المحتوى الرئيسى

العرب بين «الفارسى» و«العثمانى».. المصير «الأسود» قادم

04/24 11:14

لطالما وقعت منطقة الشرق الأوسط ضمن مشروعات القوى العالمية والإقليمية لتقاسم مناطق النفوذ والهيمنة والتبعية على مر العصور، إلى أن حفز ضعف وبوادر انهيار الإمبراطورية العثمانية القوى الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا على تقسيم هذه المنطقة كتركة للقوى الأوروبية عن «رجل أوروبا المريض» أو الدولة العثمانية.

عُرفت هذه المنطقة فى الأدبيات الجغرافية باسم «الهلال الخصيب»، وهو مصطلح جغرافى أطلقه عالم الآثار الأمريكى جيمس هنرى برستد على حوض نهرى دجلة والفرات، والجزء الساحلى من بلاد الشام، وهى الإقليم الجغرافى الفريد الذى شهد العديد من الحضارات المهمة، فـ«الهلال الخصيب» مصطلح يشير من الناحية القومية إلى وجود أمة واحدة فى هذه المنطقة أو ما عرف تاريخياً بسوريا الكبرى التى تشمل بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين أى سوريا القديمة والعراق، وهو ما يعنى أن ما يسمى «داعش» أو «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، لم يأت ظهوره اليوم من فراغ، ولكن هذا الحيز الجغرافى لطالما ألهب خيال الطامعين من أجل السيطرة عليه تحت شعار دينى أو استعمارى أو إمبراطورى. 

المرشد الإيرانى يموّل «تقرير الثورة الإسلامية».. و«أردوغان» يسعى إلى ارتداء ملابس «السلطان العثمانى»

مع الحرب العالمية الأولى وتهاوى الدولة العثمانية التى سيطرت لقرون على هذه المنطقة، اتفقت فرنسا وبريطانيا بموافقة من الإمبراطورية الروسية على تقاسم النفوذ والسيطرة فى هذه المنطقة عبر تقسيمها إلى دول، فيما عرف باتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916، وعلى الرغم من انكشاف أمر التفاهمات الفرنسية البريطانية، خرجت هذه الدول إلى النور بحدودها المعروفة اليوم، وهى العراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان، وإسرائيل التى منحها وعد «بلفور» الصادر بعد عام واحد من اتفاقية «سايكس بيكو».

وبعد مرور 100 عام من هذه الاتفاقية سيئة السمعة، تظهر بوادر إحياء لـ«سايكس بيكو جديدة»، لا تتقاسم فيها الدول الكبرى النفوذ هذه المرة، ولكن تسعى من خلالها القوى الإقليمية فى الجوار العربى إلى استعادة نفوذها فى هذه الدول، على أساس طائفى وعرقى ودينى، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية المهتمة منذ 1979 بتصدير ثورتها للمنطقة، أعلن أحد مسئوليها مؤخراً أن بلاده أصبحت تسيطر على عدة عواصم عربية، وذلك عبر أذرعها والموالين لها فى هذه العواصم، بينما يسعى «العثمانيون الجدد» الذين يحكمون تركيا حالياً، إلى استعادة أمجاد إمبراطوريتهم فى العالمين العربى والإسلامى.. كل هذه المعطيات قد جعلت من إيران وتركيا فاعلين رئيسيين فى معادلة «سايكس بيكو الجديدة» لتقسيم دول عربية على أسس عرقية ودينية وطائفية، كأهم وريثين لـ«رجل الغرب المنسحب» أو الولايات المتحدة، بعد مرور قرن على الحدود التى رسمتها «سايكس بيكو» لتركة «رجل أوروبا المريض».

«ناجى»: إيران وسعت نفوذها بعد الاحتلال الأمريكى للعراق.. وتدخلاتها تصطدم بالاتجاه الإقليمى لتقليص نفوذها والوجود الروسى

«رغم اتخاذهما مواقف متناقضة من الأزمة فى سوريا؛ لتعارض مصالحهما؛ إلا أن العديد من المؤشرات تدل على التنسيق والتفاهم بين البلدين مؤخراً»، هكذا وصف الدكتور بشير عبدالفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، طبيعة التفاعلات الراهنة بين أنقرة وطهران فى هذه المرحلة، التى وصفها بأنها تشهد إرهاصات ميلاد «سايكس بيكو جديدة»، مؤكداً أن هناك العديد من الأمور المتشابهة بين سياق نشأة «سايكس بيكو» قبل 100 عام، والسياق الحالى فى المنطقة، فـ«سايكس بيكو 1916» جاءت قبل عام من منح وعد «بلفور» لليهود بإقامة إسرائيل فى 2017، والآن يتهيأ «أكراد العراق» لإعلان الاستفتاء على الاستقلال، فضلاً عن قيام الأكراد فى شمال سوريا بإعلان كيانات فيدرالية، والحديث عن تقسيم سوريا، وتقسيم العراق بشكل نهائى، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على الأوضاع فى كل من إيران وتركيا شديدتى التنوع العرقى والمذهبى والدينى والقومى، وهو ما سيعرضهما لسيناريو التقسيم أيضاً، ولذلك دفعهما هذا التهديد المشترك إلى التقارب مؤخراً، ورفضهما محاولات الانفصال الكردية.

«عبدالفتاح» اعتبر أن «داعش أصبح أداة التقسيم حالياً، بينما كانت الحرب العالمية الأولى هى إدارة ومبرر التقسيم مطلع القرن الماضى، كما أن هذا التوقيت شهد انتهاء الخلافة العثمانية ومحاولة إعلان خلافة جديدة فى دولة أخرى، وهو ما شهدته هذه المرحلة من إعلان (خلافة داعش) أيضاً»، معتبراً أن «الدول الغربية ترى أنه من مصلحتها أن يتم تفتيت هذه الدول واستغلال ثورات شعوبها فى 2011، ولذا ظهرت خرائط تقسيم لكل دول المنطقة باستثناء إسرائيل»، مضيفاً: «مصر تغلبت على مشروع التقسيم بفضل مواجهته، ولكنها لم تصبح بعيدة عن هذا التحدى، فالمشروع لا يزال قائماً كتحدٍ خطير». وأكد الباحث السياسى أن «تركيا وإيران وإسرائيل مجرد أدوات تستخدم فى تحقيق هذه المشاريع، ولكن أنقرة وطهران أدركتا أن تنوع مكونات مجتمعاتهما داخلياً سيعرضهما للتقسيم أيضاً، إذا نفذت المشروع الذى اتفقتا عليه مع القوى الغربية، ولذلك تركيا تتشبث بـ(داعش) لمنع الأكراد من إعلان دولتهم، ما يثير النوازع الانفصالية لدى أكراد تركيا»، كما أن «إيران أيضاً عمقت من اتفاقها وروابطها مع الولايات المتحدة وروسيا، وفى نهاية المطاف إدراك تركيا وإيران لهذا التهديد المشترك قد ساهم فى إيجاد حالة من التقارب بين البلدين، رغم أنهما استخدما كأدوات فى بداية هذه المشاريع»، مضيفاً: «الولايات المتحدة خففت وجودها الاستراتيجى فى الشرق الأوسط لصالح تعزيز وجودها فى شرق آسيا، بشكل يتيح لتركيا وإيران مجالاً محسوباً للتحرك بالتعاون والتفاهم مع الولايات المتحدة، ولكنه لن يصل لمرحلة ملء الفراغ الذى خلفه الانسحاب الأمريكى بصورة كاملة، حيث إن روسيا صار لها موطئ قدم فى المنطقة، بعد تدخلها العسكرى فى سوريا، وبصورة عامة الخريطة لا تزال فى حالة من السيولة، وحدود حركة الوكلاء تتحدد وفق عملية معقدة تبعاً لدور وموقف كل منهم من التفاعلات الراهنة».

بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، ظهر مصطلح «الهلال الشيعى» الذى كان أول من استخدمه هو العاهل الأردنى عبدالله الثانى بن الحسين، خلال حوار لـ«واشنطن بوست» أثناء زيارته للولايات المتحدة فى أوائل شهر ديسمبر عام 2004، للتعبير عن خشيته لوصول حكومة موالية لإيران فى العراق تسهم مع نظام «دمشق» فى تأسيس هذا الهلال من النفوذ الإيرانى الممتد إلى بيروت.

واعتبر الدكتور محمد عباس ناجى، خبير الشئون الإيرانية، أنه «على الرغم من توسيع إيران نفوذها وتدخلاتها فى دول المنطقة، إلا أن النفوذ الإيرانى بدأ يتقلص حالياً، من خلال وجود تفاهمات أمريكية روسية فى المنطقة، ليست بالضرورة فى صالح إيران، وأصبح هناك تعويل على أهمية التفاهمات بين موسكو وواشنطن، لحل أزمات المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية، التى أصبح مفتاح الحل فيها روسيا بالأساس، ما أدى لتراجع نفوذ إيران داخل سوريا. وعلى الساحة اليمنية بدأ مسار مفاوضات سريعة بين الحكومة الشرعية والحوثيين، فيما قلصت العمليات العسكرية للتحالف العربى بقيادة السعودية كثيراً من قدرة إيران على التدخل فى المشهد اليمنى ودعم حلفائها هناك».

وشدد «ناجى»، لـ«الوطن» على وجود اتجاه إقليمى مناوئ لإيران وتدخلاتها فى الشئون العربية، كان من أبرز مؤشراته القرارات التى صدرت عن وزراء الخارجية العرب ضد تدخلات طهران، وتكرارها فى القمة الإسلامية فى إسطنبول مؤخراً، فضلاً عن احتمال تكرارها فى القمة العربية المقبلة فى «نواكشوط»، ما أوضح مدى التفاهم الإقليمى على المستويين العربى والإسلامى لممارسة الضغوط على إيران وحلفائها، ووضع نفوذها أمام تحديات فعلية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل