المحتوى الرئيسى

هل ينقذ التسلح العالم من الركود الاقتصادي... وتزيده حقوق الإنسان خراباً؟ 

04/30 10:33

في خطاب له في أبريل 1953، قال الرئيس الأميركي الأسبق دويت إيزنهاور "كل بندقية يتم صنعها، وكل سفينة حربية تُدشّن، وكل صاروخ يطلق، هو بمعناه النهائي سرقة من الجياع الذين يشتهون اللقمة، ومن المتجمدين برداً ولا ثوب يدفئ أجسادهم. عالم صناعة السلاح لا ينفق المال فقط. هو ينفق عرق عماله، وعبقرية علمائه، وآمال أطفاله… هذا ليس سبيلاً للحياة بالمعنى الحقيقي. وتحت غطاء التهديد العسكري، تُعلّق الإنسانية على صليب من الفولاذ".

في مطلع التسعينات، ومع انتهاء الحرب الباردة، كان لا بدّ من إفراغ الترسانات من الأسلحة، ووضع الحدّ للعديد من الصراعات. لكن ظهور الحرب على الإرهاب، والتورط في أفغانستان والعراق أعادا إحياء الصناعة العسكرية حول العالم، وتحديداً الأميركية. اليوم، مع التحالف ضد تنظيم داعش، تنتعش هذه الصناعة. فـ"يتنفس" كذلك السوق الروسي، الذي عانى من سبات ما بعد الانهيار السوفياتي، ولا تنفك فرنسا "الاشتراكية" توقع الاتفاقية تلو الأخرى مع دول الخليج وآسيا: الهند والصين الصاعدتان اقتصادياً تحلمان بقوة إقليمية. بهذه المقدمة بدأ ملحق “لوموند ديبلوماتيك" الفرنسي صفحاته الخمس، التي خصصها في أبريل للإضاءة على ما أسماه "ديبلوماسية السلاح".

"عرف العام 2014 أكبر عدد من الحروب، مقارنة بما شهده العالم منذ العام 2000"، بحسب تقرير المركز الدولي لأبحاث السلام في ستوكلهولم "سيبري". وتحتوي قاعدة بيانات المعهد على جميع البيانات الخاصة بعمليات تبادل الأسلحة الدولية (صفقات تجارية أو هدايا أو تراخيص إنتاج). وتشمل الأسلحة التقليدية الرئيسية للدول والمنظمات الدولية والجماعات المسلحة غير الرسمية، منذ عام 1950 حتى العام الماضي.

لا شيء إذاً يوحي بتراجع الإنفاق العسكري، بل على العكس. تضاعف نحو الثلث خلال عقد من الزمن، ليصبح نحو 1700 مليار دولار عام 2014. وفي الشرق الأوسط تضاعف نحو الثلثين.

بعد أكثر من ستين عاماً على خطاب إيزنهاور، بقيت الولايات المتحدة في صدارة الدول في الإنفاق العسكري بنحو 609.9 مليار دولار عام 2014، فتشكل ربع الإنفاق العالمي وحدها. بينما تنفق 9 دول مجتمعة 683.3 مليار دولار، هي الصين (216.4) فرنسا (62.3)، بريطانيا (60.5) الهند (50)، ألمانيا (46.5)، اليابان (45.8)، السعودية (80.8)، روسيا (84.5)، وكوريا الجنوبية (36.7). أما بقية العالم فينفق 482.8 مليار دولار.

كانت الصدارة في بيع الأسلحة للولايات المتحدة أيضاً، علماً أن مبيعات السلاح كانت الأعلى خلال السنوات الخمس الماضية، منذ انتهاء الحرب الباردة. وتغطي الولايات المتحدة 32.8% من السوق العالمية (بين عامي 2011 و2015)، وقد باعت أسلحتها لأكثر من 90 دولة، يشغل الشرق الأوسط نسبة 32% منها. تليها روسيا بـ25.3%. وفي المرتبة الثالثة تأتي الصين بنسبة 5.9%، علماً أنها كانت في المرتبة التاسعة عام 2005، ما يعني أنها زادت صادراتها بنسبة 143%، ثم تأتي فرنسا 5.6% وألمانيا بـ4.7%. وبحسب الدراسة، كان يفترض أن تحتل فرنسا المرتبة الثالثة بدل الصين، لو سلمت نهاية عام 2014 حاملة المروحيات من طراز "ميسترال" إلى روسيا، وهي صفقة جمدتها فرنسا على خلفية الأزمة الأوكرانية.

أما الجهة الشارية، فتتصدر لائحتها الهند، تليها السعودية ثم الصين فالإمارات وأستراليا. وأظهرت دراسة سابقة صادرة عن شركة IHS للأبحاث، أن السعودية تقدمت على الهند وأصبحت أكبر مستورد للأسلحة في العالم عام 2014، ومشترياتها من الأسلحة خلال الفترة (2013- 2014) ارتفعت بنسبة 54%، ووفقاً للخطط المستقبلية، يتوقع أن تنمو مشترياتها عام 2015 بنسبة 52% إلى 9.8 مليار دولار.

