المحتوى الرئيسى

بيدى لا بيد النظام

05/06 23:00

فى ظنى فإن اللحظة التى بدأت فيها ثورة 25 يناير كانت فى احتفال رسمى (ملتقى القاهرة للرواية العربية 2003) يقيمه المجلس الأعلى للثقافة، الذى كان يترأسه لسنين طوال د. جابر عصفور، وحضره وزير الثقافة لسنين أطول فاروق حسنى، وفى هذا الاحتفال أعلن الروائى السودانى الطيب صالح من لجنة التحكيم التى كانت تضم وجوهاً عربية أدبية مرموقة فوز الروائى المصرى صنع الله إبراهيم بالجائزة.

قام صنع الله ليلقى كلمة ووزعها على الحاضرين، ذكر فيها أنه فى اللحظة التى نجتمع فيها تجتاح إسرائيل الأراضى الفلسطينية وتقتل النساء والأطفال وتقوم بإبادة ممنهجة وبتهجير الآلاف من أرضهم التى تستولى عليها بينما تستقبل العواصم العربية وفوداً إسرائيلية بالأحضان، ويحتل السفير الأمريكى حياً فى القاهرة بأكمله وينتشر جنوده فى كل مكان بالوطن الذى لم يعد عربياً، كما ينعم السفير الإسرائيلى فى القاهرة بالطمأنينة، ثم عرج صنع الله إبراهيم على أحوال مصر فقال إنه متأكد من أن كل مصرى يشعر بالخطر المحيق بالوطن وبعجز الحكومة فى السياسة الخارجية ومواجهة التهديدات والإملاءات الأمريكية، وكذلك عجزها فى كافة نواحى حياتنا، إذ لم يعد لدينا سينما أو مسرح أو تعليم أو بحث علمى، ولم تعد لدينا صناعة ولا زراعة أو صحة أو عدل، وأكد أن لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب، تفشى الفساد والنهب، ومن يعترض يتعرض للتهديد والإهانة والضرب والتعذيب.

كان جيداً أن بدأ صنع الله بعرض أسبابه بوضوح وبساطة قلما ينكرها أحد، بل إن المسئولين الكبار بل والرئيس نفسه كانوا يعترفون بها، وعليه فقد وصل إلى أن الكاتب لا يستطيع الصمت ولا أن يغمض عينيه، لا يستطيع أن يتخلى عن مسئوليته، وبناء عليه أعلن أنه لا يستطيع قبول الجائزة من حكومة تقمع شعبها وتحمى الفساد وتسمح للسفير الإسرائيلى بالبقاء فى مصر، فى حين أن إسرائيل تقتل وتغتصب، وانتهى إلى أنه يرفض الجائزة لأنها صادرة من حكومة لا تملك مصداقية منحها.

رفض الروائى الجائزة ومبلغ المائة ألف جنيه، وكلنا يعرف ماذا يمثل هذا المبلغ لكاتب فى مصر، أما كان ممكناً أن يقول صنع الله الحيثيات التى أرادها ثم يشجبها ويتوقف أو يضيف فيدعو لقطع العلاقات مع إسرائيل ومحاربة الفساد والتوقف عن الضرب والقمع والتعذيب والإهانة، ويحدد كغيره وككاتب كبير ملامح الإصلاح الاقتصادى ولا يرفض الجائزة والمبلغ؟ لكن صنع الله اختار أن يضحى بالجائزة وبالمال ويدفع ثمن كلماته بعدما صارت الجائزة وقيمتها من حقه تماماً فى اللحظة التى أُعلن فيها فوزه.

أعطى هذا الثمن للكلمة قيمة كبرى ومقداراً عظيماً لدى المواطنين، رغم أن صنع الله ليس بحاجة لأن يدفع أثماناً إذ إنه كاتب صادق وسجين سياسى سابق.

قيمة موقفه -الذى لم يُقيَّم بعد من حيث أثره السياسى والثورى بما يليق ويلزم- أنه كان بداية القطيعة مع نظام الحاكم مبارك، كان معناه الخسارة أفضل من التعامل معه أو منفعة تأتى منه، لقد كان إعلاناً خيرياً -ممن لا يسعى لربح- بأنه نظام كاذب لا مصداقية له، بل إنه صندوق أكاذيب وادعاءات بالمهرجانات والمؤتمرات.

الرفض عنى عدم المشاركة فى التمثيل والتوقف عن اللعب، وتبدأ الثورات باعتقاد جازم بأن النظام كذاب أشر ولا ثقة لنا فيه ولا أمل يرجى منه، والخسارة أفضل من التعامل معه وأفضل من منفعة يجلبها لنا، وهذا موقف أخلاقى واضح يمنح القوة والشعور بالاعتزاز لكل من يشارك صنع الله أفكاره ويبتهج بموقفه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل