المحتوى الرئيسى

أميرة أبو شهبة تكتب: خيانة المثقفين | ساسة بوست

04/25 19:55

منذ 2 دقيقتين، 25 أبريل,2016

تكبر الجريمة؛ كلما ازداد وعي، ومسئولية فاعلها، هكذا الأمر عندما يتولى الدفاع عن الظلم من هو مخول بمقاومته، وعندما يُجمل القبح من كان دوره صنع الجمال، ونجد من يتصدى لتبرير الفساد مرتدو ثوب النفعية، والاستمرارية للظهور والتلميع المصطنع من القائمين على حكم البلاد المختلة الموبوءة بالفساد.

فمن يدفع «فاتورة» التضحية للتغيير، إذا أصبح كل المثقفين والفنانين ونخبة المجتمع المقهور «يمسحون جوخ» المستبد، ويرعون تضليل الشعب في وسائل إعلامه، وبكل ما امتلكوا من علم ملفق، ليصبح تبريرهم للخيانة أكثر تأنقًا من مدعي المعرفة، أو العوام والمجهلين، وبالطبع «مصر»، كدولة راسخة الاستبداد، لديها أصالة تاريخية في القهر بشكل عجيب، ومثير للشفقة والاشمئزاز، لدرجة انها يمكنها أن تبني للطغيان متحفًا! فهو بلد يمتلك من قوافل الأفاقين والمنافقين ومرتكبي الجرائم باسم الفكر، وتمثيلهم للنخبة ما يفوق عدد النظم الحاكمة لقارة كاملة، ويمكننا أن نصدر منهم فائضًا للخارج في فنون التدليس والنفاق، إن أردنا!

نفتح الشاشات المملوكة لرؤوس أموال الفسدة، من مساندين للنظام، المحتكرين للإعلام الفاشي، فنجد أغلب فناني البلد لديهم قناعة راسخة للدفاع عن أقذر من حكم مصر، وأفسد لصوصها «مبارك وحاشيته»، والعجيب أننا لا نجد من الفنانين المصريين من هو مؤيد لمظالم الشعب، الذي يشاهدهم، ولا نجد إلا أقل القليل من رموزهم الذين دافعوا أو انضموا لثورة 25يناير، حتى كأننا نبحث عن «إبرة في كومة من القش المتسخ»؛ فالفن الحقيقى هو ابن مجتمعه، والمتحدث باسم الجمهور، وليس التطبيل والتغني بأمجاد القتلة والمستبدين يعد فن.

وسيخلُد قبحهم الذى يرعونه جنبًا إلى جنب مع مداحي السلاطين، وغلمان وجوارى قصور الطغاة الأقدمين؛ فهم ارتضوا أن تصبح مكانتهم، مثل المهرجين، الذين لاطائل من وراء ما يقدمونه، سوى التسلية، وغالبًا ينتجون تسلية مائعة فاسدة أو مستوردة مسروقة، لم تخرج حتى من مجتمعهم المفسد بأغلب ما قدموه.

وقس على طوابير هؤلاء المهرجين المنتفعين قبائل أخرى من المثقفين المدلسين الذين اتخذوا الثقافة الفكرية وسيلة لتغليف نفاقهم وتضليلهم لمجتمعهم بعبارات مؤنقة، ونظريات متغربة حينًا، أو مثبطة وكاذبة أحيانًا،

من علماء لأكاديميين، لصحفيين، وكًتاب، وشعراء، والقائمة تطول لعصر امتزجت فيه رائحة ظلامه العفن بعقول أشد عفنًا، لنخبة قذرة، لم تعرف الحق يومًا، ولم تختلط بمجتمعها ومشكلاته، ولا تدافع عن قضايا شعبها، بل لم تتورع من ادعاء الفهم الأعلى، والوطنية السادية على كل من يخالفهم.

يجلسون فى قصور وإقطاعيات للأغنياء خارج المدن المزدحمة بالشعب، كأنهم مماليك وعثمانيون جدد، يطلون على العوام والفلاحين من مرتفع القلعة، دون مخالطة لهم، إلا في جلب الضرائب، واستغلال مافى جيوبهم أو طلب التهليل والتصفيق لتأييدهم؛ ويقضون إجازتهم في اوروبا ومصايف الأغنياء، ويتربحون؛ من وجود نظام الفساد المتكامل الأركان، ويرددون شعاراته وافكاره، ولكن بلغة الجامعات ونظريات المفكرين؛ ليظهروا علينا ببساطة مخجلة؛ ليلقنونا قواعد السلوك الوطنى السليم! ومدى قدرات حاكمهم«الأهبل»، ومضار الثورات والتمرد شعارهم الفكري «مافيش فايدة»؛ “لأن الشعب نفسه جاهل، ويعاني من الفوضى، ولايستحق الحرية، وليس فى الإمكان أفضل من حكام وقتنا، ولاينقصهم سوى تأليف كتب وخطب في «فضائل الفساد ومحاسن الاستبداد»!

ولنأخذ نموذجًا حيًا، يجوز أن يكون ليس بمؤثر على فئات كبيرة، ولكنه مثال للنخبة العفنة التي أعنيها، يطل علينا ببرامج كثيرة، كخبير في الطب النفسي، ويجرعنا مرارة كل الأمراض المستوطنة في نفسه الخبيثة المنتفخة بغرور لا مبرر له، سوى كثرة التربح والأموال الطائلة التى يجنيها؛ ليعيش في قصره العاجي، ويلقى علينا نصائحه المتعالية عن ضبط الأخلاق في المجتمع، والهدوء النفسي، ويتناسى سيادة العالم النفسي المصاب بالتخمة، إن الجوع لا يبقى على أي هدوء نفسي؛ وإن الأخلاق يشوهها النفاق، والرياء والذل والمحسوبية في وطن يعاني شعبه من القهر والظلم والاستعباد، يقول للناس: لتبدأو بتحسين سلوككم، قبل أن تطالبوا بعشوائية تغيير النظام الحاكم؛ ويستغبي بأقواله أكثر: فيطالب نفس النظام الحاكم بالكف عن «الحنية والطبطبة» فسيادة «العكش» النفسي يرى أن قائد دولة خلف الآف القتلى من مذابحه المتتالية؛ ومنه يقصف أي مطالب بحقه برصاص حي، طوال ثلاث سنوات. إنه نظام ضعيف، يعاني من الحنية المفرطة! ويتبجح بنظام يعتقل خمسين ألفًا من معارضين سياسين، وطلاب، وباحثين، وأصحاب رأي، بأنه نظام يرفع شعار الطبطبة! «أومال إيه؟!»؛هذا طبيب نفسي يرى الحل في مزيد من البطش بالشعب، وكثرة القتل في الطامعين لنيل كرامتهم الإنسانية المسحوقة.

فهل يكتفى بتاريخ عائلته الناصرية، والارستقراطية النزعة، بشكله الأشبه ببغوات الترك في زمن الاستعباد العثماني، وإنى لا أره نموذجًا لأي اقطاعى عجوز كان يفتك بالفلاحيين الذين لايرضيهم ضرب السياط في مقابل الخبز اليابس! بالطبع كل أفعاله لا تكفيه، فيصرح بأن «ثوة يناير تسببت فى شعور الشعب بالإحباط»!

أضحك من كثرة البكاء، ولا أفهم؛ فكيف يكون عصر مبارك إذا كانت الثورة عليه مصيبة بالإحباط والأذى النفسي؟! كيف يكون عصر تنفسنا فيه الفساد، وفقدنا فيه الهوية، واستوطن فيه الظلم والواسطة والبطالة والتقزم والجهل، وضاع دور مصر في محيطها، وعانى الشعب الفقير البائس من اللهاث خلف لقيمات، لا تسد رمقه، والأدهى، عاش جيلان من الشباب في حالة اللا معنى واللا امل، ثم كان نسيم الحرية، فكسر الخوف والجمود لأول مرة بـ 25 يناير، زأر الشعب بكلمة «كرامة»، بعد أن كدنا ننسى طعم العزة، تصدرت مصر، التي أصبحت مهمشة، وكالات أنباء الدنيا، وصفحات جرائد العالم؛ إثر ميدان التحرير، ورقي شعبه وثواره في البشرية كلها، حتى تم تقليده في اليمن وليبيا وسوريا، ورفعت شعاراته في مدريد، و«ول استريت»، وألهم شباب مصر، كُتاب وفناني العالم؛ هل كل ذلك يعد إحباطًا؟ أن يتحرر العجز، وتنتفض النفس المصرية بأجمل ما فيها من انتماء حقيقي، ومن تضحية بأزكى دماء، لشباب في عمر أحفادك أيها المثقف الضال، تسمي أنت كل ذلك إحباطًا؟ فماذا يكون الأمل، أم يعجبك ضحك العالم علينا الآن، من جهلنا الذي أضحك الأمم؛ لنكون مثل «كوريا الشمالية»، في تندر الشعوب الخارجية، بعد أن جعلتنا يناير أيقونة عصر الثورات، وامتدادًا لمجد مصر الحضاري القديم، الذي زال على يد من تؤيدهم في الحكم اليوم؟!

– قطعًا، هذا شخص من آلاف مثله؛ منهم من هو أكثر منه تأثيرًا، يكتفون بتربح المال، والتنظير الفارغ لاستمرارية الحال كما هو عليه؛ لمزيد من الانتفاع؛ منهم فنانون يحزنهم تعطل حفلاتهم، ودور السينما لبعض الوقت، حتى يهنأ الشعب بتغيير حقيقي، يتقدم ببلد تخلفت فيه كل المجالات، ومنهم أكاديميون يرون طلابهم أغبياء، يضيعون الوقت في مظاهرات لا طائل منها، ويبتعدون عن قيمة التعلم في جامعاتهم «الخربة»، رغم أن افضل ما تقدمه جامعاتهم هو «الكريب» و«القهوة» بالمطاعم، فهو أفضل مما تقدمه مناهج علمية، وبحث في قاعات محاضرات أفرط معلموها في دورهم الحقيقي، لتوعية الطلاب معرفيًا، وقيادة المجتمع ضد القمع والفساد والظلم.

وإن كان اجتهاد هؤلاء النخب الفاسدة في تنظيرهم بفكر منزوع الحقيقة مدلس الهوى مبتعدًا عن واقع مجتمعهم، فإن دور شيوخ ودعاة الأزهر أشد بؤسًا، وأضل سبيلًا، فمن تعلم كلام الله بأهم جامعة إسلامية يدني عمامته لأصغر فرد أمن يخدم الحكام، رغم أن قرآنه ورسوله يأمره بمقاومة الفساد والقهر والظلم وإقامة الحرية والشورى والعدل والمساواة، يبذل قصارى جهده في إثبات العكس، والتغني بأن الدين علاقة قاصرة في المناسك والخلق الحسن «الذى يقصدون به خفض الصوت والتأدب مع الكبار والدروشة البعيدة عن الشأن العام»، ويتناسون أن العدل أخلاق، والحرية أعظم الأخلاق، وإكرام الانسان ذروة سنام الأخلاق، بل يبدلون قول رسولهم الصحيح «سيد الشهداء حمزة، ومن قام قال كلمة حق في وجه سلطان جائر فقتله»،«وإذا عجزت أمتي أن تقول للظالم ياظالم فقد تودع منها»؛ «ليعلموا الناس أحاديث موضوعة من دولة الأمويين وشيوخ السلاطين في كل زمان عن طاعة ولي الأمر القاتل القاهر الفاسد!

حتى وجدنا أنفسنا بين عشرات الآلاف من شيوخ ودعاة، كغيث فاسد لايقيم دعوة لله، ولا ينصر مظلومًا ولا ينمي الفضائل الحقيقية في مجتمعنا، وتحولت المنابر لأداة في يد الحاكم، مهما كانت أفعاله، وحتى من يعارض ذلك من شيوخ، فإننا نراهم مجادلين مؤدلجين يفعلون ذلك بغية أن يحل جماعتهم الدينية، أما الإخوان أو السلفية محل النظام القائم، ليكون استبدادًا جديدًا، لكن بعمائم فوق كرسي الحكم، وفوق المنابر، وافتقد زماننا للأئمة وعلماء مفكرين مجددين، يقودون حركة التغيير والتوعية ومقاومة الظلم في مجمل من نراهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل