المحتوى الرئيسى

إلى متى تعدم الدولة الترزي وتترك ''الحداد''؟ (مقال)

05/03 17:05

يُحكى أنه فى إحدى قرى المجر، حدادا اقترف جريمة يعاقب عليها بالموت، فحار قاضى القرية في أمره؛ لأنه الحداد الوحيد في المكان ولا يُستغنى عنه بغيره إذا نُفذ فيه الحكم، ثم اهتدى بعد التفكير إلى حل المشكلة بإعدام الترزي بدلا منه لأن القرية فيها ترزيان.

هكذا تتعامل الدولة دوما، تفعل بنا الداخلية الأفاعيل، فيأتي الرد أنها الحصن المنيع، تُعادي كل القطاعات، أطباء ومهندسون، طلبة وعمال، سائقون ومحامون، عجائز وقصر، أدباء وإعلاميون، أهالي مشتبه بهم وشباب مختفون قسريا. نشير إلى ضرورة ترتيب البيت، فتُرفع الحواجب، وتحمر الأعين وتنهال علينا اللعنات وتهم التمويل والعمالة، نستغيث من الاستبداد الأمني، فتكون الإجابة "مش حقيقي.. الشرطة في خدمة الشعب".

إلى متى سيبقى النظام مغترا بقبضته الأمنية، كم فضيحة ننتظر كي نُعلن أن هناك معضلة، كم سجين يُعذب حتى الموت في غرف الاحتجاز نحتاج، كم صحفي مقيد، كم إدانة من المجتمع الدولي تهمنا، وأي عدد من "دربكة" ورفاقه ننتظر أن تُزهق أرواحهم، كم مجموعة يجب تصفيتها لمجرد التخمين، كم طبيب نريد إذلاله ووضع رأسه أسفل البيادات، كم طالب هندسة نريد اغتياله وإلقائه في الصحراء، ما هو عدد السائقين الذين يدفعون إتاوات دون صراخ، كم شاب محتجز احتياطيا دون عرض على قاضيه الطبيعي، كم عدد الشوارع نريد إغلاقه، وكم بنت نصمت على صفعها في المواصلات العامة.

إلى متى ستستمر الداخلية في مواجهة الورود بالبارود، والكلمة بـ"الكلابش"، والرأي بالاعتقال.

"أنا مش جاي اتكلم على ده الحقيقة، ولكن أنا جاي عشان أشكركم" تعقيب من الرئيس عبد الفتاح السيسي لضباط الداخلية، بخصوص الاعتداءات الأمنية، أكاديمية الشرطة، 3 ديسمبر 2015

لم يكن اقتحام 45 شرطيا لمبنى نقابة الصحفيين حدثا اعتباطيا، أو انفعال غير مدروس؛ بل كان له دلالته؛ فإن كان البعض يحتمي بسلالم النقابة للتعبير عن رأيه كعادة تاريخية، فقد منعنا الوصول إليها حتى للصحفيين أنفسهم -ما حدث في 25 إبريل الماضي، وإن جرؤ آخرون على الاعتراض فالنقابة ذاتها أضحت مكانا مستباحا، فمن يخطر بباله فكرة يسجنها، فالكل محاصر.

يقول الصحفي الكبير بوب ودوارد إنه يبدأ يومه بطرح سؤالاً أساسياً واحداً على نفسه: ما الذي يخفيه المسؤولون الحكوميون؟. تلك هي عقيدة كل صحفي حر، يؤمن أن الصحفي رقيب، مسئول أمام قارئه، يوقن أن للقارئ حق المعرفة لا التكتم، الشفافية لا التخبط، الاعتراف لا "الطرمخة".

ضاعت المهنة حين استباحها أهلها، وقتما صار مسئولو الصحف لا يعرفون للكلمة بريقها ولا للرأي جلاله، لحظة أن اعتبروا الصحافة انبطاحا، وحق المعرفة انتهاكا، والانتقاد خروج عن الأدب، والسخرية قلة حياء، وعدم التهليل خيانة، والموضوعية عمالة، والمسائلة خروج عن المألوف، لذا لم يكن مستغربا أن يقف أحد كبار الصحفيين -في صالة تحريره- ليدافع عن صحفية وشت بصديقها المصور وهو يقول "ولا يهمك.. سيبك من العيال بتوع الفيس بوك دي، كملي".

ألق نظرة سريعة على إصدارات الصحف اليوم، كي تعرف أن بعض الذين أغرقوا المهنة في وحل الانبطاح والإسراف في التماهي مع السلطة، والتشدق بكلمات الوطنية والاصطفاف والعبارات الرنانة، يعرضون قضية اقتحام النقابة بشكل مجرد جدا، دون موقف جدي وكأنه خبر عابر، ولا اعتبارات لمهنة انتهكت، وكرامة هالها الخزي، فالأهم سيادة الرئيس ونظامه وما دون ذلك فهو فان.

"لا أدرى كيف ترعرع في وادينا الطيب هذا القدر من السفلة والأوغاد".. صلاح عبد الصبور، مسرحية ليلى والمجنون

في الوقت الذي كان الصحفيون ممنوعون من الدخول لنقابتهم في صباح 25 إبريل السابق، كان مجموعة من المواطنين الشرفاء يرقصون على سلالم نقابة الصحفيين ويسبون أعضائها بأقذع الشتائم وسط صمت رجال الشرطة، وحين استنجدنا بالضباط رد أحدهم "السلم ده بتقعدوا تشتمونا من عليه.. مقدرش أمنع الناس تقول رأيها".

تلك هي الأزمة، أن يتحول القائمون على الدولة إلى أنداد، تضحي مهمتهم الكيد لا العمل. عقب لحظات من اقتحام الشرطة للنقابة هرع عدد كبير من الصحفيين نحو المقر، يسخر أحد القادة من الزميلة حنان فكري وهي تتعكز بقدم مصابة لمساندة زملائها، يرفض القيادي أن تمر إلا بعد أن يستثير غضبها وهو يقول "أعرف منين إنك عضو مجلس.. هو حضرتك سعاد حسني"، فيما يستوقف رجل مباحث بغطرسة زميلتنا ربا نور الدين ليسألها عن طفلها الرضيع وهي تحمله، مطالبا إياها بإظهار كارنيه العضوية الخاص به!، معتقدا أنها نكتة خفيفة الظل.

الشرطة هيئة مدنية نظامية، فى خدمة الشعب، وولائها له، وتكفل للمواطنين

الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام العام، والآداب العامة، وتلتزم بما

يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته

الأساسية، وتكفل الدولة أداء أعضاء هيئة الشرطة لواجباتهم، وينظم القانون

مادة 206، الدستور المصري 2014، المستفتى عليه بنسبة 98%.

في التجمع الأخير لرجال الحزب الوطني، قبيل جمعة الغضب، كانت طاولة الاجتماعات تسخر من أولئك الغاضبين بالقرب منهم في ميدان التحرير، وظنوا أن الداخلية درعا يحمي النظام لا المواطن، فيما مرت الساعات وكان رجال الشرطة يستغيثون بالمارة أن يُلقوا إليهم بملابس بدلا من تلك التي مزقها الصراع مع شهداء يناير.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل