المحتوى الرئيسى

عن يمينى وعن يسارى | المصري اليوم

05/07 23:42

«إذا لم تكن يسارياً وأنت شاب فى العشرينيات من عمرك، فأنت بلا قلب. وإذا ظللت يسارياً وأنت فى الثلاثينيات من العمر، فأنت بلا عقل». * المقولة السابقة شديدة الجاذبية، ولذا فهى قد نُسبت إلى الكثيرين من الساسة والأدباء والمفكرين من مختلف الانتماءات السياسية.

نُسبت إلى «بسمارك»، «دزرائيلى»، «برنارد شو»، «أوسكار وايلد»، «برتراندرسل». وإن كان أشهر من التصقت به- خطأ- هو «تشرشل». الأقرب إلى الاحتمال أن تلك المقولة هى إعادة صياغة لما قاله رئيس الوزراء الفرنسى فى مطلع القرن العشرين «كليمنصو»، حينما وشى له الواشون بأن ابنه الشاب اليافع انتمى لأحد التيارات الشيوعية.

فكان رده: «إذا لم يكن هكذا فى هذه السن (٢٢عاماً) لأنكرته واستنكرت، وإن ظل كذلك وهو فى الثلاثين من العمر لنفيته من البلاد». وهناك أيضاً «صيغة» أقدم لتلك المقولة «الفكرة»، تعود إلى رئيس وزراء فرنسا فى عهد الملك «لويس فيليب» فى القرن التاسع عشر، «فرانسوا جيزو»، حين قال: «إذا لم تكن جمهورياً وأنت فى سن العشرين فهذا يدل على أنك بلا قلب، وإذا كنت جمهورياً فى سن الثلاثين فهذا دليل على أنك بلا عقل». * سحر تلك المقولة يرجع إلى أنها تعكس فهمًا عميقًا للنفس البشرية. ولهذا كان من الممكن إعادة صياغتها بأشكال مختلفة، فى صورة ثنائيات.. ملكية/ جمهورية. محافظ/ ليبرالى. يمينى/ يسارى... إلخ. والإسناد المحتمل لتلك المقولة إلى كل السابق ذكرهم يؤكد أيضاً قوة منطقها، إذ إنهم جميعاً لا ينضوون تحت إطار أيديولوجى واحد، ويُعرف عنهم جميعاً الذكاء المبين والمقولات الخالدة.

فى كتابه «عظماء معاصرون»، روى «تشرشل»، سليل الأرستقراطية الإنجليزية، أباً عن جد، أو لورداً عن لورد، أنه حينما كان ضابطاً صغيراً كان يكره الأديب الاشتراكى اللامع فى تلك الآونة «برنارد شو»، وأنه كتب مقالًا هاجمه فيه بعنف، ردًا على ما كتبه «شو» مهاجماً الجيش. ولأن أمه «الليدى راندولف تشرشل»، كانت محبة للأدب وأهله، فقد دعت يوماً «شو» على الغداء، فكان أن التقى «تشرشل» به، واستمع إليه، فوقع أسيراً لسحر كلامه وأسلوبه الساخر. يعشق إبداع «شو»، ويظل الاختلاف السياسى والأيديولوجى الحاد كما هو. لاحظ «تشرشل» أن «شو» لا يأكل سوى الخضروات والفاكهة، وأنه لا يشرب سوى الماء. وعندما سأله لماذا لا يشرب الخمر؟ أجاب «شو»: «يكفينى ما أجده من صعوبة شديدة فى السيطرة على نفسى». * العلاقة بين العملاقين مثيرة. «شو» أكبر من «تشرشل» بثمانية عشر عاماً. كلاهما حاز جائزة نوبل «فى الآداب». متناقضان فى النشأة الاجتماعية. عانى «شو» من الفقر المدقع قبل الشهرة والمجد، ورفل تشرشل فى النعيم منذ الصغر.. «شو» يسارى اشتراكى (فابى)، و«تشرشل» يمينى رأسمالى محافظ.. «شو» عدو للاستعمار، و«تشرشل» استعمارى قح.. «شو» نباتى، و«تشرشل» نهم للطعام الدسم والشراب والسيجار.. إلخ. * يقول «تشرشل» ساخراً من اشتراكية «شو» وتناقضاته: «روسيا المعاصرة هى موطنه الروحى، وأيرلندا هى مسقط رأسه، ومع ذلك فهو يفضّل أن يعيش فى إنجلترا، مستمتعاً بكل أسباب الراحة والرفاهية».. «لم يبتعد أحد بعيداً عن آرائه الثورية مثل ابتعاده هو ذاته عنها».. «يسخر من الزواج والحب، ويعيش عيشة هادئة فى زواجه السعيد».. «يدعو إلى المساواة فى كل شىء، حتى الدخل، واعترض على زيادة ضريبة الدخل، فهو يملك ثروة طائلة».. «ينتقد اليوم ما دافع عنه أمس».. «مهرج.. ذو وجهين.. متقلب كالحرباء».. «عميق التفكير بلاشك، ولكنه يتغذى بالمتناقضات». ذكر «تشرشل» وانتقد العديد والعديد من تناقضات «شو»، ولكنه لم يغمطه حقه كمبدع، ولم يُخفِ إعجابه الشديد به، فقال: «ومع هذا فإن وجوده بيننا قد عاد بلاشك بالفائدة على مجتمعنا».. والحق أن برنارد شو خلف أوسكار وايلد بروايات تفوق رواياته من حيث الحبكة المسرحية والمغزى وقوة الحوار وعمق التفكير.. «إن برنارد شو قديس وحكيم وبهلوان، وهو عميق وجليل، وصعب المراس، وإذا لم يستحق التبجيل فإنه فى كل الأحوال قد استحق الإعجاب الذى لم يبخل به عليه هذا الجيل الذى يعده حلقة فى سلسلة الشخصيات العالمية، وأكبر كاتب باللغة الإنجليزية، فى العالم، من بين الأحياء». * تلقى «تشرشل» الرسالة التالية من «برنارد شو»: «أدعوك لحضور ليلة العرض الأول لمسرحيتى، ومرفق طيه تذكرتان، واحدة لك والأخرى لصديق تصطحبه، لو كان عندك صديق». وكان رد «تشرشل» على الرسالة كالتالى: «نظراً لوجود ارتباط سابق، أعتذر عن حضور ليلة العرض الأول وسوف أحضر الليلة الثانية، لو كانت هناك ليلة ثانية للعرض». * «الاشتراكية هى فلسفة الفشل، وعقيدة الجهل، وإنجيل الحقد» تشرشل. * «الرذيلة المتأصلة فى الرأسمالية هى عدم المساواة فى توزيع الثروات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل