المحتوى الرئيسى

الملك مينا يوحد مصر! | المصري اليوم

04/28 22:40

في ذلك اليوم العظيم، لاحت تباشير الصباح في الأفق الشرقى لمدينة إنب حدج (مدينة منف لاحقا)، العاصمة الجديدة التي أسسها الملك مينا على رأس الدلتا ليكون موقعها المتميز العاصمة الأبدية لمصر عبر تاريخها الحضارى الطويل.

ففى ذلك اليوم التاريخى، توحدت أرضا مصر في دولة مركزية واحدة. وقامت الوحدة على ضم أرض مصر السفلى أوالدلتا إلى أرض مصر العليا أوالصعيد تحت حكم ملك واحد وتحت راية واحدة. واتحدت الأرضان منذ ذلك الزمن البعيد إلى وقتنا الحالى وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وازدانت مدينة «إنب حدج» (أو «الجدار الأبيض») بالرايات وعلامات الزينة خصوصا على أسوارها القوية البيضاء المبنية من أحجار منطقة طره الجميلة. وناد العيد المجيد الجموع، فلبى أهل مصر النداء هارعين إلى العاصمة من كل حدب وصوب من الدلتا، ومن الصعيد، ومن النوبة، ومن سيناء، ومن الصحراء الشرقية، ومن الصحراء الغربية. وقطعوا كل الطرق والدروب وحملتهم صفحة النيل العظيم بغية الوصول إلى العاصمة الجديدة. ووصلوا إلى إنب حدج ليبايعوا ويهنئوا الملك المؤسس ويؤيدوا الوحدة ويشهدوا وقائع احتفال مصر بتوحيد القطرين وضم الشمال إلى الجنوب في مملكة واحدة يحكمها الملك مينا الذي ارتدى لأول مرة تاجا واحدا هو التاج المزدوج الذي جمع في تكوينه بين تاج الصعيد ذى اللون الأبيض وتاج الدلتا ذى اللون الأحمر، كحل وسط أبدعته العقلية الجمعية المصرية لترضى به جميع القوى الفاعلة على أرض مصر آنذاك.

وحدثت وحدة مصر بالتدريج من الجنوب إلى الشمال؛ إذ تم توحيد أجزاء مصر حضاريا ثم سياسيا تحت راية المعبود الأزلى حورس الذي قدس في مدينة الكاب (بالقرب من مدينة إدفو في محافظة أسوان الحالية). ولعب التجار الجنوبيون دورا كبيرا في نقل ثقافتهم ونشرها في الشمال. وكان الصعيد اتحد تحت حكم واحد ولواء واحد وراية واحدة بعد سلسلة من الحروب وبفضل عدد من التحالفات السلمية. ثم اتحد الشمال والجنوب سياسيا معا إلى أعلن ملك مصر العليا والسفلى، الملك المؤسس مينا أخيرا الوحدة السياسية والأبدية للبلاد المصرية.

وكان قد أسس هذه المدينة الجديدة، انب حدج، الملك الموحد «حور عحا» (أى«حورس المحارب»)، الذي حمل لقب «منى» بمعنى «المثبت» أو«المدعم» لأركان وحدة مصر الجديدة، والذى يعرف في زمنا الحالى باللفظ الشائع «مينا»؛ ذلك الملك الذي نظر إليه المصريون في العصور التالية بعين الإجلال والإكبار؛ نظرا لكونه أول ملوك مصر الموحدة، والملك الوحيد الذي نجح في توحيد البلاد بعد محاولات عديدة من قبل ملوك كثيرين والقضاء على الصراع السياسى والتناوش العسكرى اللذين استمرا فترة طويلة من الزمن قبل عهده المجيد.

وقام الملك مينا بإنجازات عديدة كان أهمها توحيد مصر وتأسيس هذه العاصمة الجديدة للبلاد إنب حدج. ويقول أبوالتاريخ هيرودوت أن كهنة العاصمة حدثوه بأن مينا كان أول من حكم مصر من البشر وبنى ذلك الملك «القلعة البيضاء» أو «الدار البيضاء» (يعنى مدينة «إنب حدج») عند رأس الدلتا لتكون عاصمة للمملكة المتحدة وأوجد جسرا لحماية العاصمة؛ إذ كان النهر كله يجرى بحذاء الهضبة الرملية من جانب الصحراء وجفف المجرى القديم وحول مجرى النهر لينساب بين الهضبتين. وتقع هذه العاصمة الجديدة على البر الغربى للنيل وتبعد حوالى أربعة وعشرين كيلو مترا إلى الجنوب من عاصمة مصر الحالية، مدينة القاهرة، وهى في موقع استراتيجى بين وادى النيل والدلتا، وفيه يلتقى الصعيد بالدلتا، وكذلك طرق التجارة. ويشير الدليل الأثرى إلى أن موقع هذه العاصمة المختارة كان موجودا منذ عصر ما قبل الأسرات. وكان من أبرز ملامح هذه العاصمة المبانى الإدارية مثل المبنى الأبيض الذي احتوى على المقر الملكى ومكاتب الحكومة. ومثلت هذه المدينة مركز الوحدة وميزان الأرضين، أرض مصر السفلى وأرض مصر العليا، واختار الملك بذكاء ذلك المكان المتوسط، والذى سوف يكون المكان الأبدى الذي تحكم منه مصر- باستثناء مدينة الإسكندرية التي اتخذها البطالمة والرومان من بعدهم عاصمة لمصر حتى تكون قريبة من بلادهم الأصلية.

ونظرا لاهتمام المصريين بالاحتفال بوحدة بلادهم، ضاقت مدينة إنب حدج بالقادمين من كل مكان من أرض مصر الواسعة، وامتلأت البيوت بالمقيمين، وازدحمت شوارع وساحات المدينة بالخيام، وامتلأت الطرقات بالذاهبين والقادمين، وانتشر اللاعبون والمغنون والراقصون على جنبات الطرقات، وعجت الأسواق بالعارضين والبائعين. وازدانت واجهات البيوت بالأعلام وأغصان النباتات والزهور. وبهرت الأنظار جماعات الحرس الملكى بثيابها الزاهية وسيوفها ذات النصال الناصعة اللامعة. وهرعت الجموع إلى المنطقة الممتدة ما بين القصر الملكى والمعبدعلى الشاطىء الشرقى لنهر النيل. وهبط البعض إلى السفن قاطعين المسافة بين القصر والمعبدمرددين الأغانى والأناشيد على أنغام المزامير والقيثارات، وراقصين على إيقاع الطبول والدفوف.

ووقف الجنود مصطفين على جانبى الطريق بأسلحتهم المتنوعة بين تماثيل الآلهة والإلهات التي نسب إليها الفضل في تحقيق وحدة البلاد ودعم الملك لتحقيق هذا الحلم الغالى. غير أن أبرز المعبودات كان الإله حورس الذي صور على هيئة صقر أو إنسان برأس صقر. ورمز ذلك الإله السماوى للملك والملكية المقدسة ويعنى اسمه «البعيد»، واتحد مع الملك منذ نهاية عصر ما قبل الأسرات، وكان الملك هو الممثل الأرضى لحورس، ونجح مينا آخر حكام عصر ما قبل الأسرات في توحيد مصر، وكان قد أطلق على هؤلاء الحكام «أتباع حورس»؛ نظرا لربطهم بين الإله والمملكة التي كانوا يسعون لتأسيسها؛ لذا فهم بحق المؤسسون الأوائل للدولة المصرية ولوحدتها الأزلية.

وتطلع الملك مينا إلى السماء من نافذة قصره المنيف المبنى على ضفة نهر النيل الخالد، فتهلل وجهه بالبشر والفرح وخفق قلبه وسجد على الأرض شاكرا الرب المعبود في عليائه على تحقق الوحدة التي طالما تطلعت إليها الأمة المصرية على يديه. وألقى نظرة على الجموع الغفيرة التي جاءت من أنحاء مصر المختلفة للتعبير عن حبها له وللإنجاز التاريخى والحضارى غير المسبوق الذي حققه بفضل ذكائه وقوته وحكمته، منهيا بذلك تاريخا طويلا من التشرذم والتناحر السياسى مزق الأمة المصرية العريقة لفترة زمنية طويلة. فسعد الملك مينا برؤية الوجوه المشرقة تعلوها الابتسامات وتتجاذبها الضحكات؛ فالكل سعيد بهذا الحدث العظيم. ووجد الملك أهل الصعيد يقفون في تناغم إلى جوار أهلهم من الدلتا بجانب أهل مصر النوبيين وغيرهم.

وارتفعت أصوات الجموع المختلفة هاتفة بالوحدة وداعية للملك مينا بالحياة والصحة والسعادة. بينما ارتفعت أصوات أخرى تعلن عن البضائع التي جلبتها من بلادها البعيدة لبيعها في هذا الحدث الذي بعث الفرحة والسرور في قلب كل مصر ومصرية.

وسمع صوت بوق شديد يخترق عنان السماء، فعلم القوم أن الملك مينا في طريقه للخروج من قصره المنيف في موكبه الملكى الكبير. وبدأ حملة الأبواق المصطفين على جانبى طريق الموكب النفخ في أبواقهم نفخا طويلا متصلا إيذانا بالبدء الفعلى لطقوس الاحتفال. وبدأت طلائع الجيش المصرى مسيرتها في صفوف منتظمة على أنغام الموسيقى العسكرية تتقدمها حامية العاصمة وفرق الحرس الملكى العديدة، رافعة علم الوحدة الذي يعلوه صورة الإله الصقر حورس رب الوحدة وراعيها. وسارت خلفها فرق المشاة تحمل الرماح والتروس، وفرقة الرماة حملة السهام والأقواس. فاشتعل حماس الجموع، فهتفت وصفقت بقوة ممجدة جنود الشمس الذين حققوا الوحدة. وسار بعدهم حملة ألوية الآلهة والإلهات ورموز أقاليم مصر المختلفة في موكب جليل لا يتكرر كثيرا.

وما هي إلا لحظات قليلة حتى خرج الملك مينا كى يشهد الاحتفال. وارتدى الملك رادءه الملكى الذي أعده خصيصا لهذا الاحتفال الذي لا يتكرر مرتين، وكان الملك يتحرك منتصب القامة يحيى الجموع التي استبشرت خيرا بتوليه الحكم. وكان يضع على رأسه لأول مرة في تاريخ مصر، التاج المزدوج، تاج مصر العليا والسفلى، ويقبض بيديه على شارات الحكم، المذبة وصولجان الحكم. وكانت تعلوه المهابة وتحرسه عناية السماء ترافقه العائلة المالكة والأمراء والأميرات والوزير وكبير الكهنة والقضاة وقواد الجيش وكبار رجال الدولة وحكام الأقاليم. وانتهى الموكب بفرقة حامية من الحرس الملكى. وتحرك الموكب الملكى في جلال مهيب وعظمة من القصر إلى ساحة الاحتفالات الواقعة بين المعبدوالنيل. وطالعت العيون الواقفة على جانبى الطريق الملك مينا وبذلك قد أسعدها الرب العظيم في سمائه برؤية ملكهم المقدس رأى العين. فتبين لهم أن الملك مينا شاب قوى وسيم ورشيق فارع الطول فضلا عن قوية إرادته وعظم شخصيته وثقته الكبيرة بالنفس التي تتبدى من نظراته وحركاته. وأسبغ الرب الحامى الإله حورس حمايته على الحفل الأسطورى وعلى ممثله على الأرض الملك مينا. وسارت أم الملك، الملكة «نيت حوتب» إلى جوار ابنها الملك الموحد. وسارت خلفهما زوجة الملك، الملكة الجميلة «بنر إيب» ( أي «حلوة القلب») التي كان شعرها الأسود ينسدل كأسلاك من الحرير اللامع على كتفيها في هالة من الليل كأنه تاج إلهى، ويبزغ في وسطه وجهها المشرق الطويل ذى الخدين الجميلين والفم الرقيق والعينين السوداوين الصافيتين الناعستين الممتلئتين بالحنان والحب والرحمة. ثم سار من خلفهم أفراد البيت المالك وكبار رجال الدولة. ووصل الموكب إلى ساحة الاحتفالات. ودخل الملك للمعبدمقدما القرابين وآيات الشكر والامتنان للإله. ثم رجع مرة ثانية إلى ساحة الاحتفالات حتى يشهد وقائع الاحتفال ويسعد بما حقق من إنجاز. ودقت الطبول معلنة بداية الحفل وأدى الجند التحية العسكرية وارتفعت موسيقى الحرس الملكى. وجلس الملك مينا في الصف الأول إلى جوار الوزير والملكة الأم وزوجته وأفراد البيت المالك وكبار رجال الدولة. واستمع إلى عزف الموسيقى وغناء المغنيات ورقص الراقصات الإيقاعى الجميل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل