المحتوى الرئيسى

دعوة إلى الإرهاب

04/30 09:50

كنت قد تحدثت سابقًا عن أساليب الدعوة المنفرة تحت عنوان "الإرهاب فى الدعوة" وكيف تسئ تلك الأساليب للدين والدعوة وكيف هو أثرها على المتلقي، دعونا اليوم ننتقل إلى جزئية أخرى لها أرتباط بذلك الموضوع..

منذ فترة ليست ببعيدة خرج علينا أحد "دعاة الإرهاب"وهذه المرة بدعوى صريحة للإرهاب، حين إقترح وبكل أريحية حلًا شرعيًا إسلامياً -من وجهة نظره الفذة- للأزمة الاقتصادية في مصر، ما هو الحل لأزمتنا الاقتصادية يا عالمنا الجليل..يا واسع العلم والفهم؟

الحل هو كالآتي كما جاء على لسانه:"نحن في زمان الجهاد، والجهاد في سبيل الله متعة، الصحابة كانوا يتسابقون عليه، وهو الفقر إللي إحنا فيه إلَّا بسبب ترك الجهاد!! مش كنا لو كل سنة بنغزو مرة ولا اتنين ولا تلاتة مش كان هيسلم ناس كثيرون في الأرض، وإللي يرفض هذه الدعوة ويحول بيننا وبين دعوة الناس مش بنقاتله وناخدهم أسرى ونأخد أموالهم وأولادهم ونساءهم وكل دى عبارة عن فلوس!! كل واحد مجاهد كان بيرجع من الجهاد جيبه مليان، جايب معاه تلت أربع شُحُطه وتلت أربع نسوان وتلت أربع ولاد اضرب كل راس في تلاتمئة درهم ولا دينار هتلاقيه طالع بماليه كويسه!! لو هو راح يعمل صفقة في بلاد الغرب عمره ما هيعمل الأموال دي!! وكل ما هيتعسر هيأخد رأس بيعها ويفك أزمته!!

"هذا كان نص كلام العالم الجليل الذى نسب فهمه الواهي والعاري تمامًا عن الصحة إلى كتاب الجهاد فى البخارى الذي حين بحثت فى أبوابه لم أجد حرفًا من ذلك السم الزعاف الذى صبغت به كلماته.

أنا لا أرى فى ذلك الهذي إلَّا تحكيمًا للهوى وتجنيبًا لكتاب الله القائل في محكم التنزيل:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِی سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراًا)سورة النساء الآية (94)

وإفتراءً على السنة المطهرة الذى وصى صاحبها "عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم" جيش مؤتة قائلًا: "لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدًا ولا إمرأة ولا كبير فانيًا ولا منعزلًا بصومعة ولا تقربوا نخلًا ولا تقطعوا شجرًا ولا تهدموا بناءً"

ولقد ذكرت الوصية برواية أخرى فى كتاب "الجهاد" في "صحيح البخارى" أي من ذات الكتاب الذي إدعى العلامة الفقيه أنه جاء بكلامه هذا منه! ويحضرني قول "عمر بن عبد العزيز":"إن الله بعث محمدًا بالحق هاديًا ولم يبعثه جابيًا".

إن الهدف الحقيقى للجهاد أسمى بكثير من ذلك الهدف الوضيع الذي ذكره العلامة المحدث، لقد شرع الله الجهاد لإنقاذ شعوبٍ عانت تحت وطأة ظلم وطغيان حُكامِها بعدالة الإسلام الذي لا يجبر أحدًا على اعتناقه لينعم بالأمان تحت ظله

( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) "سورة البقرة" الآية(٢٥٦) بل يتسع لكل مسالمٍ من أى عقيدة أو ملة: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) "سورة الممتحنة" الآية(٨)

وفوق ذلك يكفل حرية المعتقد لأصحاب الأديان الأخرى ويكفل حق الدفاع ورد الظلم عنهم، انظروا ماذا فعل عمرو بن العاص حين دخل مصر فاتحًا، إقرأوا نص معاهدته مع أقباط مصر والتى كان من بنودها "هذا ما أعطى "عمرو بن العاص" أهل مصر من الأمان وملتهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم..."، تأملوا كيف أن الأقباط ساندوا الفتح الإسلامي في مواجهة البطش البيزنطي رغم كونهم من أبناء دين واحد لكن بينهم اختلافات مذهبية فدخلوا تحت مظلة الإسلام مع كامل الحرية لهم في التمسك بعقيدتهم وممارسة شعائرهم.

"عمر بن الخطاب" وفتح بيت المقدس ونص العهدة العمرية الشهيرة والتى كان من بنودها "هذا ما أعطى -عبدالله- "عمربن الخطاب" -أمير المؤمنين- أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لايسكن كنائسهم ولاتهدم، ولا ينقص منها ولا من حجزها، ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار احد منهم..." وكيف أنه من حرصه على مقدسات النصارى رفض الصلاة فى الكنيسة حتى لا تكون ذريعة لأحدٍ المسلمين من بعده للاستيلاء عليها بحجة أن أمير المؤمنين صلى فيها وخرج منها لأداء الصلاة ،فلله در عمر.

وإن لنا في الفتح الأيوبي لبيت المقدس لعبرة، انظروا كيف عامل صلاح الدين أنداده الصليبيين رغم الفظائع التي إرتكبوها في حق أهل القدس وتدنيسهم المقدسات، فعفا وصفح إلَّا عن من نسميهم في عصرنا مجرمي الحرب. هذه بعض الأمثلة اليسيرة وإن تاريخنا الإسلامي زاخر بصور التسامح، والعدل، والإنسانية، في الحرب بما لا يتسع المقام بذكره.

أما بالنسبة لمسألة الغنائم التي جعلها حضرة العلامة المقصد الأساسي من الجهاد فهي تقتصرعلى ما خلفه جيش العدو فقط وليس كما صرح الشيخ العلامة، ولقد أحل الله لحكمته غنائم المعركة للمسلمين لما في ذلك من تعويضٍ لهم لما انفقوه في القتال، فكما قال الفقهاء:(المقصود من الجهاد هو إعلاء كلمة الله تعالى، ونشر شرع الله والدفاع عنه والغنائم تابعة، ويتملكها المسلمون بالإحراز، فهي لأضعاف العدو ومعاقبته وتعويض ما أُنفق في القتال، فلم يكن المسلمون يومًا يهدفون في حروبهم إلى غرض دنيوى أو يشنون حروبًا إقتصادية للسيطرة على مناطق النفوذ والثروة والأسواق الخارجية في العالم، أو لتحقيق المطامع والأهواء المادية أو للتوسع في الملك كما هو الهدف من أغلب الحروب الحديثة )

هذا ديننا الحق؛ دين السلام وما يقال خلاف ذلك نضرب به عرض الحائط كائن من كان صاحبه، والنصوص جاءت فى بيان ذلك واضحة صريحة لا تحتمل تأويل متأولٍ، فأعجب من أين جاء بذلك التفسير للجهاد؟ أتى به من شريعة الغاب، فالأمر لا يحتمل تفسيرًا آخر.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل