المحتوى الرئيسى

صمت هنا وعويل هناك

05/09 11:35

ملأت أوروبا الدنيا بصراخها وعويلها إبان الهجوم الإرهابي على مقر صحيفة "شارلي إبدو" الفرنسية، الذي خلف 20 قتيلاً في باريس وضواحيها، بينهم مرتكبو الهجمات الثلاث، وتعد هذه الحصيلة هي أكبر حصيلة قتلى تتلقاها فرنسا منذ عقود.

على أثر الهجوم هاجت فرنسا وماجت، ومعها هبت أوروبا بتظاهرة أصبحت الأكبر في تاريخ البلاد؛ حيث ناهزت 3 ملايين و700 ألف مشارك، منهم حوالي 2 مليون في باريس وحدها، وقد شاركهم حوالي 50 من قادة العالم، الذين آلمهم الهجوم، وأبكاهم الإرهاب، وكان منهم بعض قادة العرب والمسلمين. وتضامنت الشعوب مع الضحايا، ونددوا بالإرهاب، ووضعوا عَلَم فرنسا على صورة الملف الشخصي (profile).

وما إن خفت صوت صراخها قليلاً، حتى علا مرة ثانية على صوت تفجير العاصمة البلجيكية (بروكسل) الإرهابي، الذي أسفر عن 21 قتيلاً، وعشرات الجرحى، ووقف العالم مرة ثانية متوعداً بالقضاء على الإرهاب، وتعاطف الجميع مع الضحايا، وزرفت عيون الشعوب الدموع.

هذا الصراخ والعويل كانا هناك، فلماذا خفت الصوت، وخُرست الألسن، وجفت العيون هنا؟!

هنا في بلاد العرب والمسلمين.. في كل يوم مأتم وعويل! هنا في كل يوم تفجير! هنا الضحايا بمئات الآلاف، والجرحى أكثر منهم وأكثر! هنا الدماء لا تزال تسيل، فتمتلئ بها الشوارع، والجوع لا يزال يحاصر المساكين، والبراميل المتفجرة لا تزال تُلقى فوق رؤوس الآمنين صباح مساء! هنا صورة الأطفال والضحايا مفجعة ومؤلمة! هنا الصرخات لا تزال تصم الآذان، والمشاهد لا تزال تفجع القلوب.

هنا: سوريا! هنا: اليمن! هنا: العراق! هنا: فلسطين! هنا: مصر! هنا: بلاد العرب والمسلمين ... أما هنا: فلا بواكي لهم!

أكتب وحلب تحت النار، تشكو إلى الله إخوة وأشقاء، شاهدوها تشتعل وتصرخ وتُدمر، ولم يحركوا لها ساكناً. أكتب والصور مرعبة، والتدمير على أشده، والبراميل المتفجرة التي يرميها نظام بشار المجرم الإرهابي، ومعه الطيران الروسي الإرهابي؛ لا يكف عن القتل والفتك، لا يفرق بين طفل وشيخ، بين كبير وصغير، بين رجل وامرأة، يستهدفون المستشفيات، ويمسحون المراكز الطبية مسحاً، لا تبقي عيناً ولا أثراً، والمئات لا تزال تحت الأنقاض... إنهم يُدمرون حلب الثقافة والعلم والتاريخ.

كل ذلك يحدث على أعين العالم وبصره، يشاهدونه رأي العين، وتسمع أذنه صرخات ثكلاه والجرحى، وبكاء الأطفال، وعويل النساء، واستغاثات الرجال، ولكن لا مجيب!

يقف العالم الغربي الحُر اليوم صامتاً لا يحرك ساكناً؛ لأن الأمر لا يعنيه، والضحايا ليسوا ضحاياه، والتدمير بعيد عنه، وقد شغلوا شعوبهم الحرة بآلامهم ومتاعبهم، فلم تعد تسمع لصرخات أخرى غير صرخاتهم، ولم تعد ترى بأعينهم سوى ضحاياهم.

لقد انكشف زيف الغرب، وحضارته، وقيمه، التي صدع العالم بها والدفاع عنها.. قيم الحرية للشعوب، والدفاع عنها، والوقوف جنب المظلوم لينال حقه المغتصب من الظالم، لقد نسوا أو تناسوا لماذا أقاموا لجاناً لحقوق الإنسان؟ ولماذا تأسست هيئة الأمم؟ ولماذا كانت محكمة لاهاي للجرائم ضد الانسانية؟ لقد أزال صوت الصرخات في سوريا الغطاء المزيف للغرب وأميركا! وكشفت زيف الوحدة العربية، وفضح الجامعة العربية الصامتة، ومنظمة التعاون الاسلامي وغيرها! وهل نسيت الولايات المتحدة الأميركية ابتهال الرئيس روزفلت عام 1942 "إلهنا يا مانح الحرية، إننا نضع أفئدتنا وأرواحنا اليوم رهن قضية حرية الجنس البشرى كافة، امنحنا اللهم الإيمان والفهم لنحيا ونعتز بالذين يحاربون من أجل الحرية كما لو كانوا إخوة لنا... فإذا ما ظلم إخوتنا فنحن كذلك مظلومون، وإذا كانوا جياعاً فنحن كذلك جياع، وإذا كانت الحرية قد انتزعت منهم فإن حريتنا غير مصونة، امنحنا اللهم إيماناً مشتركاً بأن الإنسان سيكون له الخير والسلم، والعدالة والبر، والحرية والأمان، وتساوي الفرص، لا في وطننا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم أيضاً".

إن الجميع يقف خلف المجرم بشار الأسد، في تدمير سوريا وابادة شعبها بكل وسائل القتل! الكل مشترك في الجريمة، إما بمشاركة فعلية، وإما بصمت حقيقي، والساكت عن الحق شيطان أخرس، هذه الأنظمة التي فقدت عروبتها وإسلامها حين (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً).

هل عقمت الأمة عن ولادة أمثال المعتصم حين هب لنجدة امرأة واحدة؟! تقول الروايات: "إن رجلاً قدم للمعتصم ناقلاً له حادثة شاهدها قائلاً: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية فرأيت امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تسحل إلى السجن فصاحت في لهفة: وامعتصماه وامعتصماه.. فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية قائلاً له: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم، أخرج المرأة من السجن، وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي. فلم يستجب الأمير الرومي، وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلوا النار في المجانيق، وارموا الحصون رمياً متتابعاً، ففعلوا، فاستسلمت، ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة، فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم؟ قالت: نعم".

أيها الغرب يا باكي الضحايا.. يا مدافع عن الحريات.. يا محارب الإرهاب.. ماذا تسمي ما يحدث في سوريا اليوم ومنذ سنوات، وما يحدث في اليمن، والعراق، ومصر؟! هل هذا بمفهومك للإرهاب يعد إرهاباً أم ماذا؟ ثم لماذا تدخلت مسرعاً ضد القذافي، وتباطأت ضد بشار؟!

ولكن لماذا دائماً نطلب من غيرنا أن يدافع عنا؟ ولماذا لا نطلب من قادتنا وحكامنا وهم أولى بالقيام بدورهم في حقن دماء الشعوب؟!

ولكن لا هؤلاء ولا هؤلاء تُرجى من ورائهم الفائدة، ولا يُبتغى العون منهم ، ولا تُطلب المساعدة، ولا يُأمل الرجاء فيهم.

الأمل في وجه الله الكريم، والعون عونه، فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل، وهو بالمرصاد لكل طاغية، حتي إذا أخذه لم يفلته (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

ثم الأمل في الشعوب الحرة، التي تنبض عروقها بالحياة، وتتألم لشكوى المنكوبين والمظلومين، وتحسن بإحساسهم، وتتوجع لوجعهم.

الأمل في كل عربي، ومسلم، أن ينهض من كبوته لينصر إخوانه المستضعفين في الشام وغيرها، ويمد لهم يد العون والمساندة، ويدافع عنهم، وينشر قضيتهم، ويطعم جائعهم، ويداوي جرحاهم، ويُغيث متضررهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل