المحتوى الرئيسى

تحقيق| العالم السرى للكتب المزورة

05/07 22:22

تفاصيل قرصنة الكتب الجديدة وأماكن الطباعة والتوزيع

أمام «فرشة كتب» بحى الدقى، وقف شاب جامعى يسأل عن أحدث روايات أحمد مراد «أرض الإله»، قال له البائع بـ50 جنيها، ضحك الشاب ورد: «أمَّال أنا جايلك ليه.. أنا عايز الرخيصة»، ثم أخذا يتفاوضان إلى أن ابتاعها بـ30 جنيها ومضى.

لا تبدو فكرة تزوير الكتب فى مصر حاليا خافية على أحد، فهذه الرواية التى اشتراها الشاب من بائع الجرائد، لغلو ثمنها الأصلى كما قال لنا، لم يمر يومان إلا وتم قرصنتها وطرحها فى طبعات مزورة بخلاف النسخ الإلكترونية PDF.

تطور صناعة تزوير الكتب، وكون الأمر أصبح يتم بهذه السرعة، يدعونا للبحث عن دورة ذلك التزوير ومراحله، ومعرفة رحلة الكتاب من اللحظة التى يكون فيها نسخًا أصلية على أرفف المكتبات، حتى يصبح نسخًا مزورة فى أيدى القراء.

«المطبعة» تواصل مع أحد موزعى الكتب المزورة، والذى يتعامل مع أباطرة تزوير الكتب، أو «القراصنة» كما يُطلق عليهم.

المصدر -رفض بالطبع ذكر اسمه- حكى القصة من البداية: «صفحات الدور الكبرى تعلن عن الروايات الهامة على فيسبوك قبل إصدارها بشهر، والقراصنة بيفضلوا متأهبين، وأول ما تنزل همّ أول ناس بيروحوا يشتروها، ويطلعوا على مطابع بير السلم فى منطقة دار السلام ويتفقوا على عدد النسخ اللى هما عايزينها ويستلموها فى ظرف يومين».

وعما يحدث داخل هذه المطابع غير الشرعية، يقول: «المطبعة بتفصل الغلاف وبتسحبه (اسكنر)، والكتاب من جوه بيتفسخ وبتتصور كل صفحاته، ثم يدخل فى مرحلة (الجمع) من خلال عامل واحد يستخدم مكنة واحدة فى إعادة تجميع صفحات كل نسخة، وبعد كدة بيتغرَّى ويتبَشر»، وأوضح: هم بيسموا المرحلة الأخيرة اللى بيتم فيها التجميع والتغرية والقصقصة لتجهيز الكتب قبل تسليمه.. مرحلة (البَشْرْ).

لكن قبل أن نستكشف وجهة الكتاب بعد الخروج من المطبعة، يجب أن نعرف كم تكلف القرصان لطباعة 1000 نسخة مثلًا. هنا يسهب المصدر: القرصان بيكون شارى مئات الرُّزم من الورق بشيكات بنكية، تسمحله بالدفع بعد شهر مثلًا. بيحط الورق فى المطبعة لحسابه ويطلب من صاحبها يستخدم الورق فى طباعة الكتب اللى هيجيبهاله. إذن لحد دلوقتى القرصان مادفعش ولا مليم. تنزل رواية مهمة، يبعتها القرصان للمطبعة، الألف نسخة بتتكلف 300 جنيه للغلاف و500 جنيه مصنعية، يعنى 800 جنيه. ويستلم النسخ المزورة. يعنى لو باع النسخة الواحدة من الألف، بجنيه واحد.. هيكسب، ويواصل: بياخد النسخ ويوزعها ويكسب، ويبدأ يسدد تمن الورق اللى كان متفق عليه.

أما أسعار الورق، فيقول المصدر: إن السعر يختلف باختلاف نوع الورق، فهناك ورق أسمر ونباتى وأبيض.. إلخ.

ماذا يحدث بعد انتهاء دور المطبعة؟ يجيب المصدر: القِبلة فى الآخر هى العتبة (يقصد سور الأزبكية).. هى اللى بتدى كل تجار مصر فى كل المحافظات، ويوضح: بييجى القرصان ياخد الكمية اللى طلبها ويحاسب المطبعة، ويطلع على العتبة، وتجار العتبة بيبيعوا الكتب لتجار التجزئة فى القاهرة والمحافظات.

وبعد ذلك غالبًا القرصان بيكون بايع كل النسخ قبل ما تطبع أصلًا. بيكون متفق مع أكشاك السور فى العتبة، فيه كشك عايز 300 نسخة، وكشك تانى عايز 500. وده مش عشان يبيعوا النسخ دى عندهم بس. لأ. ده كل كشك له تابعين فى الأقاليم، اللى بيوزع فى السويس، واللى جنبه بيتعامل مع المنصورة، وهكذا. بل إنهم أحيانًا بيكونوا موزعين الشغل على بعض، كشك مسؤول عن روايات أحلام مستغانمى، وآخر مسؤول عن كتابات مصطفى محمود، وهكذا.

وعن طريقة توزيع الكتب المزورة على تجار التجزئة، يقول: تجار العتبة بيبعتوا النسخ فى ميكروباصات للـ50.. 60 فرشة اللى فى القاهرة.. عند الجامعة وفى الجيزة والتحرير وقصر العينى وغيرها، كل فرشة تاخدلها ما بين 5 و10 نسخ، أما طريقة إرسال النسخ إلى بائعى المحافظات فيشرحها المصدر قائلًا: «بيتفق تاجر سور الأزبكية مع تاجر الزقازيق -مثلًا- على إن الأخير يبعتلوا الفلوس فى البريد، مقابل إرسال النسخ المطلوبة على ضهر ميكروباص. هكذا وفى ظرف أيام من ظهور النسخ الأصلية من أى كتاب، تصبح نسخه المزورة فى متناول القارئ فى كل أنحاء مصر.

هانى عبد الله، صاحب دار الرواق للنشر، والتى أصدرت كتبًا حققت جماهيرية عالية مثل روايات محمد صادق، يقول إن تزوير الكتب فى مصر قديم، لكنه قبل ثورة 25 يناير كان يتم على استحياء من خلال طباعة كتب عربية -من خارج مصر- غالية الثمن، لكن بعد الثورة أصبح هناك «جرأة وتبجح» من المزورين، وانتشر الأمر.

السبب من وجهة نظر عبد الله يرجع إلى غياب القوانين التى تحمى الملكية الفكرية بشكل عام، ويشير إلى أن هناك مراكز معروفة لتجارة الكتب المزورة، مثل «سور الأزبكية» فى القاهرة، و«محطة الرمل» فى الإسكندرية، ورغم شهرتها لا يتم ردعها بالقانون.

صاحب «الرواق» يلفت النظر إلى أن «المزور ماعندوش عنصر المخاطرة، لأنه بيطبع كتاب هو عارف إنه ناجح وهيكسب فيه، بعكس دور النشر، والمزور بيطبع طباعة رديئة بتكاليف أقل فبيكسب أكتر، وماعندوش ضرايب زى الدور اللى بتدفع 20% من الأرباح، بخلاف إن الدار لما بيجيلها عمل، بتحرره وبتصححه لغويا وبتصمم الغلاف»، مشددًا على أن أى كتاب تصدره الدار «بياخد 3 أو 4 شهور شغل حتى يظهر للنور.. وييجى المزور ياخده ع الجاهز».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل