المحتوى الرئيسى

جوتشين بيتنر يكتب: الحرب الباردة الجديدة.. صراع الشرق والغرب على جزيرة «كولا» | المصري اليوم

04/30 00:27

نقلاً عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية

لو أنك سافرت إلى مدينة مورمانسك الروسية، ومررت بجنباتها التى يحفها الجليد، فستدرك بسهولة أن تلك المنطقة القاحلة تمثل محوراً استراتيجياً للترسانة الروسية الضخمة وللرئيس فيلاديمير بوتين. فالطريق البرى الممتد من الحدود النرويجية تخترقه أميال من الجليد والأسلاك الشائكة، ولافتات التحذير وكاميرات المراقبة، فيما يخيم الصمت على المنشآت التى يكسوها اللون الرمادى فيجردها من كل مظاهر الحياة، فتبدو كأنها منشآت عسكرية أكثر منها مدن يسكنها مواطنون عاديون، ومنها تلتقى عيناك بشوارع يقطعها الجنود جيئة وذهاباً مهرولين ومرتدين المعاطف الثقيلة الطويلة.

غير أن الإلمام بالأهمية العسكرية لهذا المكان، وهو شبه جزيرة كولا، الواقعة شمال غرب روسيا، يتطلب التعرف على تفاصيلها من خلال صور لا يتسنى التقاطها سوى باستخدام كاميرا تصوير حرارى، من ارتفاع مناسب، فحينها فقط سيتلاشى مشهد الجليد الذى يتجلى للمار بها، وسيمكنك ملاحظة المنطقة التى تشق المياه الدافئة لخليج ستريم.

الواقع أن شبه جزيرة كولا هى رصيف بحرى عملاق، وهى التى تضمن دخول الأسطول البحرى الروسى إلى المحيط الأطلنطى كما تعد بمنزلة مرفأ للعمليات العسكرية التى تتم فى منطقة من العالم قد تشكل محوراً لأزمة قادمة بين الشرق والغرب، أو على الأحرى بين روسيا والناتو، إنها منطقة القطب الشمالى، فالمنطقة المحيطة بهذا القطب الشمالى لم يتم تقسيمها بعد بين دول الجوار، وإن كانت روسيا وثلاث دول أُخرى من دول الناتو (الولايات المتحدة، والدنمارك، وكندا) يزعمون ملكية مياهها ومواردها الطبيعية، وهى المزاعم التى كثيراً ما تتداخل وتتصادم ببعضها.

الواقع أن هذه المنطقة ليست فوضوية أو خالية من قوانين تحكمها، إذ تضمن «قانون البحار» الذى صاغته الأمم المتحدة، بعض القواعد الحاكمة للمزاعم المتضاربة من جانب الدول فى هذا الشأن، وهى القواعد التى استندت فيها الأمم المتحدة إلى تحديد امتداد الجرف القارى لأى بلد أسفل سطح البحر، والتى دعمها البيت الأبيض، لكن الكونجرس الأمريكى لم يصدق عليها حتى الآن، بسبب بعض الجمهوريين الذين ينظرون بقدر من التحفظ لمسألة تخويل مهمة إطلاق أى قرارات بشأن الحدود الاقتصادية الأمريكية، لهيئة الأمم المتحدة.

الواقع أن بعض الجمهوريين باتوا مقتنعين بعد غزو روسيا لأوكرانيا، أن الحشد العسكرى الذى تنفذه روسيا فى أقصى الشمال تعد به للاستيلاء على أراض جديدة، حتى قال السيناتور دان سوليفان، المنتمى للحزب الجمهورى بولاية ألاسكا، قال: «الروس يلعبون شطرنج فى منطقة القطب الشمالى» واتهم عضو مجلس الشيوخ، إدارة أوباما بارتكاب «أخطاء استراتيجية».

والواقع أنه أياً كانت نوايا الرئيس بوتين، فإن هذا لا ينفى أنه أصدر بالفعل أوامر للجيش الروسى بزيادة مقدراته وعتاده وتمركزه فى منطقة القطب الشمالى، وتقوم روسيا الآن ببناء 6 قواعد جديدة، وتعمل على تجديد الطرق التى تعود إلى فترة الحرب الباردة، وعلى بناء كاسحات جليد جديدة، كما أدخلت غواصات حديثة مزودة برؤوس نووية داخل الخدمة.

ورغم هذا كله لا يزال عدد محدود من الساسة والمحللين يعلم بالأهمية الرمزية التى تمثلها منطقة الشمال هذه للسيد بوتين، ففى عام 2007، قام الكرملين بإرساء غواصة مثبت بها علم معدنى لروسيا فى قاع البحر، فهل ما فعلته روسيا هذا كان لمجرد التقاط الصور؟ الواقع أن تثبيت روسيا العلم الخاص بها لدى تلك المنطقة لا يمنحها ملكيتها، تماماً مثلما لم يمنح رفع نيل أرمسترونج العلم الأمريكى على سطح القمر بعد وصوله إليه عام 1969، ملكية القمر للولايات المتحدة، وإن رمت روسيا إلى هذا.

ولكن مجدداً، منطقة القطب الشمالى تمثل فرصة استراتيجية كبرى لـ«بوتين»، إذ تمنحه مكاسب تمكنه من التفوق العسكرى والاستراتيجى على الغرب، ذلك أن روسيا، تعانى واحداً من أخطر العيوب الجيوسياسية: ويتمثل فى محدودية النفاذ إلى المحيطات العالمية، ومن الممكن أن يتم منع أسطولها فى البحر الأسود المتمركز فى شبه جزيرة القرم، فى حال اندلاع أى صراع، من المرور إلى مضيق البوسفور، الذى تتولى حراسته تركيا، إحدى الدول الأعضاء بحلف الناتو. ومن ناحية أخرى فإن أسطول البلطيق التابع لبوتين سيواجه عددا من العقبات فى خليج سكاجيراك، وهو المضيق الفاصل بين الدنمارك والنرويج.

أما منطقة القطب الشمالى فهى منطقة مفتوحة، والتى ستتحول عند ذوبان الجليد إلى بحر مفتوح أيضاً لروسيا.

الواقع أن الروس ينظرون للأمر من منظور مختلف، إذ يقول صانعو السياسات والمحللون فى موسكو إن روسيا لا تتبنى موقفاً هجومياً، وإنما تتبنى موقفاً دفاعياً، لكن الناتو أثبت أكثر من مرة أن روسيا لا تلتزم بالقواعد الدولية، إذ يقول نيكيتا لوماجين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سانت بطرسبورج، إن الرئيس بوتين لا يعتقد فى إمكانية الاعتماد على «الأمن الناعم» وحده، وإن لجوئه إلى تحديث وتطوير أسطول الشمال، والغواصات المحملة بالصواريخ النووية، إنما يشكل جزءاً من رد الفعل الروسى على مظلة الدفاع الصاروخى التى طورها الناتو.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل