المحتوى الرئيسى

"صابئة العراق" المندائيون... موحّدون ولا يعبدون النجوم والكواكب

05/07 09:04

لم يسلم المندائيون من التشويه والصور النمطية التي ألصقت بهم والتلفيقات التي راح البعض يروّج لها عنهم، كعبادتهم للنجوم والكواكب، ومن ثم نفي التوحيد عن معتقداتهم وعدّهم ديانة وثنية، وإشاعة أفكار غريبة عن طقوسهم.

على التلفيق، تتأسس نظرة تمييزية تخضع المندائيين لحصار اجتماعي، وتدفع الآخرين إلى عدم مصافحتهم ورفض مشاركتهم الطعام بوصفهم "أنجاساً"، في مفارقة تثير السخرية، لأن المندائية ديانة تقوم على النظافة وتقديس الماء الجاري.

معلوم أن الكتاب المقدس للمندائيين اسمه (كنزا ربا) والآيات الموجودة فيه تؤكد عبادتهم لله.

وفي محاولة للتصدي لجميع الاتهامات الموجهة لهم ومواجهة التشدد الديني الذي بدأ يغزو المجتمع العراقي في تسعينيات القرن الماضي، اتخذ المندائيون قراراً بترجمة كتابهم المقدس إلى العربية، لأن الدراسات المكتوبة لن تنجح في تصحيح صورتهم وما لحق بسمعتهم من تشويه.

هكذا، ترجم كتابهم إلى اللغة العربية رجال دين مندئيون، بصياغة لغوية قام بها الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد.

وكلمة الصابئة مشتقة من الفعل الآرامي (صبا) الذي يعني اصطبغ أو تعمّد. وفي العراق تُستخدم كلمتا (صابئة أو صُبَّة) باللهجة العامية على المندائيين الذين لا يعرّفون أنفسهم بغير المندائيين.

وقال الباحث العراقي في شؤون الأقليات سعد سلوم، في كتابه "مائة وهم عن الأقليات"، إن الاستعمال الأكثر شيوعاً لكلمة "الصابئة" هو للإشارة إلى الشخص الذي ترك دينه.

شارك غردلم يبقَ منهم في العراق إلا نحو 7000 ... "الصابئة" المندائيون

شارك غرد"الصابئة" المندائيون في العراق... هل يخنقون الحيوانات بدلاً من ذبحها؟ وهل يخنقون المحتضر لاستعجال موته؟

وكانت تسمية "الصابئة" تُطلق على كل مَن يترك عبادة الأصنام إلى عبادة النجوم والكواكب. لذلك أطلقت على عرب اليمن الذين كانوا يعبدون الشمس في زمن الملكة بلقيس، كما أطلقت على المصريين لدى تحوّلهم إلى عبادة الشمس في زمن أخناتون، وعلى عبدة الشمس والنجوم من اليونانيين والصينيين والسوريين والكلدانيين الذين جادلوا النبي إبراهيم في عبادتهم، كما ورد في القرآن الكريم. ثم أطلقت على من دعا إلى العودة إلى الحنيفية (دين إبراهيم) وأطلقت بالمعنى نفسه على النبي محمد وأتباعه في بداية الدعوة الإسلامية.

يعيش المندائيون في بغداد وجنوب العراق (محافظة ميسان تحديداً)، وشكّلوا تاريخياً ثقافة عابرة للتحديات والأمبراطوريات والأديان التي توالت على أرض بلاد ما بين النهرين، خلال أكثر من عشرين قرناً من الزمن.

سكن المندائيون قرب الأنهار في جنوب العراق، ومناطق الأهواز في بلاد فارس (إيران حالياً). ومن أشهر المدن التي سكنوها البصرة والطيب والعمارة والكحلاء والمجر الكبير والمشرح في ميسان، والناصرية وسوق الشيوخ في ذي قار، فضلاً عن مدينتي مندلي وواسط.

ومن هذه المدن انتقل قسم منهم إلى العاصمة بغداد، وقد بدأت الهجرة إليها في أوائل القرن العشرين لتصبح أكثر المدن التي تمركز فيها المندائيون. كما انتقل قسم منهم إلى محافظات الديوانية والأنبار وكركوك.

بعد الفوضى التي اجتاحت العراق، بعد عام 2003، وانعدام الأمن وانتشار الجريمة واستهداف الأقليات، اضطر عدد من المندائيين للنزوح إلى شمال العراق والاستقرار في مدينتي السليمانية وأربيل.

وقال الشيخ جبار ستار حلو، زعيم الطائفة المندائية في العراق والعالم، لرصيف22 إن "الأوضاع الأمنية التي شهدها العراق بعد عام 2003، وانتشار العنف في البلاد، ومحاولات البعض إفراغ العراق من باقي الديانات والقوميات، كلها أسباب دفعت أعداداً كبيرة من المندائيين إلى ترك البلاد والهجرة".

وأضاف أن "أعداد المندائيين كانت حتى عام 2005 تصل إلى 80 ألفاً في العراق، لكنها تقلّصت بعد ذلك ووصلت اليوم إلى سبعة آلاف تقريباً، وهذا مؤشر خطير يؤثر على التنوّع الذي يجب أن يكون عليه المجتمع العراقي".

بعد أن كان المندائيون بدون تمثيل أو بنية مؤسسية للطائفة، بدأوا مند مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، في بلورة هويتهم الدينية والثقافية في إطار مؤسسي، فتشكلت ثلاثة مجالس لتمثيلهم:

وقال الباحث في شؤون الأقليات سعد سلوم، الذي كتب عدداً من الكتب عن الأقليات، إن "تمثيل المندائيين السياسي يواجه تحديات تتمثل في قلة العدد وتوزّعهم على أغلب المحافظات، وعدم دخولهم بصفة رسمية في أي حزب من الأحزاب أو التحالفات السياسية، لذا لم يحصلوا على أي تمثيل في مجلس النواب في دورته الأولى 2006 - 2010، وجاء نظام الكوتا ليقدم حلاً، فحصلوا على مقعد واحد في كل من مجلس النواب ومجلس بغداد لدورته الثانية 2008 - 2012، ومقعد في مجلس النواب لدورته الثانية 2010 – 2014".

وأضاف أن "المندائيين يرون أن ثقافتهم تتعرّض لخطر حقيقي ووجودهم مهدد بالانقراض"، ومن هنا، برأيه، قد يكون الحلّ في جمعهم في بلد واحد بدل تشتتهم في المنافي.

وتابع سلوم، وهو رئيس مؤسسة مسارات للأبحاث الخاصة بشؤون الأقليات، أن "مخاطر انقراض لغة المندائيين التي تعد لغة طقسية يقتصر تداولها على رجال الدين وعدد قليل من الباحثين، وكون ديانتهم غير تبشيرية ولا تسمح بالزواج من خارج الطائفة، فإن ذلك كله يقدم صورة مظلمة عن مستقبلهم في بلد يعدّون من أقدم سكانه".

ونأى الانغلاق بالمندائيين عن الاتهامات التي تُساق ضدّهم. فقلة عددهم دفعت بهم إلى الانغلاق بهدف حماية الذات، وشجع ذلك على انتشار أساطير وخرافات عن عقائدهم، وسهّل مهاجمتهم، ونشر الأباطيل حولهم، لا سيما أن هذا الانغلاق قد ترافق مع انحدار مكانة الجماعة اجتماعياً وسياسياً.

فبعد دور المندائيين الملحوظ في ظل الحضارة الإسلامية، لا سيما في العصر العباسي، تدهورت مكانتهم بعد تدهور هذه الحضارة والغزو المغولي والفتح العثماني من بعده، إذ تعرّضوا للاضطهاد وانكمشوا على أنفسهم في القرى المنتشرة عند البطائح الممتدة من نهر الفرات حتى نهر كارون جنوب غربي إيران. وكانت هذه المنطقة لظروفها الجغرافية الخاصة بمنأى عن سطوة الحكام وبطشهم.

ومرّت سنوات صعبة على المندائيين بعد أن تبنت الحكومة العراقية في زمن النظام السابق، وبشخص رئيسها صدام حسين، "الحملة الإيمانية"، في تسعينيات القرن الماضي، بعد حرب تحرير الكويت عام 1991.

وكان من نتائج الحملة الإيمانية إفساح المجال أمام أئمة الجوامع وخطباء الجمعة، وبتشجيع من الدولة، لترويج الأفكار الدينية المتطرّفة ودعوة المجتمع إلى تبني الأفكار الإسلامية الحصرية، والتشجيع على الغلو في تطبيقها، حتى وصلت الأمور إلى تكفير غير المسلمين والطعن بدياناتهم.

وتمادى بعض أئمة خطب الجمعة في تكفير المندائيين والمسيحيين والأيزديين، بل كانوا يجاهرون في خطبهم الأسبوعية بذلك، ويحرّضون على استباحة أموالهم ونسائهم وتكفيرهم. وأثّرت هذه الخطب في سلوك بعض الناس في الشارع فبدأوا بمضايقة المندائيين.

كما حصلت حالات خروج من الدين المندائي إلى الديانات الأخرى في بعض مناطق أطراف بغداد، وكانت الحكومة تغضّ الطرف عن تلك الحوادث مستندة إلى أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي حسب الدستور.

هنالك جملة من الأفكار النمطية والأساطير والتلفيقات التي تُساق ضد المندائيين مثل عبادتهم النجوم والكواكب ومن ثم نفي التوحيد عن معتقداتهم وعدّهم ديانة وثنية، وإشاعة أفكار غريبة عن طقوسهم، مثل خنقهم الحيوانات بدلاً من ذبحها كما يفعل المسلمون أو اليهود والمسيحيون، بل يصل الأمر إلى اتهامهم بخنق المحتضر للتعجيل في موته.

وبحسب سلوم في كتاب "مائة وهم عن الأقليات، "من الغريب اتهامهم بخنق الحيوانات مع ما يعرف عن المندائيين من تشبث بالطقوس ووجوب ممارستها بدقة، ومنها طقوس ذبح الحيوانات التي تتضمن غسلها والتأكد من سلامتها قبل الذبح، مع قراءة عبارات دينية أثناء الذبح".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل