المحتوى الرئيسى

المستقبل بيننا: جمال الحقيقة!!!

05/02 21:51

كل الكائنات التى خلقها الله تعيش حقيقتها الفطرية فى عالمها المحيط بها، إلا الإنسان؛ ذلك الكائن الواعى الذى يحاول أن يفهم هذه الحقيقة، بل ويحاول أن يتدخل فيها وأن يغير عالمه من حولها. وهذه قصة أخرى يطول شرحها، وقد نعود إليها فى وقت آخر. يكفينا اليوم أن نتحدث عن «جمال الحقائق العلمية»، لنواجه الخطر الداهم للجمال المتوهم للجهل والخرافة والتعالم. ومن الضرورى والمفيد هنا أن نفرق بين جمالين، جمال الحقائق الروحية المطلقة، التى لا تندرج فى نطاق حديثنا، والحقائق النسبية التى نفهم بها عالمنا ونسيّر أمور حياتنا. إن عدم التفرقة يؤدى إلى خلط منهجى يضر بهما معاً، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لكن كلاهما مطالب بأن يتعامل بالمعارف النسبية فى كل مجالات العلوم الطبيعية والتكنولوجية والإنسانية والاجتماعية، وندعوه إلى أن يستوعب جمالياتها. ولا نعنى هنا الفصل المتعسف بين الدين والدنيا، كما يتقول البعض من أعداء العلم أو أعداء الدين، على خلاف بينهما. فكاتب هذه السطور، يرى فى دينه أكبر دعوة للعلم، ويؤمن «بالجمال والكمال المطلقين» للمرجعية الأخلاقية للدين، ولا يرضى بالتوظيف المعيب لقدسية الدين فى الأمور العلمية والمعارك السياسية، على سبيل المثال لا الحصر. وحتى أزيدكم من الشعر بيتاً، له علاقة مباشرة بحديثنا عن جمال الحقائق العلمية، أرى هذلاً وانتقاصاً من عظمة كلام الحق تبارك وتعالى، فى حديث البعض عن «الإعجاز العلمى فى القرآن»، وأستغفر الله لى ولهم. ومن العجيب أن الخطأ يبدأ من العنوان، هل هو إعجاز علمى أم قرآنى؟ دعونى أستبعد «السبوبة الإعلامية»، فلا يعلم الضمائر إلا الله، وبعضهم مخلص لا شك فى ذلك، لكن غياب المنهج والخلط المرفوض خلط بين العلم المطلق لله، والعلم النسبى لعباده، الذين يحققون مشيئته بتحصيله وإعمار الأرض عن طريقه. لسنا فى حاجة إلى أن «يزداد» إيماننا «بالإعجاز القرآنى الثابت» عن طريق ما يسمونه «بالإعجاز العلمى» المتغير، الذى لا يعد إعجازاً، لكنه إنجاز متواصل للاقتراب من «جمال الحقيقة»!!! لعل النقطة الأخيرة تعود بنا إلى الموضوع، الذى نرجو ألا نكون قد ابتعدنا عنه وذلك بطرح مثالين شهيرين، لقد عاشت البشرية طويلاً مع «وهمين جميلين»، أولهما أن الأرض مسكننا الكونى توجد فى مركزه، وأن الكواكب والنجوم تدور حولها، أنهى كوبرنيكوس (1473 - 1543) وجاليليو (1564 - 1642) هذا الوهم، وعرفنا المنظومة الشمسية، وأن الأرض هى التى تدور حول الشمس. أما الوهم الثانى فتمثل فى الاعتقاد بأن الإنسان نسيج وحده، ولا علاقة له ببقية المخلوقات. وبدوره، أنهى داروين (1809 - 1882) هذا الوهم بنظرية عن التطور، التى صارت حقيقة لا تستقيم دراسة الكائنات الحية بدونها. هذان المثالان شكّلا فى تاريخ العلم أشهر حالتين لافتعال الخلاف بين الدين والعلم، بما فى ذلك من إدانات ومحاكمات، وانتهى الأمر إلى انتصار الحقيقة، التى يسعى العلم إلى الوصول إليها، ويدعونا الدين إلى تحصيلها. وهذه نقطة مهمة، فالمعركة لم تكن بينهما، ولكن بين من يوظفونها، بالتفسير الحرفى للدين من يرون أنهم «رجاله» دون غيرهم من ناحية، والمبالغة الكبيرة فى التعبير عن طبيعة العلم من قبل بعض «العلمويين» من ناحية أخرى، الذين يرون فى العلم السلطة الوحيدة المطلقة للمعرفة النظرية والتطبيقية والحياتية التى تنسخ كل ما عداها وتحل محلها. ولعل النقطة الأخيرة هى التى جعلتنا نستفيض فيما سبقها، فالاتفاق على أهمية المنهج العلمى للوصول إلى «جمال الحقيقة»، دون الوقوع فى فخ الأوهام والخرافات والاستنتاجات المضللة، هو الهدف الجدير بأن نؤكد عليه مراراً وتكراراً. وهذا الأمر لا يتعلق بالعلوم الطبيعية وحدها، ولكن بكل العلوم والمعارف. إن هناك من يرى أن المنهج العلمى يمثل أهم إنجاز للعقل البشرى، ويؤكد عدم اعتباره مجرد إحدى أدوات التقدم، ولكنه التقدم نفسه. قد يكون فى ذلك بعض، لا كل، المبالغة، لكنها مبالغة مفهومة فى مواجهة المبالغة المرفوضة فى لا عقلانية ولا علمية الكثير من أمور حياتنا البشرية من حروب وتطرف وإرهاب وفقر ومعايير مزدوجة، إلى آخر القائمة الطويلة من المشكلات التى تنتظر المنهج العلمى لمواجهتها وإثبات عدم جدواها المستقبلية. ومن الغريب أن الجميع يشترك فى هذا «الخيال»، حتى الدول «المتقدمة علمياً»، بالمقاييس التى تضعها بنفسها لهذا التقدم. وإن كان من بين أبنائها وأبنائنا من يدعو إلى مقاييس أكثر إنسانية، تحدده بما يعود بها على البشرية كلها حاضراً ومستقبلاً. لو توصلنا إلى ذلك، فسنقدم للأجيال المقبلة «أكثر الحقائق جمالاً»، التى تتمثل فى توظيف العلم من أجل «المستقبل المشترك». وهو أمر يجب أن نبادر إليه، لأن «المستقبل بيننا».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل