المحتوى الرئيسى

هيبتا.. المقالة الأخيرة (تحليل نقدي) | المصري اليوم

04/28 13:38

في البداية دعونا نتفق أن ثمة اختلافا طبيعيا وواردا ما بين النص الأدبي والنص السينمائي أي الفيلم ككل، وأن المشاهد الباحث عن الرواية في الفيلم ربما يجدها وربما لا يجدها، وبالتالي لا يمكن أخذ هذا البحث بعين الاعتبار، وغالبا ما يكون معيار الجودة بالنسبة للأفلام المأخوذة عن روايات هو مدى قدرة صناع الفيلم على تقديم نص موازٍ دراميا للنص الأدبي، انطلاقا من الرواية، وتعبيرا بالصورة السينمائية بكل مشتملاتها من تمثيل وحركة كاميرا ولون وإضاءة وديكورات وملابس ومونتاج.

ومهما كانت الرواية متواضعة المستوى- كما هو الحال في رواية هيبتا- فإن الفيلم المأخوذ عنها يمكن أن يتجاوز تواضع المستوى، وذلك بكل ما تمنحه السينما من عناصر كثيرة للحكي وإعادة البناء وتلافي مشكلات النص الأدبي، أي باختصار (معالجته) مما يعانيه من ثغرات ومشاكل سردية أو ضعف في الحبكة أو حتى ركاكة في الفكرة والمضمون.

المقارنة إذن ما بين الفيلم والرواية لا تأتي من منطلق البحث عن الرواية في الفيلم، وفي حالتنا هذه مع الفيلم فإنها تمكنا من الوقوف على مدى نجاح النص السينمائي في تقديم معالجة ناضجة وجيدة لنص أدبي رديء، وهو ما لم يتحقق للأسف في «المحاضرة الأخيرة» بل أصابته ركاكة الرواية وروحها الهشة ذات أبعاد التنمية البشرية في أكثر صورها سطحية وضعفا.

- إننا لا نجد أي أثر يُذكر لفكرة أو معنى المحاضرة الأخيرة في سياق الأحداث وصولا إلى النهاية! فالدكتور شكري مختار/ ماجد الكدواني الذي لا ندري ما هو تخصصه تحديدا، بما يجعل أي جامعة في العالم تتشرف بإعطائه محاضرة فيها، (على حد قول رئيس جامعة القاهرة نفسه)، يُلقي محاضرة تنمية بشرية تقليدية وعادية عن مشكلات العلاقات العاطفية، مقسما إياها إلى سبع مراحل أو ما يُعرف بالهيبتا، أي رقم 7 باليونانية، وهنا لا ندري من الرواية ولا من الفيلم سر اختيار دكتور متخصص في العلاقات الإنسانية أو علم النفس يحاضر بالعربية أن يُسمي مراحل الحب من وجهة نظره باليونانية أو اللاتينية إلا من باب الوجاهة أو ادعاء الثقافة والعمق والغموض في طرح عنوان غير مألوف على الجمهور! حسنا لا بأس فهناك أمور سطحية قد تبدو مفيدة دعائيا، ولكن يأتي الفيلم ليزايد على الاسم بكتابة عنوان فرعي هو المحاضرة الأخيرة لتبدو روح العمق الزائف والادعاء التي خرجت من الرواية وقد أصابت الفيلم.

فبعد ساعتين من الثرثرة المباشرة والتلقين وكتابة مراحل الحب على الشاشة والعناصر التي تتضمنها المراحل على شاشة أخرى خلف الدكتور، نكتشف أن د. شكري الذي بدا وكأنه يعاني من متاعب صحية غامضة يذهب إلى شقته مع زوجته/ نيللي كريم- في أغرب شخصية لممثلة كل دورها هو التسبيل ومحاولة التعبير بالعيون عن مشاعر مبهمة لا ندري هل هي دعم أو تأثر أم حزن أم هيام !

بعد كل هذه الثرثرة يعود الدكتور لشقته ويحتضن زوجته ويسمعها كلاما رقيقا عاطفيا عن سعادته بكل يوم أمضاه بجانبها ثم ينتهي الفيلم !

هكذا بدون أي ذكر لفكرة أو عنصر المحاضرة الأخيرة بكل فخامة الجملة وهيبتها الشعورية واللغوية لنجد أنفسنا أمام تفسيرين :

الأول هو أن صناع الفيلم لم يشاءوا أن يكون اسم الفيلم يونانيا فقط فقرروا أن يضعوا له اسما عربيا !

والثاني أنهم وقعوا في فخ الادعاء بالعمق، وبدا لهم أنهم يقدمون ملحمة عاطفية أو ميلودرامية على غرار أفلام زمن الأبيض والأسود (القبلة الأخيرة والليلة الأخيرة والرقصة الأخيرة)، فإذا كانت لدينا محاضرة في الفيلم فلماذا لا تكون هي الأخرى المحاضرة الأخيرة !

ثم إنه بالنظر إلى المحاضرة (الأولى كانت أو الأخيرة) كشكل درامي وسردي تم نقله حرفيا من الرواية للفيلم يصبح لدينا سؤال :

وسؤال أخير في هذا السياق:

ما تعلمناه أن معالجة الأفكار في السينما يجب أن تأتي بأقل قدر من المباشرة والتلقين وأعلى درجة لاستغلال الصورة والحكي الدرامي بعيدا عن (خلاص ضلمت.. مفيش أمل..لأ فيه)!.

الإجابة على الأسئلة الثلاثة في الحقيقة هي إجابة واحدة، لقد أضر شكل محاضرة التنمية البشرية بالفيلم كصورة وسياق وإيقاع بل ومضمون.

أولا- لأن ما هو مقبول على مستوى الكتاب المقروء يختلف كلية عما هو برّاق أو جذّاب كصورة مهما كان أداء الممثل الذي يقدم دور المحاضر لامعا وحميميا ومؤثرا، كما يفعل الكدواني مؤخرا في حضوراته السينمائية المميزة مهما كان مستوى الفيلم ضحلا.

ولو أن متلقي (غير هيبتاوي) أزاح بخياله قليلا مشاهد المحاضرة عن سياق الفيلم، فسوف يجد أن الخطوط الدرامية تنساب بلا عائق تلقيني أو شخص (مفهماتي) يشرح ما نراه بالفعل وندركه بلا محاضرات أو حصص.

ودعونا نمد الخط على استقامته لندرك أنه لا الرواية ولا الفيلم جاءا بجديد في مسألة الحب والعلاقات العاطفية وأن أي مراهق عاش أو لم يعش كل مراحل (الهيبتا) المزعومة يُدرك تماما كل هذه المراحل وتطورها ونموها أو خفوتها لأنها ببساطة جزء من الفطرة والطبيعة البشرية.

فليس ثمة اكتشاف شعوري أو لمعة وجدانية أو فكرة فلسفية برّاقة خلف كل ثرثرات المحاضر أو الهيام السائل في مشاهد (الحضن- بحبك من تالتة إعدادي يا حمار- إنتي سبتيه علشاني).

في النهاية فإن كل ما قامت به الرواية والفيلم من بعدها أنهم (فسروا الماء بعد الجهد.. بالماء) .

ويقودنا الحديث عن الخطوط الدرامية الأربعة في الفيلم التي هي الأمثولات العاطفية التي يضربها المحاضر (المفهماتي) إلى الوقوف على عنصر أساسي من عناصر المعالجة الضعيفة للنص المصاب أساسا بالأنيميا الدرامية وهو عنصر (الشخص الواحد).

في نهاية الرواية نكتشف أن الشخصيات الأربعة التي يحكي عنها المحاضر ما هي إلا شخص واحد في مراحل حياته الأربعة (الطفولة والمراهقة والشباب والرجولة)، وقد حاول الكاتب أن يفصل زمنيا بين الأربعة من خلال تفاصيل صغيرة أبرزها التفصيلة التكنولوجية الواردة في علاقة شخصية (ج) في الرواية بشخصية (علا(وهي أنهم كانوا يقومون بالمحادثة عبر برنامج الشات الكلاسيكي (الماسينجر هوت ميل) ليدرك القارئ الذكي أن هذه العلاقة تدور عدة سنوات إلى الوراء، وبالتالي تصبح الحبكة متقبلة نسبيا عندما نعلم في النهاية أن الشخصيات الأربعة هم صديق المحاضر الذي يظهر في النهاية .

والميزة الدرامية الوحيدة لهذا الاكتشاف يمكن أن تكون هي إدراك أننا جميعا نعيش نفس تفاصيل الحب ومراحله على اعتبار أن (الحب واحد وإحنا كتير) أي أن البشر يتماثلون في التعامل مع الحب، وبالتالي يمكن أن يستفيدوا من خبرات بعضهم أو يشعروا بالانسجام الوجودي (كعادة التنمية البشرية في الإشارة إلى أفكار التوحد الإنساني والشعور بالآخر وتقبله).

حسنا جدا، ماذا فعل صُناع الفيلم بهذه الفكرة؟

مبدئيا قام السيناريو بنسف فكرة أنهم يعيشون في أربعة أزمنة مختلفة، وهو ما بدا في الفصول الأولى من الفيلم جيدا بشكل ما لأنه تخطى تفصيلة أنهم شخص واحد، ثم جعل الشخصيات تلتقى مشهديا خلال الأحداث، فتارة يعبر يوسف أمام رامي الذي يكاد يدهسه بسيارته، بينما تجلس علا بجانبه، وتارة يتحرك كريم في المستشفى ذاهبا لغرفة العمليات فتمر بجانبه والدة شادي المنتحرة قادمة لإسعافها وتارة يخرج كريم من المستشفى ليمر من أمامه رامي يقود دراجة نارية وخلفه علا فاردة ذراعيها في تفصيلة عاطفية مستهلكة بصريا.

أي أنه كان ثمة قصدية واضحة في التأكيد على أن الأربعة ليسوا فقط أربع شخصيات مختلفة ولكنهم أيضا يعيشون في زمن واحد، مما يعنى استحالة كونهم شخصا واحدا إلا إذا كان كائنا منقسم الخلية أو أننا في فيلم خيال علمي!

ويستمر التأكيد على هذا العنصر عندما نرى رامي في مرحلة الشباب يحادث علا على (الواتس آب)مستغنيا عن برنامج الماسنجر في الرواية والذي كان إشارة زمنية واضحة! ولكن فجأة تخرج علينا إحدى الجالسات في المحاضرة متفاجئة (إيه ده يعني الأربعة طلعوا واحد) لتقف أذهاننا عاجزة عن فهم تلك الظاهرة نادرة الحدوث في الطبيعة والخيال.

الغريب أن السيناريو يبرر ذلك على لسان المحاضر بأننا حين نذكر أنفسنا في مراحل عمرية مختلفة فإننا نبدو مختلفين في ذاكرتنا، وهو أمر غير مفهوم بالمرة.

لماذا كان الإصرار على إثبات تعددهم إذن؟ هل هو (إثارة وتشويق ومتعة بتعبير عادل إمام) أم لأن المعالجة لم تجد حبكة لكي تطور بها سياق الخطوط الأربعة وتحملها إلى الذروة!

وما هو الداعي إذن للتعامل بصريا ودراميا بمنطق أفلام (كراش والحب كلبة) حيث شخصيات متفرقة في مدينة واحدة تتعاطى مع سياق فكري واحد لكنها لا تتقاطع حياتيا ولا تلتقي إلا من خلال لقاءات الصدفة العابرة؟

وإذا كانوا جميعا شخصا واحدا فلماذا لم يتم التفرقة بينهم زمنيا أو على أقل تقدير لونيا؟!

فباستثناء اللون الرمادي الشاحب للخط الخاص بشخصية يوسف، نجد أن السرد اللوني لخطوط شخصيات شادي ورامي وكريم هو سرد واحد ومحايد لونيا جدا بلا أي تفرقة أو تمييز!

أضف إلى هذا أن المعالجة لم تكتف بأن جمعت زمنيا ومكانيا هذا الشخص الواحد المقسوم إلى أربعة بل إنها تجاوزت الخيال العلمي إلى جعله هو نفسه الدكتور شكري المحاضر!

والسؤال هنا: ما هي الفائدة الدرامية أو الفكرية أو الفلسفية أو حتى (التنمية البشرية) التي تعود على سياق الفيلم من هذا الاكتشاف الخارق وغير المبرر دراميا وغير المفهوم زمنيا أيضا؟

الدكتور نفسه يبدو أنه يعطي المحاضرة في الوقت الحاضر وليس في المستقبل (الأماكن والديكورات والسيارات والإعلانات المدفوعة الأجر وكل الإشارات الزمنية توحي بالحاضر).

مرة أخرى يلوح لنا ادعاء العمق والرغبة في مفاجأة الجمهور نتيجة غياب ذروة قوية أو تطور ناضج للسياقات والأحداث.

إن الفيلم لم يترك لنا تلك المساحة من الاكتشاف (أن كلهم واحد) بشكل إيحائي ودون تلقين ومباشرة! لم يمنحنا مساحة الشك الفني لكي ندرك أو نستشعر أن ثمة رابطا غير مباشر بين الشخصيات وبعضها وربما ساعتها نتمكن من رصد الميزة الدرامية الوحيدة في الرواية في أننا جميعا شخص واحد يمر مع كل مرحلة من حياته بحكاية حب تترك أثرا وتكشف لنا أن الحياة لا تتوقف عند فقدان عزيز أو نهاية قصة.

وتأخذنا مسألة المباشرة والحبكة الساذجة للحديث عن السرد البصري للحكايات أو الصورة السينمائية كما نُطلق عليها.

لقد سبق أن أشرنا إلى حيادية الألوان في سرد حكايات الفيلم الأربعة باستثناء حكاية يوسف، وهي الحكاية التي يمكن أن نتخذ منها مثالا لتحليل ضعف الصورة السينمائية في العمل ككل.

في تتابع المشاهد الأكثر شهرة في الفيلم يصعد يوسف إلى سور شرفته مقدما على الانتحار، لكنه يلمح فتاة جميلة تشير له في الجهة المقابلة فيهبط ويجتاز الشارع ويصعد لها ويسألها (إنتي بجد) إلى آخر هذا الحوار الأسخف والأكثر سذاجة في تاريخ الأفلام الرومانسية المصرية، والذي ينتهي بسؤال (طيب إيه اللي يثبت لك إني بجد؟)، فيجيبها (حضن) فتفتح له ذراعيها ليحتضنها ثم في تتابع مشهد آخر نراهم وقد انتهوا من ممارسة الجنس بينما يستيقظ هو فلا يجدها بجانبه فيبحث عنها ليجدها في الشقة وساقيها الجميلتين عاريتين، فيجلس ويضع قدمها على ساقيه ويخلع لها الشراب ويبدأ في تدليك أقدامها في شهوانية واضحة ثم يطلب منها الزواج!.

إن اختبار قوة الصورة السينمائية في التعبير عن الحكاية أو سردها بشكل قوي وناضج هو أن تتابع اللقطات والمشاهد يتمكن من رواية الأحداث دون اعتماد كلي على الحوار أو بأقل جمل حوارية بل كلما زادت قوة الصورة السينمائية كلما كان الحوار مكملا وأحيانا زائدا عن الحاجة.

لو تصورنا هيبتا كصورة بدون حوار فسوف نجد تتابعا عبثيا أو على أقل تقدير يحتوي على مشاهد مضللة للمتلقي، ويكفي أن نغلق شريط الصوت في التتابعات السابقة لنجد أننا أمام حالة غواية جنسية تمارسها فتاة مع شاب شاهدته فأشارت له، فذهب إليها ففتحت له ذراعيها دون سابق معرفة واحتضنته ثم ذهب معها للفراش!

هذا هو ما تحكيه الصورة، وهو نفسه ما جعل هذا التتابع تحديدا أكثر مشاهد الفيلم عرضة للهزل والسخرية من قِبل من شاهد الفيلم ومن لم يشاهده، لأن الصورة تنقل معنى مغايرا تماما لما تقوله الشخصيات ويقصده السيناريو.

وينضم المونتاج إلى عناصر الصورة السينمائية الضعيفة في الفيلم- مهما بدت الألوان براقة أو الملابس جيدة بالمناسبة- لنجد أن صناع الفيلم حاولوا تفتيت الزمن بأن تتقاطع الشخصيات في لقاءات عابرة وبلا معنى رغم أن كل منهم في زمنه الخاص! فالزمن الذي يستغرقه يوسف لينزل من منزله ويقطع الشارع باتجاه فتاة السطح يتقاطع مع زمن مليء بالأحداث في علاقة رامي وعلا لأننا نراهما في السيارة سويا، والتي كادت أن تدهس يوسف أثناء عبوره الشارع، مما يعني أن علاقتهما تطورت كثيرا منذ لقائهما.

مرة أخرى نجد أنفسنا أمام تناقض غير مبرر بين عملية تفتيت الزمن وبين تقاطعات الشخصيات لأنه لا يوجد مبرر لهذه التقاطعات، حيث إن كل شخصية سارية ومفهومة في خطها الدرامي سواء تقاطعت أو لم تتقاطع مع الشخصية الأخرى، ناهينا عن أنهم في النهاية يتشكلون كشخصية واحدة، مما يجعل عملية تفتيت الزمن هنا عبثا كاملا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل