المحتوى الرئيسى

رضا بودراع يكتب: منظمة التعاون الإسلامي سحر وبيان | ساسة بوست

05/03 18:49

منذ 12 دقيقة، 3 مايو,2016

لا شك أن البيان الختامي لمنظمة التعاون الإسلامي والذي استلمت تركيا رئاسته من مصر لعهدة سنتين إلى ثلاث، يمثل وثيقة تاريخية بين الدول الإسلامية وهي تستذكر داعمة للأقليات المسلمة، التي ترزح تحت طائفية أو استبداد أكثرية غير مسلمة.

ثم إن التنوع الرائع في استذكار أداء مختلف الدول الأعضاء البيني من جهة، وتجاه الوضع الإنساني العام والصحة والبيئة من جهة أخرى، يجعلها وثيقة لمد الجسور بين الشعوب الإسلامية المشتتة بين الأقطار وخياراتها السياسية.

ومن بديع ما كان في المؤتمر حضور قيادات بكاريزما لافتة وهي تحث الأعضاء على التبرع لصالح المستضعفين في الأرض، كما فعل الرئيس التركي طيب رجب أردوغان.

أو ما كان من حرص البيان ذكر بعض الأشخاص بأسمائهم تعبيرًا عن تضامنهم وتعاطفهم مع كفاحهم ونضالهم.

ودعت المادة 198 الدول الأعضاء إلى التصديق على النظام الأساسي لمحكمة العدل الإسلامية الدولية.

كما شمل البيان في المادتين 115 و116 اعتماد وثيقة منظمة العمل الإسلامي لـ2025، وخطة التنمية المستدامة لـ2030.

فمن هذا الجانب تعتبر الوثيقة من أفضل ما انبثق عنه أي اجتماع أو مؤتمر للدول العربية والإسلامية جمعًا وتنوعًا وبيانًا.

بعدما حلقنا مع بيان منظمة التعاون الإسلامي وصياغته الأدبية الراقية، وشربنا  حتى ارتوينا من استذكار واستحضار  مآسينا المنسية، ووعود بنصرة الأقليات المسلمة المستضعفة والتي أخذت الحيز الأكبر من مجموع الـ208 مادة للبيان، وإذا بمواد تتخللها بهدوء بين الفينة والأخرى تنفث سمها بين باقي المواد الدسمة المفعمة بروح المسؤولية وواجب النصرة.

فتراها تدعم وتثبت شرعية نظم جاءت بالانقلاب أو على دبابة محتل أو بارجة غزاة؟

فتجد المواد 77-78 تشرعن وتدعم حكومة العراق الذي يقبع تحت الاحتلال المركب وإدارة دستور حكومة المحتل الأمريكي بول بريمر. المادة 3 تشيد وتشد من عضد السفاح السيسي دون أدنى ذكر للرئيس الشرعي لمصر الدكتور محمد مرسي الذي يرزح في أقفاص النظام ظلمًا وعدوانًا. المادة 57 إلى 64 تؤيد حكومة الوصاية على ليبيا التي أُدخلت عنوة وعبر بوارج عسكرية وتم تقعيدها لتحكم بالقوة من قاعدة بحرية بطرابلس ثم جاءت المادة 57 بقرار مجلس الأمن تجاه ليبيا. المادة 7 إقرار بل والإشادة لملك الأردن والذي تقوضت أركان المسجد الأقصى أمام عينه ولم يحرك ساكنًا وهو ويا للعجب الوصي التاريخي على بيت المقدس.

وأنا أتساءل ألم يجدوا إلا أضعفهم ليسلموه وصاية وحماية بيت المقدس وأنا مصدوم بعبارة الوصي التاريخي، فأين تركيا ثم الحجاز ومصر من هذه الوصاية التاريخية؟

المواد 11-12-13 تشيد بدولة لبنان الغارقة في نفاياتها وتحثها على استكمال تحرير أراضيها وهي الحليفة «الطبعية» لفرنسا، وأصبحت رأس الحربة للمشروع الإيراني باستحواذ حزب الله بمقاليد القوة فيه. المواد 18-19-20 تدعم حكومة أفغانستان وريثة قرضاي وهي حكومة أجلسها المحتل الأمريكي وتصفها بحكومة الوفاق، وتلمز حكومة طالبان الشرعية والمقاومة للاحتلال والغزو الأمريكي، وتصفها بالإرهاب. المادة 46 تعرب عن التضامن الكامل لدول حوض بحيرة تشاد ولم تأت أي مادة على ذكر سد النيل في إثيوبيا. المادة 49-50-51 بعدما أشادت المادتان 49-50 بالجهود المبذولة لأجل ضمان سوريا جديدة موحدة، وطالت أوصافها دون أدنى تذكير بوجوب رحيل السفاح الأسد. ثم جاءت المادة 51 ورحبت ثم اعتمدت قرار مجلس الأمن 2254 هو قرار يقنن هدم وإعادة بناء سوريا، راجع البحث1. http://www.turkey-post.net/p-99928/ أما المادة 52 فجاءت تشيد بديمستورا ودوره في الأزمة السورية ليخرج بعد ثلاثة أيام هيئة مفاوضات المعارضة واصفة وجود ديمستورا السبب الأهم في سفك دماء السوريين. المادة 103 أعاد المؤتمر تأكيد دعمه إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية في الحرب على الإرهاب. المادة 106 تأكيد أن ميثاق الأمم المتحدة وإستراتيجيتها هي المرجعية الوحيدة لمنظمة التعاون الإسلامي؟

الغريب أنه لا السعودية التي سعت لشكيل الحلف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ولا تركيا الدولة الأبرز فيه، استغلتا المؤتمر لوضع صياغة دقيقة وشاملة لتعريف الإرهاب؟ ومع ذلك تم إعادة تأكيد دعم هذه الإستراتيجية المبهمة ولا أدري ما موقفهما ولو صُنفوا يومًا ما دولتين إرهابيتين وقد أكدا ودعما ذلك في شيك على بياض؟

2-الصدمة (الأنظمة الملكية في نجدة الجمهوريات المستبدة)

لقد شرق المؤتمر وغرب منذ بداية فعالياته إلى بيانه الختامي في القضايا الإسلامية المهمة، لكنه أغفل أهم وأخطر حدث تعيشه الأمة الإسلامية الآن ولم تشهد مثله منذ أكثر من قرن.

إنه حدث الثورات العربية ضد الأنظمة الفاسدة المستبدة والتي أتت على أغلب وأقدم الأنظمة الجمهورية.

ولقد مر عليها البيان مستقلًا بشأنها معرضًا ببعض آثارها كالعنف وملف اللاجئين.

بل وأكثر من ذلك فتراه يمجد ويشيد بهذه الأنظمة الاستبدادية ويغطي جرائمها، بل ويكافئها ويدعو للوقوف معها، وبهذا يكون البيان وقع في ازدواجية غير مبررة، فتراه مثلًا يدين الاحتلال الصهيوني وحصاره غزة وقتله الأبرياء ولا يتعرض للنظام المصري الذي  قتل الآلاف من شعبه وحاصر وأغرق غزة بمياه البحر.

وقد انسحبت هذه الازدواجية على أغلب الأنظمة التي توطنت بالانقلاب أو بالثورة المضادة أو عن طريق المحتل، ولم يتم الإشادة أو حتى الإشارة لحركات الشعوب العربية وهي تقدم الغالي والنفيس من أجل استعادة حريتها وكرامتها المهدرة من قبل النظم المستبدة.

فظهر في البيان وكأن الأنظمة الملكية جاءت لنجدة نظيراتها من الجمهوريات البائسة والمتهالكة؟

لا شك أن تركيا ومواقفها المشرفة تجاه المستضعفين في الأرض، تعتبر الدولة الأكثر مناسبة لأي منصب قيادي في مؤسسات الدول الإسلامية القائمة اليوم. ولعل جميع «المستضعفين» يباركون تسلمها رئاسة منظمة التعاون الإسلامي لما رأوا من صدق قياداتها في التعاطف معهم ومساندة قضاياهم الإنسانية.

لكن في نفس الوقت، هناك مشكل سياسي وأخلاقي تورطت فيه تركيا برئاستها المنظمة خلال السنتين أو الثلاث القادمة.

وأنا أقصد بـ«التورط» مع الشعوب «المستضعفة» وليس الأنظمة، فقبول تركيا بالرئاسة دون أدنى تحفظ يعني القبول بكل ما ورد فيه بما في ذلك إقرار شرعية الانقلابيين بل والإشادة بهم وهو ما أثار وسيثير الكثير من الأسئلة والتحفظات لهذه الشعوب.

ولعل أخطر الأسئلة التي تتبادر لذهن أي مستضعف أو ثائر:

هل ستقبل القيادة التركية أن تُستعمل حظوة القبول والرضا والحب التي تكنها هذه الشعوب لها لتمرير «غصة» القبول بالانقلابيين وعودة المستبدين ليتحكموا في رقاب المستضعفين مرة أخرى؟ وما دلالات عدم تحفظ الجانب التركي على الإشادة بالانقلابيين كما تحفظت العراق وإيران على وصف الإرهاب للقتلة من حزب الله والمليشيات الطائفية؟ ثم هناك مسألة عدم إشارة البيان وإدانة التدخل الروسي في المنطقة وخطره على الشعوب الإسلامية والدولة التركية، كيف تم تجاهل ذلك على خطره في منظمة تعاون تجمع الدول الإسلامية؟ ثم لأول مرة تجتمع فيها دول منظمة التعاون الإسلامي ويحضر الجلاد المحتل كإيران واحتلالها سوريا والعراق مثلًا، ويغيب فيها الضحية ولو بتمثيل جزئي من الائتلاف السوري مثلًا؟

لا شك أن تركيا ترى في منظمة التعاون الإسلامي سبيلًا للتقارب والتواصل وتحقيق المصالح. وهو أمر مشروع تمامًا، لكن «المأزق الإستراتيجي» يكون بإغفال خيارات الشعوب أمام ضرورات الدول، فالدول دولُ زائلة ومتغيرة وخيارات الشعوب نابعة من قناعاتها وهي باقية وإن ترنحت.

لم يتم ذكر الجزائر طيلة 218 مادة إلا مرتين على استحياء.

لا شك أن هذا دليل واضح على تراجع الأداء الديبلوماسي للدولة الجزائرية، لكن ما يجب التأكيد عليه أن إهمال كل من السعودية وتركيا لعمقهما الإستراتيجي في الشمال الأفريقي طيلة العقدين الماضيين، جعل من الجزائر حديقة خلفية للحلف الرباعي الروسي، وقد استطاعت كل من روسيا وإيران الوصول إلى الجهات الصانعة للقرار وأقنعتها في التخندق معها ضد خيارات الشعوب الإسلامية التي ترزح تحتها وكان من نتائج ذلك زيارة وزير الشؤون الخارجية الجزائري لدمشق مطلع هذا الأسبوع في زيارة هي الأولى من نوعها لوزير جزائري بهدف فك العزلة عن نظام الأسد.

عندما انهارت المنظومة القيمية في النظام الدولي الذي يحكم الأرض أصبحت السياسة «فن الممكن».

لكن أصحاب المبادئ يرونها «فن تحقيق مصلحة الإنسان».

وإن كان للدول ضروراتها، فللشعوب خياراتها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل