المحتوى الرئيسى

تلاقي الهوانم ومظاهرات العسكر.. أوراق في ذاكرة قصر النيل

05/05 23:33

شارع قصر النيل أشهر شوارع وسط القاهرة- يكاد يكون الشارع الوحيد الذي لم يتغير اسمه. يعتبر القائد إبراهيم باشا- ابن محمد على الكبير- أول من فكر في تعمير المنطقة. وذلك عندما أمر بتمهيد تلك الأرض وردمها وتسويتها كجزء من تجميل الشاطىء الشرقي لنيل العاصمة. وكجزء من اهتمام سعيد باشا رابع ولاة مصر من الأسرة العلوية بالجيش والبحرية.

وكما أنشأ قلعة عسكرية في القناطر الخيرية، أنشأ ثكنات للجيش المصري في منطقة قصر النيل هذه. وكانت هذه أكبر حركة تعمير في هذه المنطقة. مما لفت الانتباه إلى المنطقة الواقعة غرب القاهرة، وهى الأساس الذي تحرك عليه إسماعيل باشا. وبعد أن كانت شبرا هى منتزه سكان العاصمة، وبعد إنشاء كوبري قصر النيل- الذي حمل اسم كوبري الخديوي إسماعيل- تحول الناس إلى الكوبرى الجديد وما يليه من قصور وحدائق وطرق ومناظر إلى منطقة النزهة الأولى. وخف سير المركبات التي كانت تقطع شارع شبرا عصر كل يوم للنزهة. وقصر النيل ليس مجرد شارع تم دكه بالحجر الدقشوم على يد كبير مهندسي مصر علي باشا مبارك بتكليف من الخديوي إسماعيل خامس حكام مصر الحديثة. وليس هو مجرد ثكنات للجيش ومدرسة حربية، ولكنه قطعة من تاريخ مصر فهو ثكنات للجيش المصري وكوبري وشارع وتخطيط عمراني.

وبعد أن تولى إسماعيل باشا حكم مصر، أمر بالتوسع في تعمير المنطقة الممتدة من شاطئ النيل عند ثكنات الجيش إلى باب اللوق، وكلف كبير مهندسي مصر على باشا مبارك بتحويل تلك المنطقة إلى واجهة حضارية للعاصمة فاختار 617 فداناً للحى الجديد وكان بعضها مازال أراضى خربة .

فأصبحت كما قال عليها على باشا مبارك (من أبهج أخطاط القاهرة وأعمرها وسكنها الأمراء والأعيان). وبعد الانتهاء من رصف الشوارع والأرصفة قام الخديوي إسماعيل بمنح الأرض للذين سوف يشيدون المبانى بشرط ألا تقل تكلفة العمارة عن 2000 جنيه، بهدف بناء عمارات كبيرة عصرية.

وللحقيقة فإن محمد على باشا هو أول من عمر منطقة قصر النيل، بل كان هو وراء إطلاق هذا الاسم عندما استحضر المعلمين الروم لإدخال المباني الرومية في الديار المصرية. وكما أنشئوا له سراية القلعة- قصر الجوهرة- وسراية شبرا، أنشئوا لابنته زينب هانم سراية الأزبكية، ثم بنوا لابنته نازلي هانم سراية على ساحل النيل هى التي هدمها سعيد باشا ليبنى محلها قشلاق قصر النيل لإقامة العساكر به، كما قال على مبارك في خططه التوفيقية، أى أن اسم المنطقة جاء من( قصر النيل ) الذي بناه محمد على لابنته نازلى هانم..

وهنا كانت بداية التسمية. وإذا كان الشارع الممتد من كوبرى قصر النيل إلى باب اللوق قد حمل اسم شارع الخديوي إسماعيل، فإنما كان ذلك بهدف ربط الثكنات والميدان الجديد الذي حمل أيضاً اسم إسماعيل بقصر عابدين الذي بناه الخديوي ونقل إليه مقر الحكم بعد أن ظلت مصر تحكم من القلعة قروناً عديدة، وهو الشارع المعروف الآن باسم شارع التحرير قبل امتداده من كوبري الجلاء إلى الدقي ثم إلى بولاق الدكرور بعد أن يعبر منطقة المركز القومى للبحوث. وحمل الشارع الثاني اسم سليمان باشا الفرنساوي- الضابط الذي عمل بجيش بونابرت ثم أصبح رئيساً لأركان جيش مصر أيام محمد على باشا- ثم شارع قصر النيل الممتد الآن من ميدان التحرير إلى شارع الجمهورية بعد أن يعبر ميدان سليمان باشا.

تحولت ثكنات قصر النيل إلى مقر رسمى لقوات الجيش المصري. ولعبت دوراً سياسياً خلال أحداث الثورة العرابية. خاصةً وأنها كانت على مرمى حجر من مقر الحكم الجديد في قصر عابدين الذي أنشأه الخديو إسماعيل. وغير بعيد عن شارع قصر العينى بكل ما فيه من نظارات، أى وزارات، بل والمجلس النيابى منذ كان اسمه مجلس شورى القوانين، وغير بعيد عن القصور الملكية في الجزيرة وجاردن سيتى والقصور التي أقيمت حول محور ميدان لاظوغلى. ولأن استيلاء أى قوات غازية على قلعة المدينة يعتبر استيلاء على البلد كلها، فإن قوات الاحتلال البريطاني عندما وصلت إلى القاهرة في الرابع عشر من سبتمبر 1882 بعد هزيمة العرابيين في معركة التل الكبير، بادرت إلى احتلال ثكنات الجيش المصري في قصر النيل كرمز لاحتلالهم للقاهرة.

والمؤسف أن الخديوي توفيق استجاب لمطلب الإنجليز بحل الجيش المصري فأصدر مرسوماً بذلك بعد خمسة أيام من احتلالهم للقاهرة، أى في التاسع عشر من سبتمبر 1882 من مخبئه في قصر رأس التين، بحل الجيش وتسريح الجنود. وجاء ذلك رداً على مقاومة الجيش لهم. وهكذا لم ينس الخديوي توفيق واقعة قصر النيل في أول فبراير 1881 عندما تجمع الضباط وقدموا عريضة لرئيس النظار و المظاهرة العسكرية التي سبقت مظاهرة قصر عابدين في التاسع من سبتمبر 1881. وفيهما تبلورت أفكار الجبهة الوطنية العرابية ضد القصر والأجانب.

وظلت ثكنات قصر النيل تحت الاحتلال البريطاني .. ثم مضى زمان حتى جاء يوم 31 مارس 1947 عندما انسحبت منها قوات الاحتلال البريطانية لآخر مرة ووقف الملك فاروق يرفع علم مصر فوق ثكنات قصر النيل، وكان يرتدى بدلته العسكرية وبجواره محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر وكبار قادة الجيش المصري.. وكان هذا اليوم مشهوداً لانه يعنى جلاء الانجليز عن القاهرة. وعاد الجيش المصري إلى الثكنات التي أنشأها الوالى سعيد باشا.. وظلت ثكنات قصر النيل في موقعها حتى تقرر إزالتها ونقل القوات المسلحة إلى منطقة العباسية في نفس المعسكرات التي جلت عنها القوات البريطانية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل