المحتوى الرئيسى

"هويدى": 4 ملاحظات على مانشيتات صحف 25 أبريل

04/27 12:14

أبدى الكاتب الصحفي المتخصص في الشئون العربية فهمي هويدي، عددًا من الملاحظات بشأن مانشيتات الصحف الخاصة بيوم 25 أبريل، مؤكدًا أن عناوين الصحف فى تعاملها مع تظاهرات ٢٥ أبريل عبرت عن الجزء الظاهر من الحياة السياسية فى مصر، أما الشق الغاطس من الصورة فإنه يظل مجهولًا.

وتضمنت ملاحظات "هويدي"، في مقاله بصحيفة "الشروق"، توزع الآلة الإعلامية بين الارتباط بالسلطة والارتباط بأجهزة الأمن، حتى المنابر التى تبنت مواقف اتسمت بالاحتشام فإنها ظلت تتحرك فى حدود الملعب ولم تغادر مربعه، كما أن مصطلح أهل الشر جرى التوسع فى مضمونه بحيث أصبح وصمة تلاحق كل صاحب رأى مغاير.

عدد جريدة «الأهرام» الصادر أمس (٢٦/٤) لم يشر إلى خبر المظاهرات الاحتجاجية الغاضبة التى خرجت فى القاهرة وعدة مدن أخرى فى اليوم السابق (٢٥ أبريل) ــ فى الوقت ذاته حرصت الجريدة على إخبار قرائها بأن مظاهرات شبابية خرجت فى العاصمة البرازيلية ساوباولو دعما لروسيف (الرئيسة)، وأحاطته علما بأن اتحاد الشغل طالب العمال بالنزول إلى الشوارع. كما انها حرصت على ذكر السهرة اليسارية المزمع إقامتها بالإليزيه دفاعا عن ولاية أولاند (الرئيس الفرنسى). ولم يفتها ان تنشر خبرا آخر عن اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى. أما ما حدث فى مصر فقد لخصته الجريدة العريقة فى عبارات من قبيل أن المواطنين: عبروا عن فرحتهم الشديدة بالذكرى الغالية، معربين عن سعادتهم الغامرة بمشاركة قواتهم المسلحة الاحتفالات بهذه المناسبة، مقدمين الشكر والامتنان لرجالها البواسل الذين لا يدخرون جهدا فى دعم جهود التنمية الشاملة وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين، بالإضافة إلى مهامهم الرئيسية فى حماية الأمن القومى والدفاع عن حدود الوطن وسلامته. أما التظاهرات الاحتجاجية التى خرجت فى ١٠ محافظات وظل صداها المدوى يتردد فى الفضاء المصرى طوال اليوم، فضلا عن أنها كانت محط أنظار عواصم العالم فقد كان نصيبها من تغطية الأهرام ثلاث كلمات فقط وردت فى ثنايا جملة ذكرت أن جموع المواطنين قاموا بتنظيم احتفالات شعبية «رافضين دعوات الفوضى»! ــ وكانت قد أوردت المعنى ذاته فى عنوان كرر الكلمات الثلاث.

لم تنفرد الأهرام بهذا الموقف لأن الصحف القومية (!) تبنت نفس الموقف، وإن تم ذلك بدرجات متفاوتة. فعنوان الصحفة الأولى لجريدة «الأخبار» كان كالتالى: احتفالات صاخبة واحتجاجات خافتة. أما جريدة «الجمهورية» فقدت تحدث عنوانها الرئيسى عن أن «الشعب يهزم قوى الشر». أى أن الصحف «القومية» تراوحت فى مواقفها بين التجاهل شبه التام والتهوين المضمر والتجريم. وجميعها ظلت فى خندق الحكومة والأمن.

الصحف المستقلة عبر بعضها عما جرى بصورة مختلفة نسبيا لا يخلو بعضها من احترام للحقيقة وللقارئ، فعنوان جريدة «الشروق» كان كالتالى: الميادين للمؤيدين والأمن فى انتظار المعارضين. أما «المصرى اليوم» فقد عبرت عن نفس الموقف حين ذكرت فى عنوان الصفحة الأولى ان: الشارع للمؤيدين والأمن للمتظاهرين. وتضمنت الجريدتان تغطية معقولة نسبيا للتظاهرات التى خرجت فى المناسبة. ثمة صحف أخرى يفترض أنها مستقلة. إلا أنها «قومية» بامتياز ــ ذلك أنها التزمت بالخط «القومى» وبعضها بالغ فيه وزايد عليه فجريدة «الوطن» كان عنوانها الرئيسى كالتالى «الشعب يحتفل والجيش يطارد الإرهاب».

أما «اليوم السابع» فإنها ذهبت إلى أبعد وبدت أكثر التزاما بخطاب وزارة الداخلية حين ذكرت فى عنوان الصفحة الأولى «الإخوان فشلت فى التحريض»، ولا تسأل عن «البوابة» لأن التزام الجريدة لا يكتفى بتبنى خطاب الداخلية فقط ولكنه موزع على جهات أخرى عديدة أترك لك تخمينها وإحصاءها.

بدرجة أو أخرى نستطيع أن نقول إن عناوين الصحف فى تعاملها مع تظاهرات ٢٥ أبريل عبرت عن الجزء الظاهر من الحياة السياسية فى مصر، أما الشق الغاطس من الصورة فإنه يظل مجهولا وليس بمقدرونا أن نطالع معالمه. لأن صوت الضجيج الإعلامى فى مصر أعلا بكثير من صوت الشارع فى طول البلاد وعرضها. ولا تنس أن البرلمان الذى يفترض أنه معبر عن الشارع تمت هندسته بصورة محكمة جعلته معبرا عن السلطة وليس المجتمع. عندى عدة ملاحظات على المشهد أبدأها بالتذكير بأن الحدث الأبرز الذى شهدته مصر يوم ٢٥ أبريل كان بمثابة التظاهرات السلمية التى خرجت بصورة متحضرة معبرة عن الاعتراض على ما تم بشأن الجزيرتين والغضب المتراكم الذى وجد فى المناسبة فرصة للاشهار والتنفيس، إلا أنه كله قوبل بدرجات متفاوتة من القمع (٣٠٠ اعتقلوا) التى عرضتها العديد من شاشات التليفزيون وتجاهلتها القنوات المصرية التى تنافست فى التعبير عن «قوميتها».

أما ملاحظاتى فأوجزها فيما يلى:

< إن ما جرى يعبر ليس فقط عن الضيق الشديد بالرأى الآخر ومصادرة حق الاختلاف والتظاهر السلمى، ولكنه أصبح يعتبر الاختلاف جريمة تستوجب العقاب وتسوغ استباحة كرامات الناس وتوجيه مختلف الاتهامات إليهم التى وصلت إلى حد تراوحت فيه بين الانتماء للإخوان وبين التشهير بالمتظاهرين واعتبارهم دعاة للفوضى وساعين لإسقاط الدولة.

< إن الآلة الإعلامية كلها باتت موزعة بين الارتباط بالسلطة والارتباط بأجهزة الأمن، حتى المنابر التى تبنت مواقف اتسمت بالاحتشام فإنها ظلت تتحرك فى حدود «الملعب» ولم تغادر مربعه.

< إن الصحف «القومية» قدمت لنا نموذجا مغايرا فى التعامل مع الأخبار. ذلك أننا نعرف فى المهنة أن الخبر حق للقارئ وملك له، بخلاف الرأى الذى هو ملك لصاحبه. وفى المشهد الذى رأيناه (وفى حالات سابقة عديدة) أرست تلك الصحف مبدأ جديدا فى المهنة اعتبر الخبر الداخلى صار ملكا للحكومة (وللأمن أحيانا) وليس للقارئ فيه نصيب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل