المحتوى الرئيسى

في يوم تحرير سيناء.. صحفي إسرائيلي: خرجنا من جنة عدن

04/25 14:07

اليوم يحتفل المصريون بذكرى تحرير سيناء من المحتل الصهيوني، في وقت يتحسر فيه الإسرائيليون على ما يصفونه "الخروج من جنة عدن".

الصحفي "نتان زهافي" كان ممن عاشوا في شرم الشيخ، و"تحطم" قلبه كما يقول يوم الخروج منها بعد توقيع معاهدة السلام. ويروي "زهافي" ذكرياته في شرم الشيخ، ومغامراته في جزيرة تيران، بكلمات تغلفها أنات الحسرة ولوعة الخروج من الجنة والعودة للجحيم كما يقول.

المقال المطول نشرته صحيفة "معاريف تحت عنوان "ثمن السلام.. 34عاما بعد أن ترك جنة عدن في شرم، يعاني زهافي من لحظة في الجحيم".

يحدث هذا كل عام في شهر أبريل. يقفز فتيل الذكريات في عقلي ويذكرني أنه في هذا اليوم قبل أعوام طوال أخلينا البيت في شرم الشيخ.

في 25 أبريل يمر 34 عاما على انكسار أسطورة موشيه دايان، "شرم بلا سلام أفضل من سلام بلا شرم". توصل رئيس الوزراء مناحيم بيجين لتسوية سلام مع الرئيس المصري أنور السادات وصنع سلاما- بلا شرم.

أنفق المصريون في القطاع الساحلي بين إيلات وشرم مليارات الدولارات. أنشأت الفنادق والكازينوهات، وشيدوا الكورنيش على طول الشواطئ، وانتشرت نوادي الغوص كالفطر، ورست السفن واليخوت في المرافئ، وازدهرت أعمال السياحة.

استغرق ذلك سنوات حتى تدفق آلاف السياح من أنحاء العالم على شواطئ سيناء الساحرة، لكن كل هذه الروعة انتهت بوصول الإرهاب. في البداية وقعت هجمات ضد إسرائيليين خرجوا للتنزه على شواطئ سيناء، بعد ذلك انفجرت سيارات مفخخة مستهدفة الفنادق، تراجعت السياحة بشدة وكان من الواضح أن كل هذه الاستثمارات ذهبت هباء.

أوقف التعاون الإسرائيلي المصري موجة الهجمات، لكن ليس لوقت طويل. أتاحت التغيرات في الشرق الأوسط للعناصر المعادية الانقضاض على سيناء، وقتل جنود مصريين. واختلاس النظر تجاه إسرائيل, ورغم الجهود لوقف الإرهاب والسماح للسياح بالتنزه على الشواطئ الساحرة، نجح تنظيم داعش في تنفيذ إحدى هجماته القوية قبل نصف عام.

في 31 أكتوبر 2015 أقلعت طائرة ركاب تابعة لشركة الطيران الروسي متروجيت من مطار شرم في اتجاه سان بطرسبرج في روسيا، وبعد وقت قصير من الإقلاع انفجرت الطائرة في الجو وقتل 224 شخصا كانوا على متنها، معظمهم روس. بعد ذلك خلت سيناء على عروشها من السياح وحتى اليوم، بعد مرور نحو نص عام، ماتت صناعة السياحة.

عانى بعض سكان عوفيرا (اسم مستوطنة إسرائيلية كانت في شرم الشيخ) لشهور طوال من "صدمة الإخلاء". برز هذا تحديدا عندما أجرى الأطفال في المدرسة المحلية طابور الختام، الذي تضمن تنكيس العلم والنشيد الوطني.

انفجر الأطفال ولحق بهم الآباء والأمهات في البكاء، وترددت صرخات انكسار. كان ذلك حدثا صادما لكل من عاشه، مثلي أنا. أنظر إلى صور الأطفال التي التقطتها في الحدث وأبكي كالطفل.

ترعرع في شرم أروع الأطفال، أطفال الطبيعة. تمتعوا بالهواء النقي، وزرقة البحر ونقائه، بشكل لا يوجد في أي مكان بالعالم، الكثير من الأناس الرائعون حولهم. نشأوا في منازل بلا قضبان حديدية، لم يكن لديهم خوف من المغتصبين والمتحرشين بالأطفال. 

اشتهر أطفال عدد ممن تم إخلائهم: المطربة ميتال طرابلسي، بطل ركوب الأمواج شحار تسوفري، وأطفال عائلة بيرتس- مقاتلون شجعان قتلوا في حروب إسرائيل وأبناء الأم مريم التي أصبحت رمزا.

تم إخلاء عوفيرا بلا عنف، ظل رجال الجيش والشرطة الذين انتشروا في المستوطنة الصغيرة استعدادا لأيام الإخلاء بلا عمل، جمع الناس أغراضهم وشحنوها على الشاحنات وخرجوا تجاه إيلات بقلب منكسر، وأعين دامعة وقلق من الحاجة للتأقلم مع طبيعة الحياة في الشمال بعد أن عاشوا في جنة عدن بالجنوب.

كان من الصعب تسمية سكان عوفيرا بالمستوطنين. كانت سيناء خالية من السكان، كان البدو الذين سكنوا في خيامهم سعداء لقدوم الإسرائيليين. انتقلوا من الجمال لسيارات الجيب والمرسيدس، اكتشفوا طرق صيد جديدة عليهم وحصلوا على الكثير من الأسماك والمال، وفتحوا المقاهي في دهب ونويبع، هناك شباب بدو عملوا وترعرعوا وكأنهم من أبناء أسر “المستوطنين” اليهود،  ومن لم ير بدوي يحتفل بعيد الفصح، لن يفهم منظومة العلاقات المذهلة.

عملت في شرم منقذا، بعدها عملت في صيد أسماك الزينة وتصديرها. بشكل مواز كنت أقوم بتغطية |اخبار سيناء لصحيفة “يديعوت أحرونوت” وإذاعة الجيش الإسرائيلي (جالي تساهال). كعادتي فعلت الكثير من حالات الفوضى، أدت إحداها تقريبا لأزمة دبلوماسية. 

حدث ذلك عندما جاء أصدقاء من كيبوتس كفار جلعادي وأقاموا معسكر خيام بخليج نعمة. الأصدقاء من الكيبوتس، أفرطوا في شرب الكحول، ما دفعني لأن أكتب على قطعة كارتون كبيرة “مستوطنة السكارى”، وتعليقها على إحدى الخيام، وأتحدث لجالي تساهال عبر هاتفهم الأحمر عن إقامة مستوطنة جديدة بسيناء.

وصل تقرير إذاعة جالي تساهال للقنصل المصري حسن عيسى، الذي أخبر وزارة الخارجية المصرية التي احتجت بدورها أمام حكومة إسرائيل على إقامة مستوطنة جديدة بسيناء. استدعاني العميد تسوري شاجي قائد منطقة جنوب سيناء على عجل ووبخني (ليس بشدة) على الفوضى التي أحدثتها. أنزلت اللافتة وأخبرت جالي تساهال بعد الاحتجاج المصري أن مستوطنة السكارى لم تعد موجودة.

في بداية الشهر الجاري أعلنت مصر إعادة جزيرتي تيران وصنافير للسعوديين. ذات يوم وخلال عملي في صيد أسماك الزينة خرجت مع عيدي تسودرلينج في يخت تابعة لشركة "تروبي- فيش"، لمكان معين انتشرت به أسماك غالية الثمن لا توجد إلا في الجزيرة. لم يكن هذا في إطار قانون الصيد، لكننا تعرضنا للخطر. بدأت الشمس في الشروق، كان ارتفاع الأمواج مخيفا، على اليخت كان هناك ثلاثة أوعية كبيرة وضعنا داخلها الأسماك الثمينة. كانت الشمس قد أوشكت على الغروب عندما تعطلت المحركات، اكتشف عيدي أن الوقود قد نفد وأن مساعده إستان نسي جلب وقود إضافي.

بدأ الظلام في الهبوط، واشتد السحب في البحر، أفرغنا الأوعية من الأسماك في البحر، حاولنا إيقاف انجرافنا تجاه شواطئ الدول المعادية بوسائل مختلفة، مع غياب الضوء الأخير رأينا سفينة تابعة لسلاح البحرية على مسافة بعيدة، وتمنينا أن ترانا دون جدوى. 

أخرج عيدي زجاج نافذة اليخت وحاول تنبيهمم بواسطة انعكاس اشعة الشمس الأخيرة. جلست على أحد المقاعد وأشعلت سيجارة، كنت سعيدا لأنه تبقى لي عدد كاف من السجائر وعودي ثقاب. لم يكن لدينا طعام، ومعنا القليل من المياه، واستعددنا لما هو أسوأ- السقوط في أسر السعوديين.

على الشاطئ في عوفيرا ساد الكثير من القلق. انطلقت سفينة تابعة لسلاح البحرية للبحث عنا في البحر الهائج. أعلن القائد تسوري أنه حال لم يتم العثور علينا حتى الصباح، سوف يطلق طائرات تمشيط وستخاطب وزارة الخارجية الأمم المتحدة. لعبت دور غير المكترث، كان عيدي غاضبا جدا لأنني لا أفعل شيئا، وكأن هناك ما يمكن القيام به.

شعرنا بشعور سيء، كان اليخت يرتفع وينخفض على الأمواج العالية ويتأرجح كقشرة البندق. هذه بالضبط اللحظة التي يشعر فيها الإنسان بالخوف من الموت ويظن أنه هالك. لكن وكما في الأساطير، رأى جندي بالبحرية شيئا بدا له وكأنه قطعة بحرية، اخبروه أنه يتخيل، لكنه أصر على أنه رأى شيئا ما، وتوجت السفينة نحونا. بصعوبة ربطوا اليخت بحبل وتم جرنا لقاعدة سلاح البحرية في شرم، وهناك استقبلنا بسعادة غامرة.

بعد سنوات طوال في الشارع وصلت إلى محطة سيارات الأجرة في شارع إحاد هاعام بتل أبيب، هممت بركوب السيارة التي عليها الدور. لكن السائق الذي كان في السيارة التالية طلب من الأول أن يأذن له باصطحابي. دخلت إلى السيارة ليخبرني السائق المتحمس بصوت مرتجف أنه كان الجندي على السفينة الذي عثر على يختنا وأنقذ حيانا وحال دون وقوعنا في الأسر.

اعتقدت أني أريد أن أنهي حياتي في شرم، في بيت صغير يطل في إحدى جوانبه على الخليج ويطل الجانب الآخر على جبال سيناء رائعة الجمال، أنشغل من خمس إلى سبع ساعات يوميا بأسماك الزينة، وأقضي الليل مع حسناوات من جميع أنحاء العالم جاءوا للاستمتاع بالشاطئ، احتسى الخمر والبانجو البدوي المدمر، وأتناول الكركندن واستمع للموسيقى على الشاطئ، ويعرف الجيب أن يقلني للمنزل وانا مسطول في ليال الصحراء المذهلة.

بعد توقيع معاهدة السلام، وإدراكنا أن الوقت حتى تنفيذ الإخلاء بات محدودا، حاولنا استغلال كل لحظة، عينني القائد تسوري قائدا لنقطة تفتيش على الحدود المصرية الإسرائيلية. وفي مراسم احتفالية منحني رتبة ملازم أول، لأن الضابط المصري كان أيضا ملازم أول. بعد عدة اسابيع استدعاني على عجل إلى مكتبه وجردني من الرتبة على مرأى من ضباطه. لم أفعل ماذا فعلت، وقتها انفجروا ضاحكين ومنحني تسوري درجة نقيب، وأخبرني أنه تم تغيير القائد المصري، وأنه لا يريد أن يكون الضابط الإسرائيلي أقل رتبة منه. بعد الغخلاء كان تسوري يصرح في كل حدث اجتماعي حضرته أنني أنقذته من الموت عدة مرات. وأوضح لمستعميه المستغربين أنني أنقذته من الموت من الملل.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل