المحتوى الرئيسى

حكومة "الهم والغم"حرمتنا من وعد التأمين الصحى

05/02 09:53

يوم وراء يوم.. سنة وراء سنة.. والعمالة الزراعية فى مصر تعانى الضغوط والهموم.. ومع ذلك يحاولون إقناع أنفسهم بأن الحياة لازم تمشى أو كما قال أحدهم لـ«الوفد» وهى تلتقيهم بمناسبة عيد العمال: «هتعدى فى البحر مهما يقولوا غويط».

ويسهم القطاع الزراعى بتشغيل ثلث القوى العاملة وتعرض هذا القطاع لتغييرات جذرية فى تسعينيات القرن الماضى، أثرت بشكل مباشر على جميع العاملين به، وبدلاً من أن تهتم بهم الحكومة، وتحاول تلمس مشاكلهم لحلها، تركتهم لغول الغلاء والأجور المحدودة، دون رعاية اجتماعية أو صحية أو حتى تأمينية، علمًا بأنها تعلم مسبقًا «موسمية عملهم» وأنهم يعملون يومًا ويجلسون أسبوعاً فى البيت؛ رغم أن بينهم من يحمل مؤهلات عليا أو متوسطة ولا يخجلون من أى عمل يخدم مصر والمجتمع.

كل أمل هؤلاء.. تمليكهم ولو عدداً بسيطاً من أفدنة الإصلاح الزراعى، أو على الأقل منحهم حصة من الأراضى المستصلحة «المليون فدان» التى سيوزعها الرئيس قريبًا على الشباب.. وأن يستجيب وزير الزراعة بصرخات عمال الشركات الزراعية، والذين لم يتسلموا رواتبهم منذ 6 أشهر، مؤكدين أنهم سئموا حكومة الهم والغم، التى ما زالت تلتزم الصمت على «الفساد الزراعى» رغم أن رئيس نقابة عمال الزراعة سبق أن استغاث برئيس الوزراء مثل أن يوجه شكواه اليوم للرئيس عبدالفتاح السيسى، قائلاً: أمر بتطبيق قانون التأمين، رغم مرور أكثر من عام على قرارك لم تنفذ الحكومة شيئًا.

فى إحدى قرى المنوفية، وبين المزارع الخضراء، شاهدناه يتمتم بكلام غير مسموع، اقتربنا منه وسألناه: كيف الحال، فأجاب بنبرة حزن وانكسار: الحمد لله.. مش عارف أعمل إيه النهاردة، توكلت على الرزاق، وربك كبير.. لو أكرمنى ربى بعيش حاف بأحمده حتى ولو مفيش غموس المهم حاجة تشبع الأولاد، هكذا بادرنى شديد سالم، الذى يسكن وزوجته وأربعة أبناء فى عشة يستكترها عليه الإصلاح الزراعى، كما قالت زوجته عصمت محمد وعايز يطلعنا من الأرض ويقول عايزين تعيشوا فيها اشتروها بـ2 مليون جنيه، وتضيف الزوجة: نجيب منين وإحنا معناش 2 جنيه نجيب بيهم شوية فول «حرام ده ولا حلال يرضى مين بس يا ناس».

ويلتقط منها الحاج شديد الكلام، ويعود قائلاً: «60 سنة فى هذه الأرض وهى باسم أمى وهى لسة عايشة وعندها 102 سنة، استلمناها من الوزير عبدالمحسن أبوالنور، فليه الإصلاح عايز يمشينا منها ليه» ويبكى بحرقة: «نروح فين وأنا شغال على دراعى أنا وعيالى، وترفع زوجته بشكارة صغيرة بها قليل من الدقيق، باكية فى خجل شديد الناس بيشحتونا شوية الدقيق دول نعجنهم عيش لناكل طول اليوم ومنهم يدوب طقتين من غير غموس حتى حتة اللفتة المخللة مش لقينها يرضى مين ده بس يا خلق.

اقتربنا من حسن العليمى وهو ينظف المواشى والزرائب ومهنته كما قال لنا: «عزّاق» يعنى بيشتغل بالفأس ويعزق طول اليوم فى الغيطان من أجل لقمة العيش، ويضيف الرجل: نتعب ونشقى من أجل مصر زى ما قال الرئيس السيسى، عايزين كلنا نعمل وننتج وعايزين فى الوقت نفسه رعاية اجتماعية وتأمين صحى على عمال الفلاحة علشان الدكاترة بتنحل وبرنا.. ويتمنى العليمى من الحكومة أن توفر لهم مياه شرب نظيفة ونقية، مشيرًا إلى أن لديهم محطة تحلية مياه من قبل الثورة بعامين ولن تعمل حتى الآن لماذا يا حكومة؟!

وشاركه الرأى العديد من العمالة الزراعية التى التقينا بها فى عدة قرى بمحافظة المنوفية وجميعهم من المطحونين يعيشون تحت خط الفقر ويريدون تأميناً صحياً ورعاية اجتماعية ومعاشات.

الحاج صبحى خفاجى، كان مشغولاً بعزق الأرض وبطرف الجلباب يمسح عرق جبينه، فوق وجهه الشاحب، قال «خفاجى»: نعيش عيشة صعبة فى عشة بالطين والخوص وسط الغيطان مليانة ثعابين وفئران وحشرات، الناس بتعطف علينا بلقمة العيش، يوم ناكل ويوم مانلاقيش لقمة العيش ولا طبق أرز، وعندى بنت فى الثانوية العامة بتذاكر على لمبة الجاز، وبنشرب مياه المواشى والحيوانات ماتشربهاش، أصابتنا بالفشل الكلوى وفيروس «سى» وبنتعالج فى الوحدة الصحية هنا فى البلد ومعناش حق العلاج.

فجأة صمت الرجل برهة، ثم تحرك قليلاً وخبط رأسه فى الحائط يأسًا من أحواله وصرخ مش عارفين نعمل إيه، ناكل ولا نتعالج ولا نعلم أولادنا. ابنتى متفوقة يا ناس وبتذاكر على لمبة جاز.

وبعد أن تركنا الحاج صبحى، جاء صوت من بعيد ينادى التليفزيون يا جماعة.. أخبرناه أننا صحافة وجلس يروى لنا حكايته التى تمزق القلب، قال كامل محمد: أنا مش لاقى آكل مش عايزين غير رغيف عيش وحتة مخلل ولا حبة مش، ثم يبكى ويسقط فى الأرض منهارًا ويمسك بتراب الأرض ويقبله ويسجد لله ويقول ملناش غيرك يارب أنت وحدك اللى دارى بحال عبادك، وبصوت مخنوق لا يخلو من الرجاء يتساءل: أين نواب مجلس الشعب انتخبناهم.. ولم يسألوا عنا أنا والله أحب السيسى وبادعيله كل يوم فى صلاة الفجر قبل ما أنزل على باب الله، وإن شاء الله بلدنا دى هتفضل أحسن بلد فى الدنيا أى والله العظيم وفجأة تنهمر دموعه، ويغادرنا قائلاً: لينا ربنا يا حكومة.

«الوفد» اتجهت لاتحاد عمال مصر لتسأل أعضاء الاتحاد: أين أنتم من هؤلاء؟ فجاءت إجابة مجدى البدوى، نائب رئيس اتحاد عمال مصر، المتحدث الرسمى باسم الاتحاد، قائلاً: بالفعل لا يوجد لهذه العمالة رعاية صحية ولا رعاية اجتماعية حاليًا، بالرغم من صدور قرار فى الفترة الماضية بضمهم تحت مظلة التأمين الصحى إلا أنهم لم ينضموا حتى الآن بشكل رسمى، ولم يستفيدوا من قرار الرئيس.. ونحن بصدد خلال الفترة المقبلة، لتغيير قانون التأمينات الاجتماعية وقانون التأمين الصحى، لأن قانون المشروع الموحد سيكون لكل من يحمل الجنسية المصرية، ذلك بالإضافة إلى أننا نسعى لكى تسدد الحكومة الاشتراكات لغير القادرين، ونحن نعتبر أن العاملين فى القطاع الزراعى كلهم غير قادرين، لأنه ليس لهم عمل آخر وليسوا أصحاب عمل دائم.. يجب أن يتحرك مجلس النواب فى هذه القوانين المهمة بانتظاره.

وعن دور النقابة لديها إمكانية القيام بدور الدولة، ويطالب البدوى الدولة بتحقيق ما وعد به الرئيس عبدالفتاح السيسى بخصوص تطبيق التأمين الصحى على الفلاحين.

ويرى محمد سالم، رئيس نقابة عمال الزراعة، أن الحكومة أهملت العامل الزراعى والفلاح حتى 2014 عندما وعدت الدولة فى إجراءات لتطبيق تأمين صحى شامل على العمالة الزراعية غير المنتظمة، وبعد أن كان قانون 12 يعطى العامل 100 جنيه يصل 600 جنيه للعمالة غير المنتظمة شهريًا، وأتمنى من الدولة فى عيد العمال أن تسمح للعمالة الزراعية بتملك أراضى الإصلاح أو على الأقل تمنحها عددًا من الأفدنة فى مشروع المليون فدان، فهذا العامل الزراعى يعتبر الفلاح الحقيقى وسيخدم المجال الزراعى عندما يتم تمكينه من التملك الحقيقى، مشيرًا إلى أن إحساس الفلاح أو العامل بالتملك أفضل بكثير جدًا من مقرها فقط على شباب الخريجين، لأن الشباب ليس لديهم صبر وتحمل، بينما العامل الفلاح لديه مقدرة لتحمل «مر الأرض» حتى تجيب الإنتاج، محذرًا من أن بعض شباب الخريجين يحصل على الأرض ثم يبيعها للفلاحين، وتابع «سالم» قائلاً: أرجو من الدولة الاهتمام بالعامل الزراعى والفلاح وأن يكون له دور قوى فى حصة من الأراضى التى سيوزعها الرئيس على الخريجين.

ويرى سالم أن وزير الزراعة رجل أكاديمى عايش فى برج عاجى، ويرفض تمامًا التعامل مع الموظفين والمديرين ورؤساء القطاعات والنقابات، ويصدر -على حد قوله- مدير مكتبه فقط للتعامل مع البشر، مشيرًا إلى أن رئيس مجلس الوزراء أرسل له خطابًا رسميًا بالتعامل مع النقابات لحل مشاكل الناس، مؤكدًا أن هناك 9 شركات زراعية لم يتقاض عمالها رواتبهم منذ ستة أشهر، والوزير لا يحرك ساكنًا ولا رئيس الوزراء.

قيادى بـ«بترول رأس غارب» يستغيث برئيس الوزراء

رفض أن يرى الفساد أمام عينيه ويقف مكتوف الأيدى.. وأصر على أن يحافظ على الأمانة التى أوكله إياها من انتخبوه ممثلاً لهم فى اللجنة النقابية بالشركة العامة للبترول برأس غارب.. وبدلاً من أن يكافئوه على وطنيته وكشفه للفساد قاموا بنفيه إلى سيناء وإيقاف عضويته بالنقابة العامة.

أحمد حسن محمد معبد، القيادى بالشركة العامة بالبترول، كشف قضيتين للاستحواذ على أراضى وأملاك الشركة العامة للبترول، فكان جزاؤه إهدار حقوقه الوظيفية المتمثلة فى الترقيات ونفيه إلى مقر عمل آخر يبعد عن مقر عمله الأصلى 400 كيلو متر.

القصة كما يرويها «معبد» بدأت عندما تجرأ ورفع دعويين قضائيتين فى عام 2009، أولاهما تطالب بعدم التفريط فى حقلى بكر وعامر بعد محاولة الهيئة العامة للبترول منح الحقلين كحق امتياز لشركة أجنبية وما زالت الدعوى منظورة أمام القضاء وعن هذه الدعوى يقول «معبد»: نجحت فى وقف إجراءات إسناد الحقلين للشركة الأجنبية بحق الامتياز، أما الدعوى القضائية الثانية تتعلق بسيطرة شركات الخدمات البترولية الخاصة على الشركة العامة للبترول وتستنزف ملايين الجنيهات من الشركة العامة دون أن تقوم بأى أعمال تذكر.

وأضاف «معبد»: بسبب كشفى محاولات التفريط فى الحقلين وملاحقة شركات الخدمات الخاصة قامت إدارة الشركة العامة للبترول بالتعاون مع النقابة العامة للبترول التى من المفترض أن تدافع عن حقوق العمال ضد مؤسسات الدولة بالتنكيل بى، وقامت الأخيرة التى كان يرأسها محمد سعفان الذى تم تعيينه وزيرا للقوى العاملة بتجميد عضويتى لتسهيل مهمة الشركة فى القضاء عليّ، وأشار «معبد» إلى أنهم ادعوا كذباً فى أسباب الإيقاف إساءتى لأعضاء اللجنة النقابية، وهو ما يخالف الحقيقة بشهادة أعضاء اللجنة أنفسهم وقد تقدموا بشهادة تثبت عدم إساءتى إليهم، وهو ما يعنى التعسف فى استعمال الحق من قبل النقابة ضدى لمجرد كشفى فساد شركات الخدمات الخاصة.

وتابع «معبد»: أعمل بالشركة العامة للبترول منذ عام 1987 وانتخبت عضوًا فى اللجنة النقابية إلا أنه بتاريخ 15 يوليو 2015 أصدر محمد سعفان وزير القوى العاملة الحالى ورئيس نقابة العاملين بالبترول آنذاك قرارًا بإيقافى لمدة 3 أشهر وبتاريخ 20 أكتوبر 2015 أصدرت النقابة قرارًا بوقفى عن تأدية عملى النقابى لمدة عام ابتداء من 15 يوليو 2015 واستندت إدارة الشركة العامة للبترول إلى قرار النقابة الذى تم بالاتفاق بين الإدارة ووزير القوى العاملة الحالى وأصدرت هى الأخرى قرارًا حمل رقم 295 لسنة 2015 بندبى إلى الإدارة العامة لحقول سيناء.

وأشار «معبد» إلى أن الفساد ما زال يسيطر على أجهزة الدولة، وعندما يتم التنكيل بعضو لجنة نقابية لكشفه الفساد بدلاً من تكريمه ومحاكمة الفاسدين، فعلى الدنيا السلام.

وطالب «معبد» رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل ومجلس إدارة اتحاد العمال بالتحقيق فى الواقعة وإعادته إلى مقر عمله برأس غارب وتسكينه على درجته الوظيفية الضائعة وإلغاء قرار نقابة البترول بوقفه عن عضويته النقابية لمدة عام.

مدير مركز الأرض.. هؤلاء سقطوا من دساتير النخب

أكد كرم صابر، مدير مركز الأرض لحقوق الإنسان، أن حجم عمال التراحيل فى مصر بلغ 3 ملايين عامل محرومين من أى حق من الحقوق الإنسانية والاجتماعية سواء التأمين الصحى أو الاجتماعى أو الدخل المناسب أو الإجازات بجانب عملهم فى ظروف سيئة.

وقال كرم صابر لـ«الوفد»: الكارثة أن الذى يكتب تشريعات ودساتير مصر مجموعة من نخب اجتماعية من صفوة المجتمع لا يرون صغار الفلاحين ولا عمال التراحيل ولا أسرهم ولا حالتهم الاجتماعية، فتلك القطاعات لا يمثلها أحد، فأقصى ما قدمته الدولة بهم خلال الخمسين عاماً الماضية بطاقات تموين. وبعض الخدمات الاجتماعية الإعانية.. لكن توفير فرص عمل لمواطن له حقوق فى هذا البلد كلام غير موجود على أرض الواقع وهو السر وراء إحساس مثل هذه الفئات المطحونة بالظلم والقهر وعدم العدل.

وكانت الدكتورة ماجدة قنديل، رئيسة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية والاجتماعية قد أكدت أن عمال التراحيل ينضوون تحت لواء العاملين فى القطاع الزراعى الذى يضم نحو 6 ملايين من العمالة غير الرسمية مهدرة الحقوق بجانب 6 ملايين أخرين فى القطاع غير الزراعى أى أن 12 مليوناً من أصل 27 مليون عامل بما يعنى أن قرابة نصف العمالة المصرية غير منتظمة وتعانى من الأوضاع والظروف السيئة موضحة أن بداية الحل والاهتمام تأتى من تسجيلهم بشكل رسمى وتدوين معلومات كافية عنهم على أن تتولى الحكومة مساعدتهم فى إدماجهم تحت مظلة العمالة المنتظمة من خلال حوار شفاف مع القطاع الخاص لاستيعابهم بعد تدريبهم وتحديد حد أدنى للأجور مقابل مرونة فى التعيينات والاستغناء عن قوانين العمل على أن تكون إعانات البطالة وغيرها حلاً مبدئيًا ضمن استراتيجية كاملة لتوفير فرص عمل وتحسين ظروف العمل ومراعاة الحقوق.

3 ملايين «فواعلى» على الرصيف

لست أول من كتب عنهم.. فقد سبقنى كثيرون فى عرض مآسيهم ومشاكلهم، ولكن لأول مرة أشعر بأن الذين التقيتهم اليوم من برة مصر، ولا يعيشون فوق أرضها إنهم عمال التراحيل أو «الفواعلية»، فهم بعيدون كل البعد عن اهتمامات الحكومة ويعيشون وكأنهم غرباء عنا رغم أن عددهم يزيد على 3 ملايين مصرى تجدهم فى كل مكان.. يفترشون الأرض فى صفوف متساوية على الأرصفة.. ملابسهم رثة بالية.. وجوههم غبرة بطونهم خاوية من الطعام تفترسهم قلة الحيلة.. منهم النائم والشارد.. والذى لا يملك ثمن المواصلات، وآخرون عيونهم زائغة هنا.

أدواتهم فى الشقاء ومواجهة الدنيا هى شاكوش وأزميل وأجنة ومسامير وشوية صحة وعافية.. يدخرونها لوقت العمل.. إنهم الأنفار.. عمال التراحيل أو كما يطلقون على أنفسهم «الفواعلية».. أغلبهم بل جميعهم جاءوا من الصعيد.. وتعتبر المنيا وأسيوط وسوهاج وبنى سويف والفيوم أكثر المحافظات الطاردة لتلك العمالة.. تركوا بيوتهم وذويهم بحثًا عن لقمة العيش فى شوارع وميادين وأرصفة القاهرة والجيزة ولكنهم لم يجدوها إلا بشق الأنفس.

تتراوح أعمارهم ما بين الـ16 و65 عامًا.. أطفال وشباب وعواجيز.. منهم الأمى.. والحاصل على مؤهل جامعى أو متوسط.

يعملون فى الشهر 5 أيام أو 7 لمن يحالفه الحظ.. وباقى الأيام «لا شغلة ولا مشغلة».. وكل ما يحصلون عليه طيلة الشهر لا يتعدى 400 أو 500 جنيه لا تكفى أجرة السكن وسد أفواه الأبناء.

فى أرض اللواء شاهدنا أعدادًا كثيرة منهم على الرصيف.. وكانت المفاجأة غير المتوقعة رفضهم الحديث معنا أو الاقتراب منا، مما يدل على فقدان الثقة فى الحكومة والصحافة والتليفزيون وكل الدنيا.. فبمجرد أن لمحوا فى يدى ورقة وقلماً وشاهدوا زميلى المصور نهضوا من أماكنهم وابتعدوا عنا.. ملوحين بأيديهم بإشارات توحى بالملل والقرف وعدم الرغبة حتى فى الاستماع إلينا، فكثيرًا ما تحدثوا ولم يحصدوا شيئًا، وبمجرد أن اقتربت من أحدهم انهال علينا بما لذ وطاب من السخرية والتهكم والشتائم قائلاً: «عاوزين إيه.. تشتغلوا علينا.. على «قفانا» مش هنتكلم مع حد بقالنا 30 سنة فى الشغلة دى ولك شوية بنشوف حد منكم، ومفيش حد بيسأل فينا ولا يستمع إلى أصواتنا، ماذا فعلتم وقدمتم لنا، بنشوف صورنا فى الجرايد والتليفزيون وتفضحونا وإحنا زى ما إحنا يلّا يا ست ابعدى عنا».

ومع ارتفاع نبرة صوته بدأ زملاؤه يتجمعون حولى وكل واحد منهم بكلمة اعتراضًا على حالهم وأوضاعهم.

وبعد محاولات مضنية حكى محمد سعودى «32 سنة» من محافظة المنيا حكايته، فهو متزوج ولديه طفلان وسبق أن قدم فى معهد الشرطة ووصل لكشف الهيئة ونجح وتم قبوله ولكن مع وقف التعيينات منذ أربع سنوات حرم من وظيفة تغنيه عن قاعدة «الرصيف»، مضيفًا: منذ 3 أسابيع ولم أجد شغل والحال واقف، وإذا اليومية لا تتعدى الـ50 أو 60 جنيهًا يعنى دخلى فى الشهر لا يتعدى الـ300 جنيه.

بصوت مرتفع كاد يصرخ قاطعه عامل آخر: مركز ملوى مفهوش سرنجة، ولا سرنجة واحدة يرضى مين حرام حرام عليكم نكشف ونتعالج منين، لما أكون راجل أرزقى يوم اشتغل وعشرة مفيش آكل وأشرب وأتعالج وأتجوز منين منهم لله.. وتركنى ورحل لحال سبيله سألت زملاءه عن اسمه قالوا سعيد!!

الصعيد مهمشة الناس مش لاقية مية ولا صرف ولا تعليم.. «مبتروحوش» الصعيد ليه، دى شيكارة الكيماوى بـ 200 جنيه.. جملة قالها فى غضب جابر أحمد. وأضاف: أنا بكالوريوس تجارة ومفيش شغل وزى مانتى شايفة شغال فواعلى وحتى الشغلة دى مبتوكلش عيش حاف عندى 35 سنة ومش عارف اتجوز ممكن اشتغل يومين وبقية الشهر ع الرصيف.

بخطوات بطيئة وعينين تملؤهما الدموع قال «سيد» يا بنتى أناعندى 60 سنة وسمعت عن معاش اسمهم عاش البطالة هو فين؟!! قضيت عمرى كله فى غربة عن بلدتى وأسرتى بسوهاج بحثًا عن لقمة العيش هنا وبناكل يوم وبنجوع عشرة.. الزبون بيختار الشباب من يمتلكون الصحة والقوة.. أما العواجيز مثلى فلن يجدوا إلا العمل البسيط كحمل رمل أو تنظيف عمارة التى لا تتعدى 50 جنيهًا فقط.

حسن عبدالله تساءل فى غضب: الثورة اتعلمت ليه عشان نفضل على حالنا؟!! أحلامنا ضاعت ومستقبلنا ما زال ع الرصيف عندى 20 سنة وحاصل على دبلوم تجارة من المنيا وقاعد فى الشارع طول النهار بحثًا عن رزق.

حاصل على ليسانس حقوق ومعى 7 لغات وباشيل تراب، قالها فى حسرة مصطفى من محافظة المنيا.. طرقت كل الأبواب من أجل فرصة عمل تناسبنى وتناسب مؤهلى وللأسف انتهى بى الحال إلى ترك أسرتى وأنضم للفواعلية لأجد قوت يومى ويا ليتنى أجده.

نوح أبوبكر «63 سنة» لديه 7 بنات، من بنى سويف عاش حياته فى ترحال من القاهرة لبنى سويف والعكس من أجل تلبية احتياجات أسرته، كان يوميته 80 جنيهًا وبعد كبر سنه انخفضت لـ50 جنيه نظرًا لطبيعة العمل التى يقدر عليها.

رأيته ملثم الوجه نحيف الجسد يقف فوق سيارة نصف نقل يحمل الأسمنت من الأرض ويضعها فوق العربة سألته عن اسمه، قال: محمود ولم أدخل مدرسة، ويساعد خالى فى العمل، وأشار بيديه نحو خاله الذى يقف بجانبه، ويدعى أحمد زكى من أسيوط لديه 4 أبناء أكبرهم فى الصف الثالث الإعدادى يعمل باليومية مؤكدًا أنه فى كثير من الأحيان ممكن يجلس بلا عمل.. ويتقاضى فى النقلة الواحدة 150 جنيهًا ووضع يديه على صدره وقال: والله أنا عامل عملية قلب مفتوح.. بالأسبوعين أو شهر كامل فى مستشفى قصر العينى، ولو مش مصدقانى أعطيكى البيانات وروحى اسألى عاجز عن تلبية احتياجات أسرتى و2 من أبنائى خرجوا سألته: لماذا تصطحب ابن أختك فى هذا العمل الشاق؟ رد بغضب شديد من التعليم بسببى إذا مكنتش عارف أصرف على ولادى أصرف على ابن أختى منين؟! دا أنا بيتى جنيه مفهوش.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل