بلباو وريال سوسيداد علاقة طيبة ووطيدة، وهو ما يطغى على دربي الشمال الإسباني الذي يقام في أجواء تضامنية بين الأنصار المطالبين بالاستقلال وتكوين دولة منفصلة.

وسواء إن أقيمت المباراة في السان ماميس معقل بلباو أو في أنويتا ملعب ريال سوسيداد، فإن المدرجات لابد أن تتزين بالعلم الباسكي بجانب أعلام الفريقين في إشارة إلى اتحاد الجمهورين من أجل المطلب الأساسي.

ولا تختلف كثيرا العلاقة بين لاعبي الفريقين عن الجماهير، فقد شهد أول دربي بعد وفاة الجينرال فرانكو عام 1976 دخول قائدي الفريقين سويا بعلم الباسك –في المباراة التي أقيمت على ملعب أتوشا ملعب سوسيداد الذي هُدم عام 1999- بعد أن كان العلم محظورا في عصر فرانكو.

وقد أصبح دخول الفريقين بعلم الباسك بعد ذلك عادة متعارف عليها في الدربيات.

أتليتك بلباو و برشلونة .. "كلاسيكو الانفصال"

مباراة بين فريقين ينتميان لإقليمين لا يعرفان سوى الانفصال مطلبا، فكيف تتوقع أن تكون ؟

في 13-9-2014 اتفق فريقا برشلونة وبلباو على أن يخوضا مباراة الجولة الثالثة من الليجا على ملعب الكامب نو بالقمصان الاحتياطية التي ترمز لألوان أعلام كتالونيا والباسك.

تزامن موعد احتفالات كتالونيا بعيدها الوطني مع زمن المباراة كان هو السبب الرئيسي وراء ذلك الاتفاق، وبالطبع استغل مسئولو الفريق الباسكي تلك المباراة للإشارة أيضا إلى رغبتهم في الانفصال أسوة بكتالونيا.

ولا يمكن أن ينسى مشجعو الفريقين مباراة نهائي كأس الملك موسم 2014-2015، حينما أطلقوا صافرات الاستهجان أثناء عزف النشيد الوطني الاسباني في ظل وجود العاهل الاسباني فيليبي السادس، وفرضت لجنة مناهضة العنف والعنصرية عقوبات على الناديين بسبب تصرفات جماهيرهما.

رئيس حكومة الباسك إينييجو يوركولو - الذي حضر اللقاء- علّق على قرار اللجنة قائلا :"من الخطأ معاقبة أندية بسبب هتافات جماهيرها التي تعبر عن رأيها الناقد لوضع سياسي معين".

خلال الجولة الأولى من المجموعة التاسعة لبطولة الدوري الأوروبي موسم 2012 – 2013، استقبلت جماهير أتليتك بلباو فريق هابويل إيروني كريات شمونة الإسرائيلي بالأعلام الفلسطينية، لتعبر عن دعهما للقضية على طريقتها الخاصة.

وفي مباراة الإياب، قرر الاتحاد الأوروبي تأجيل اللقاء "بسبب هشاشة الوضع الأمني" على حد قوله، بعد الهجوم اللاذع الذي شنّته جماهير الفريق الباسكي على الاحتلال الإسرائيلي ومطالبتها بإلغاء سفر الفريق إلى فلسطين المحتلة وإبعاد الفرق الإسرائيلية عن المباريات الأوروبية ردا على العدوان على غزة حينها.

لافتات "السان ماميس" المؤيدة لـ"إيتا"

شهدت مباراة أتليتك بلباو "الرديف" ضد فريق قرطبة ضمن مباريات الجولة 28 من دوري الدرجة الثانية الاسباني للموسم الحالي على ملعب السان ماميس، رفع الجمهور الباسكي للافتات تؤيد جماعة "إيتا" المحظورة مع الهتاف لصالحها.

قوّات الأمن ألقت القبض على اثنين من رابطة الأولتراس الداعمة لبلباو، وفرض الاتحاد الاسباني عقوبة قدرها 60 الف يورو على إدارة النادي بسبب سلوكيات جماهيره.

لكن من هي جماعة إيتا التي قد تتسبب بضع لافتات مؤيدة لها بكل تلك العقوبات؟ وما علاقتها بالرياضة؟

جماعة إيتا هي منظمة إسبانية مسلحة، تأسست عام 1959 على يد مجموعة من الطلاب المنشقين عن جماعة أكين "EKIN" المنشقة هي الأخرى عن الحزب القومي الباسكي، وتسعى إلى الاستقلال بإقليم الباسك عن إسبانيا وتكوين دولة منفصلة اشتراكية.

الدقيقة 87 من مباراة ريال مدريد و ريال سوسيداد التي أقيمت على ملعب سانتياجو برنابيو ضمن الجولة 15 من موسم 2004-2005، شهدت إيقاف حكم المباراة للقاء مع مطالبته اللاعبين والجماهير بسرعة الخروج من الملعب بعد أن اتصل شخص من منظمة إيتا بالشرطة الإسبانية وأخبرهم بوجود قنبلة في سانتياجو برنابيو ستنفجر في تمام التاسعة بالتوقيت المحلي.