ومع ذلك، فإن القوى الصاعدة "قادرة على الاستجابة في العديد من القطاعات للطلبات العالمية، وعلى منافسة كبار الموردين الغربيين"، بحسب تقرير فرنسي عن تصدير السلاح بحسب "لوموند ديبلوماتيك". الصين باتت عنصراً جوهرياً في التصدير، واليابان وضعت حداً عام 2014 لقرار منع بيع السلاح إلى الخارج عام 1967. وتعمل كوريا الجنوبية على تنمية مصنعها العسكري. أما إسرائيل، والكلام للملحق الفرنسي، فهي قوة مهمة في مجال الطائرات من دون طيار والحرب الالكترونية. علماً أن إيران، التي عانت من العقوبات المفروضة عليها أكثر من ثلاثين عاماً، طورت ترسانة صناعية - عسكرية لا تحتاج سوى للانتقال إلى الخارج. والإمارات، التي تهتم بالانتقال إلى مرحلة ما بعد النفط، تطمح لتطوير قواعدها الصناعية والتكنولوجية في مجال الدفاع بالشراكة مع فرنسا والجزائر.

إذا، ليست المنافسة وحدها التي تحتدم، بل بات الشارون يطلبون نقل تكنولوجيا السلاح إلى بلدانهم أيضاً. وهو حال أندونيسيا وتركيا مثلاً، فلا بد أن ينفذ نصف العقد مع الشركات المحلية. كما تفترض بعض العقود نقل الخبراء المختصين إلى البلد، حيث الشركات المحلية والتنفيذ على الأرض. وهذا يعزز مع الوقت خبرة القوى الصاعدة، ما يشكل خطراً تنافسياً، وتهديداً خطيراً للأسعار العالمية كما في الخليج والمغرب.

وتحدث مقال نشرته "الغارديان" العام الماضي عن سباق تسلح خطير في الشرق الأوسط، سيكلف نحو 18 مليار دولار، ما يعني تزايداً في الخلافات والصراعات. وصراع التسليح بين الولايات المتحدة وروسيا انعكس سباقاً تمثل بامتلاك المقاتلات الجوية، والصواريخ والمركبات المدرعة، والطائرات من دون طيار والمروحيات. علماً أن أهم مزودي الأسلحة للمنطقة، بلدان كانت في صلب مبادرتين استثنائيتين للتحكم في الأسلحة حول العالم، وكانت من الدول الأولى التي وقعت الاتفاقيات الدولية.

هنالك من يزعم أن قطاع تصنيع السلاح تقوده نقابات تدافع عن مصير الآلاف من الوظائف فيه، لكن النقابي الفرنسي إريك برون ينفي هذا بالقول: "إذا كان إنقاذ آلاف الوظائف يتسبب بموت مئات الآلاف حول العالم، فلا معنى لحفظ تلك الوظائف". ويشرح النقابيون أنهم يطالبون منذ وقت طويل، لتحويل وجهة عمل المصانع في مجال الدفاع، بشكل يحفظ السياسة الخارجية والقيم الجوهرية للبلاد. ولكن في النهاية القرار هو سياسي، ولا مصلحة للسياسيين في ذلك. فهنا صيد المليارات يحكم، والكلمة الفصل تبقى لديبلوماسية السلاح.

ما يثير القلق أيضاً، بحسب تقرير “لوموند ديبلوماتيك" لفيليب لوماري، ما تقوم به فرنسا مثلاً من بيع لمعدات حربية كـ"الرافال" في منطقة مستعرة كالخليج وتحديداً لقطر. ولتبرر تزويد الخليج بالسلاح، تحاول فرنسا تجهيز الأرضية لتلائم الاتفاق، مثل توقيع الاتفاقيات الدفاعية والشراكة الاستراتيجية، والانفتاح بناءً على قرار ساركوزي عام 2008. وافتتاح قاعدة فرنسية في أبو ظبي، ومشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الغربي الوحيد، في اجتماع استثنائي لمجلس التعاون الخليجي عام 2015، في خطوات استعراضية تجعل فرنسا وسط نظام ضبابي، يتعارض مع نظام المراقبة الذي أقرته للبرلمان في دراسة العقود.

وينسحب الأمر على الدول الأوروبية، التي تبنى برلمانها في فبراير الماضي قراراً بمنع تزويد السعودية بالسلاح، على ضوء انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن. البعض التزم، والبعض قال إنه سيراجع الاتفاقيات مثل ألمانيا، والبعض تجاهل.

المثير للانتباه أن كل هذا السباق، اقترن بتشريعات لمراقبة القطاع منذ عام 1925، حتى عام 2016، ولكن من دون التزام يذكر من هذه الدول، ما يظهر عدم وجود إرادة بما يحيط ذلك من عمولات وفساد، تشير الدراسات إلى أن نسبتها تصل إلى 40% من نسبة الفساد الإجمالي في العالم. أكثر من عشر سنوات مرت على المطالبة بالاتفاقية العالمية لضبط قطاع الأسلحة، فدخلت حيز التطبيق عام 2014، بعدما وقعت عليها أكثر من 80 دولة. لكن الدعوات، كتلك التي أطلقتها منظمة "اوكسفام"، بقيت للمطالبة بالحرص على تطبيقها.

يؤكد ما سبق كتاب مهم، نشر في عام 2012 لصاحبه آندرو فاينشتاين تحت عنوان "العالم الخفي/ نظرة من داخل تجارة السلاح العالمية". وفيه: "المجتمع الدولي وضع ضوابط لتجارة الأسلحة، لكن اندلاع الحروب في كل بقاع العالم يظهر عقمها، فتنتشر الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية، وتلك المدعومة من الخارج. أما التجارة غير الشرعية بالأسلحة، أي تلك التي تتم في الظل، مزدهرة من دون معرفة الحكومات أحياناً، وبمعرفتها وتعاونها بشكل مباشر وغير مباشر في أحيان أخرى".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل