المحتوى الرئيسى

مجدي منصور يكتب: الجماعة السرية التي تحكُم مصر هوامش على دفتر أزمة جُزر صنافير وتيران (1) | ساسة بوست

04/23 14:32

منذ 1 دقيقة، 23 أبريل,2016

(إذا لم تجد أزمة من الأزمات إدارة عاقلة تُخطط وتُنظم لحلها، فإنها سوف تجد لنفسها حلا بغير تخطيط وبغير تنظيم وبغير عقل تنكسر بها عقدها المستعصية)  نظرية في علم إدارة الأزمات

لعلني للمرة الثانية أجد نفسي مدينا باعتذار للقارئ الكريم فقد كنتُ بدأت الكتابة عن السياسة الخارجية الروسية تحت عنوان (القصة الروسية من القيصر «إيفان» وحتى القيصر«بوتن») ثم داهمتنا الأحداث في القضية الفلسطينية، فأجلت تكملة الموضوع وقدمت اعتذارا عن ذلك، وانتقلت للكتابة عن الصراع العربي الإسرائيلي تحت عنوان (الإسرائيليين والفلسطينيين.. الوصول للحائط المسدود!) وها هي الأحداث تداهمنا من جديد في الشأن المصري مما يضطرني إلى تعليق الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي لتكملة ما بدأته في المقال الماضي تحت عنوان (مصر بين تحديات الواقع وأسئلة المستقبل؟)

ولقد حاولت تناول موضوع الجُزر المثارة حاليا بين مصر والسعودية، وبالفعل انهمكت في البحث في تاريخ الجزر وتبعيتها من الناحية التاريخية والقانونية، ووجدت نفسي غارقا بين أكوام من الأوراق والكتب، وقد وجدت نفسي في النهاية أكثر حيرة، واضطلعت على وثائق كثيرة ووجدت نفسي أكثر تعجُبا وتخبُطا واستمعت لمجموعة من الخبراء أو هكذا يقولون على شاشات الفضائيات وقد زادت حيرتي وكبُر تعجبي أكثر! وعلى الرغم من ذلك فإنني قد وجدت لنفسي طريقا أسيرُ فيه للوصول إلى الحقيقة. وفي يوم من الأيام كان (جوبلز) وزير الدعاية النازي في عهد ألمانيا الهتلرية يقول (إن الحقيقة غالية ولذلك يجب حمايتها بالكثير من الأكاذيب!) وما أن بدأت الكتابة كان في ذهني مقولة مستشار الأمن القومي الأمريكي (برجنسكي) في عهد الرئيس (جيمي كارتر) عن أزمة احتلال العراق للكويت في 2أغسطس 1990 (إن أزمة الخليج أصبحت عاطفية بأكثر من اللازم، وشخصية بأكثر من اللازم).

وكان مقصدي هو محاولة نزع ما هو أكثر من اللازم (عاطفيا) و(شخصيا) عن الأزمة التي نحن بصددها علنا نستطيع الفهم. وشرعتُ بالكتابة في إطار موضوع الجُزر(صنافير وتيران) ولكني أعترف بأن الأزمة قد انعكست على شخصي أنا أيضا وفي أجواء الأزمات فإن «الصدور ضيقة» و«الأعصاب متوترة» و«الأمزجة منحرفة» و«العقول مشدودة كأوتار العود!» وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا؟ ومع هذا أو ذاك؟ هنا أو هناك؟

ولهذا قررتُ أن أتناول الموضوع عن طريق دائري يحاول الابتعاد عن الزحام والضوضاء المنبعثة من كل مكان.

(جميل جدا إلى حد أنه لا يمكن أن يكون حقيقيا!)  ونستون تشرشل

يتبقى لي قبل الدخول إلى ساحة العتبات المقدسة عدة مُلاحظات:

أن هناك في مصر تحديدا من تحدث عن أن «كيف لنا ونحن قوميون وحدوديون أن نتشاجر على قطعة أرض؟!». وأرد على ذلك بأن ما هو مطروح أمامنا اليوم ليس خطوة على طريق «الوحدة المنشودة» كي نُحكِّم المبدأ الوحدوي! الذي لا تعترف به المملكة السعودية من الأصل والأساس وظلت تحاربه منذ قيام الأسرة وحتى اليوم! وهناك في مصر تحديدا من تحدث عن أن «عددا من الرموز الوطنية والقومية قالوا بأن الجُزر سعودية وتحديدا الأستاذ (محمد حسنين هيكل) رحمه الله واعتبروا أن ذلك مرجعية. ويجب بعدها أن تصمُت الأفواه وتُحبس الألسنة عن الكلام!». وأرد على ذلك بأنه من الغريب والعجيب والمُحير والمُضحك في نفس الوقت أن هؤلاء الذين يعتبرون (هيكل) رحمه الله مرجعية لهم اليوم، وهُم أول من كالوا (لهيكل) الشتائم واتهموه بالكذب والنصب والتزوير وتلفيق التاريخ وأكدوا على أن ذلك الرجل الذي يتاجر بقربه من الزعيم (جمال عبد الناصر) لا يمكن الوثوق فيه ولا في كتاباته وكالوا له الاتهامات كيلا وساقوا ضده التهم سوقا، ولكنها (الميكافلية) في أوضح صورها تتجلى أمامنا في صور رجال فكر! أو شيوخ وقساوسة دين! أو قادة منظمات مُجتمع مدني! أو مُدعين قيادة الثورات! ممن يُطلون علينا من أعمدة الصحف وشاشات الفضائيات وميكرفونات الإذاعات!

هذه هي السعودية أيها السادة: (لو علمتم ما فعلناه من أجل أمريكا وأمنها لأعطيتمونا أسلحة نووية) الأمير بندر بن سلطان

وهناك في مصر تحديدا من تحدث عن أن «كيف لنا أن ننسى دور المملكة في الدفاع عن العرب والعروبة منذ جلالة الملك المعظم (عبد العزيز آل سعود) وحتى جلالة الملك المُحرر (سلمان وولده محمد) حفظهما الله للبلاد والعباد!؟». وأرد على ذلك بأن ذلك القول تسويق في غير محله وظني أن جميع ملوك السعودية منذ الملك المؤسس (عبد العزيز) وحتى اليوم (سلمان وولده) لو سمعوا ذلك سيفعلون ما فعله (ونستون تشرشل) رئيس وزراء بريطانيا الأسطوري حين ذهب إليه مساعده (وليام ديكون) يحمل له مقالا عنه كتبه الأستاذ (إشيا برلين) أستاذ الفلسفة بكلية (جميع القديسين) في جامعة (أكسفورد) وكان المقال مُغاليا في إشادته بمزايا (تشرشل) والتحدث عن عظمته وقدرته وعبقريته، ويبدو أن (برلين) كتبه في ساعة نشوة وانبهار. وقرأ (تشرشل) المقال وأعاد قراءته ثم كتب على هامشه بخط يده جملة واحدة نصها: (too good to be true وترجمتها: جميل جدا إلى حد أنه لا يمكن أن يكون حقيقيا!). بالإضافة إلى ذلك هل نسي هؤلاء أن الملك (سعود) هو من حارب حركة القومية العربية، وهو من حاول اغتيال الزعيم (جمال عبد الناصر)، وهو من قام بالمشاركة في ضرب الوحدة المصرية السورية. وأن خليفته الملك (فيصل) هو من أكمل حرب أخيه (سعود) ضد حركة القومية العربية والمشاركة مع القوى الإمبريالية في ( تصفية) مركزها في ( القاهرة) حتى لو أدى ذلك إلى الاستعانة بالمرتزقة الأجانب من كل حدب وصوب لكي يجعل اليمن (مقبرة كبيرة للجيش المصري إذا لم ينسحب منها) حسب وصفه وتعبيره وحتى لو اضطره ذلك إلى الاستعانة بالعدو الفارسي الإيراني الشيعي في (طهران)! متمثلا في (الشاه) كي يناصره ضد عدوه العتيد ( جمال عبد الناصر) في ( القاهرة). لمزيد من التفاصيل من هنا. الزعيم (جمال عبد الناصر)

الملك (سعود) والملك (فيصل) تاريخ من التآمر على مصر الناصرية وعلى المشروع القومي

وقد يقول قائل وللقول منطق «إنك تتوقف عند تاريخ مضى عصره وأوانه بل ورجاله أيضا»! وأقول لنرى وننظر لما بعد فترة الزعيم (عبد الناصر). أو لم يقم الملك (فهد) بتمويل أغلب العمليات الأمريكية القذرة على طول العالم وعرضه وعلى سبيل المثال: (فقد تبرعت السعودية في دفعة واحدة بمبلغ 35 مليون دولار للمساعدة على إسقاط نظام الساندينستا في نيكاراجوا من أجل خاطر العيون الأمريكية الزرقاء!)، هذا إلى ما دفعته في تمويل (حرب أفغانستان أكثر من ألف مليون دولار تبركا بالشعر الأصفر الأمريكي)! للمزيد من التفاصيل من هنا. وألم يقم الملك (فهد) أيضا بالاتفاق ولا أقول التآمر على دولة عربية وإسلامية أخرى وهي (العراق) مع السيد الأمريكي صاحب صك الأمان للسعودية وملوكها, والجلوس مع مندوب الحامي الأكبر ( ديك تشيني) في (جدة) ودعوة القوات الأمريكية بعدها إلى أرض الحرمين رافعين شعار ظاهره هو ( الدفاع عن السعودية وتحرير الكويت) بينما الملك (يعرف أن الباطن شيء آخر), أن تلك القوات قد جاءت (لتدمير العراق) بخطة سُميت (المجد للعذراء). الملك (فهد)

وللأسف ظهرت صور لجنود أمريكيين يكتبون على الصواريخ التي ستقذف بها العراق: (نادوا على الله فإن لم يسمع لكم نادوا على الجنرال شوارتزكويف).

ولسوء الحظ فإن هذا الاسم الرمزي كان يستعيد للأذهان أصداء صليبية سُمعت من قبل، فحين دخل الجنرال البريطاني (اللنبي) فاتحا القدس يوم 9 ديسمبر 1917 كانت قولته المشهورة: ( الآن انتهت الحروب الصليبية). وحين دخل الجنرال (جورو) دمشق يوم 21 يونيو 1920 توجه مباشرة إلى قبر صلاح الدين ووقف أمامه ووضع قدمه عليه وقال قولته المشهورة: (ها قد عدنا يا صلاح الدين).

وكذلك فإن الملك ( عبد الله) قام بفتح أرضه وحدوده (للحق كان معه دولة ( الكويت) في نفس الموقف!) لدولة أجنبية (جيش الولايات المتحدة) لتجتاح دولة عربية أخرى وهي (العراق) واحتلال عاصمة الخلافة العباسية (بغداد) وإسقاط نظام الحكم البعثي(القومي) فيها جهارا نهارا. الملك (عبد الله)

وكذلك فإن الملك (سلمان) ونجله! قاما بعمل تحالف, قيادة جيوشهم وطيرانهم تحت مسمى (عاصفة الحزم) لضرب دولة عربية من (أغلب وأفقر وأضعف) الدول في الأمة العربية (اليمن) لعزل رجل كانت المملكة ذاتها مدافعة عنه وقت ثورة شعبه عليه (على عبد الله صالح)!! وفي سبيل هذا الهدف يحل قتل الرجال، النساء والأطفال وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها خدمة لمصالح الأمة ولإبعاد (الغُمة) الفارسية الإيرانية الشيعية عن أعيُن الأمة العربية السنية)! ورغم ذلك كله ورغم كمية المتفجرات التي ألقيت على الفريق الآخر إلا أن التحالف الذي تقوده السعودية لم يحقق نصرا حاسما رغم مرور كل تلك الشهور! الملك (سلمان)

وكذلك قامت المملكة في عهد مالكها المعظم ( سلمان), نجله! بتكملة ما بدأه الملك (عبدالله) في محاولة إسقاط النظام السوري (القومي) حتى لو كان كلفة ذلك أن يتم تدمير الوطن السوري بأكمله وعلى رأسه عاصمة الأمويين ( دمشق) ذاتها وأن يُشرد ملايين السوريين في بقاع الأرض المختلفة ناهيك عن الآلاف من القتلى على الجانبين وناهيك عن مليارات الدولارات المهدرة على تلك الحرب التي اندلعت منذ سنوات وناهيك عن تغذية نار التطرف التي أنتجت آخر حبة في عنقود المنظمات الإرهابية (داعش) بعد أن كانت المملكة السعودية مشاركا كبيرا وضالعا أساسيا في إنشاء منظمة (القاعدة) مع السيد والحليف الأمريكي.

أو ليس ذلك هو التاريخ السعودي أيها السادة والسيدات.

تتبقى نقطة أخيرة تُثير الكثير من الشجن وتهيج النفس بمشاعر مختلطة ما بين الحُزن والأسى وهي أنه قد جاء الزمان الذي يُقال على من يرفض التخلي عن قطعة من أرضه أو على أقل تقدير تحت سيادته خائنا مُخربا. بينما يُقال لمن يقبل بالتنازل والبيع بالشخص الوطني ابن البلد الأصيل! ولقد كان (المتنبي) هو من عرفها وخبرها قبل مئات السنين حينما قال:

«وكم ذا بمصر من المُضحكات  ولكنه ضحكُ كالبكاء».

(التحالفات تبدأ في التفكك من اللحظة التي يُزال فيها الخطر المشترك) المؤرخ الإنجليزي هارولد نيكسلون

في أوائل ثورة يوليو 1952 كتب الصحفي (إحسان عبد القدوس) مقالا بعنوان (الجمعية السرية التي تحكم مصر) انتقد فيها طريق اتخاذ القرار في مصر، وطلب من مجلس قيادة الثورة القائم على الحكم وقتها بالانفتاح على الإعلام، بمشاركة الجماهير في صناعة واتخاذ القرار وقتها. وما أشبه حال مصر اليوم بمصر التي تحدث عنها (إحسان عبد القدوس).

فنحن في مصر اليوم نرى قرارات وتصرفات وتعليقات على مواقف مختلفة من النظام الحاكم تبدو في أحيان غريبة وفي أحيان أخرى مُريبة وهي عجيبة طوال الوقت! مما يتحتم على كل فرد أن يسأل الأسئلة المنطقية:

من الذي يحكم مصر؟ وكيف يتخذ صانع القرار قراره ؟ ومتى يجب أن يتراجع صانع القرار عن قراره؟.

وكلها أسئلة مشروعة لا يُجرمها قانون العقوبات المصري! ولا يُعطى قانون الإجراءات الجنائية المصري الحق للنيابة العامة في حبس صاحب تلك الأسئلة أربعة أيام على ذمة التحقيق!

وفي محاولة الاجتهاد للإجابة عن سؤال من الذي يحكم مصر؟

علينا أن نتفق أننا لا زلنا في مرحلة شرعية (الرجل الواحد). إن هذا النوع من الشرعية ليس اختراعا جديدا في التاريخ، وإنما كان ظاهرة رصدها كثيرون من كبار المفكرين في العلوم السياسية والاجتماعية وفي مقدمتهم (ماكس فيبر) الذي فرق بين ثلاثة أنواع من الشرعية فرأى:

أن هناك شرعية تقليدية (مصدرها قبلي أو ديني). وهناك شرعية «دستورية قانونية» (تجد فرصتها عندما تصل المجتمعات إلى درجة من التوازن بين مصالح الطبقات تسمح بها). ثم إن هناك شرعية ذات طابع خاص بين الاثنين، هي شرعية «الرجل الواحد» (في مرحلة التحولات الكبرى، حين يظهر على المسرح رجل يتمتع بجاذبية وثقة تجعله في لحظة من اللحظات رمزا لآمال شعب أو أمة، وقادرا على التعبير عن هذه الآمال والسعي لتحقيقها).

ولقد كان أكثر من مثل صورة شرعية الرجل الواحد هو الزعيم (جمال عبد الناصر) بلا منازع بكارزميته وقوة شخصيته إضافة إلى حُب الناس له وعشقها غير المحدود لشخصه وتقديرها غير الموصوف لدوره في تاريخ وطنه وأمته.

الزعيم (جمال عبد الناصر) معشوق الجماهير العربية مثال حي لشرعية الرجل الواحد

ولنقول إن المجتمع المصري لا زال يحاول أن ينتقل من شرعية الرجل الواحد إلى الشرعية الدستورية القانونية، وذلك هو الصراع الذي نراه الآن. فالرئيس الحالي لمصر (عبد الفتاح السيسي) وبطانته من حوله يحاولون أن يجمدوا اللحظة الراهنة عند شرعية (الرجل الواحد) بما لها من «سُلطة مُطلقة» في اتخاذ القرارات، وبينما قوى أخرى في المجتمع تريد الانتقال إلى المرحلة الأخرى بأقصى سرعة. * وقد يقول قائل وللقول وجاهته: هل نسيت أننا في مجتمع ينظمه دستور ويحكمه قانون؟! – وأرد على ذلك بالرجاء لأصحاب تلك الحُجة أن يراجعوا موقفهم فقد كنا في دستور 1971 مثلا نطبق المنهج الرأسمالي في حين أن هناك نصا وقتها في الدستور يتحدث عن «أن الدولة تسير في الطريق الاشتراكى»!، ثم إن من يضع القوانين هو مجلس الشعب وهذا المجلس أغلبه أتى بمساعدة الرئاسة الحالية! أي كما يُقال في المثل المصري «محنا دافنينه سوا»! وفي النهاية فالرئيس هو الحاكم وحده لهذا البلد بعيدا عن وجود أي مؤسسات شكلية كارتونية (مجلس شعب أو مجلس عليا الطلاق ولو سمحت!) كما يطلق عليه المصريون اليوم و(مجلس وزراء) يأتي به الرئيس ويعينه. بمعنى أن أي كلام يريد أحد توجيهه عن الدولة سلبا أو إيجابا يجب أن يوجه إلى الرئيس وحده دون غيره، وذلك تقرير حالة قبل أن يكون وصفًا لوضع. الرئيس السيسي في سيارته الفارهة رغم طلبه الدائم من الشعب بالتقشف

وفى محاولة الاجتهاد للإجابة عن سؤال كيفية اتخاذ صانع القرار قراره

أولا – علينا أن نقول أنه من الإنصاف أن نعترف بأن عملية «صنع القرار السياسي في مصر» صعبة معقدة خصوصا في مثل هذه الظروف التي نمر بها؛ فعلى مختلف مستويات صنع القرار السياسي، وهي متعددة، يجد صانع القرار نفسه أمام مواريث ومستجدات وأحوال وملابسات معظمها بعيد عن إرادته أو قدرته.

ثانيا – يأتي بعد ذلك أن النظام المصري منذ فترة بدأ يتصرف تصرفات تدعو إلى التساؤل والقلق أكثر مما تبعث على الثقة والطمأنينة. فقد بدت نذر قلق من إجراءات وقرارات أحدثت أصداء غير مواتية في عديد من المواقع. وحين كان الناس يتساءلون عما يجري وغايته ونهايته؟

– كان الرد يجئ «بأن ذلك في مصلحة الوطن» دون تعريف الناس بتلك المصلحة، ودون تبرير مقنع يجعلهم يتفهمون مثلا لماذا تُخفض حكومة النظام سعر الطاقة لمصانع الأسمنت ويرفعونها على المواطن البسيط؟ ومن أحق بالدعم أصحاب المصانع أم المواطنين الفقراء المحتاجين؟

(هؤلاء على استعداد لسلخ جلود بطون أمهاتهم يشدونها ليعزفوا عليها أناشيد أي سلطان) لويد جورج

وفى المحصلة النهائية فإن النظام المصري وعلى رأسه الجنرال (السيسي) منذ فترة يتخبط في أزمات ومشاكل مثل (أزمة الدولار) فالحقائق الاقتصادية مرة والنتائج المترتبة عليها متفاقمة والتعامل معها حتى بأقصى درجات الكفاءة صعب. (الصراعات التي صارت علنية بين أجهزة الأمن والتأمين للاستحواذ على النفوذ والتأثير في صانع القرار)، (وفك لغز مقتل الطالب الإيطالي «ريجينى» الذي سبب أزمة دبلوماسية مع إيطاليا)، ( تجاوزات الداخلية التي عادت إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير وأسوأ)، (وارتفاع الأسعار الجنوني في البلد)، (تفشي الفساد بدرجة زادت عما قبلها وسط تصريحات منقولة عن الجنرال «بأن ذلك ليس هو الوقت المناسب لمحاربة الفساد»)، أخيرا وليس آخرا (اتفاقية الجزر التي أنهت أي رابط بين تحالف 30 يونيو).

وعلى الرغم من أن بعض تلك الأزمات ممكن ردها إلى صُنع أعدائه ولكن أغلبها من صنع نظامه وحمق أصدقائه وسوء اختيار المحسوبين عليه والمُطبلين له والهاتفين بحياته كزعيم أوحد في القطر المصري كله مثل («مينا» موحد القطرين!).

الجماهير عادت من جديد وأفاقت من وهمها

وتلك المشاكل والأزمات تُسبب له «تآكُل في الرضا الشعبي» على المستوى الداخلي رغم كل المُهدئات والمسكنات الإعلامية،«تعريه» وتتسبب في الخصم من «شرعيته» على المستوى الخارجي، وتلك التعرية تجعله عُرضة للابتزاز من الخارج قبل الداخل.

يُضاف إلى ذلك أن الناس قد «ملوا» سماع منولوجات التبرير المحفوظة من إعلاميين وكتبة السلطان أمثال (أحمد موسى، مصطفى بكري، سيد علي وغيرهم كُثر) والذين ينطبق عليهم مقولة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (لويد جورج): (هؤلاء على استعداد لسلخ جلود بطون أمهاتهم يشدونها ليعزفوا عليها أناشيد أي سلطان). و«سئموا» عبارات من نوعية إنها أعمال الإخوان وحلفائهم، المؤامرة الدولية ضد مصر، وأخيرا وليس آخرا بكره تشوفوا مصر.

هؤلاء على استعداد لسلخ جلود بطون أمهاتهم يشدونها ليعزفوا عليها أناشيد أي سلطان

ولعلى أضيف أنني عندما أسمع (الجنرال) يتحدث عن مساوئ الماضي وعن التضحية بالحاضر من أجل المستقبل أتذكر مقولة (يفجيني بريماكوف) رئيس الوزراء الروسي حينما سمع (جورباتشوف) في خطاب له بعد أن أصبح رئيسا قال: (لقد حدثنا عن الماضى الأسود وآلامه، وقال لنا إن المستقبل سيكون جيدا، ولكنه لم يذكر لنا شيئا عن حاضرنا الذي نعيشه وكأنه ليس موجودا!).

وبعد ذلك ينطلق سؤال هو- ما الذي يعترض القرار السياسي في مصر؟

وأظن وإن كان بعض الظن إثم إلا أن بعضه فقط هو الإثم ولكن البعض الآخر من «حسن الفطن» أن أهم ما يعترض القرار السياسي في مصر، هو عدم وجود رؤية لأي مشروع وطني واضح تتحرك الدولة على ضوئه وتُنظم إيقاع حركتها على أساسه.

وتلك أزمة كُبرى بدأت عندما قرر حاكم المحروسة الرئيس المؤمن! (أنور السادات) أن شرعيته هي شرعية أكتوبر، وقام (بتدمير المنظومة القيمية في مصر) فجعل الناس في حيرة من أمرهم يتملكهم الشك وتعوزهم الثقة في أي شيء وكل شيء. وهذه في معظمها أوضاع لا دخل لصانع القرار الآن بها فهي أوضاع موروثة من نُظم (السادات ومبارك) فقدت بوصلتها وتخلت عن إرادتها وابتعدت عن أمتها ورهنت مقدراتها لدى الولايات المتحدة صاحبة ال99% من أوراق اللعبة!

وربما كان لصالح عملية صنع القرار الآن، ولحسابها، أن صوت النداء التاريخي ( المشروع القومي والوطني لثورة يوليو المؤسس على القومية والعدالة الاجتماعية) يصل إليها، ثم إن الأمر الواقع يقف أمامها متمثلا في مجموعة من الأغنياء اللصوص على حد وصف ميشيل جوبير، وهكذا يبدو وكأن القرار لا يبرح مكانه أو لعله يدور حول نفسه، لأن الصراع بين النداء التاريخي الأصيل وبين أحكام الواقع الراهن صعب وعسير.

ولكن على النظام وعلى رأسه الجنرال أن يعرف أن الناس ليس في طاقتها «مقدرة على الصبر» بأكثر مما صبرت ولا تحمُّل «للظلم الاجتماعي» بأكثر مما تحملوا، وأن ساعة الانفجار قادمة لا محالة مالم يقم النظام بتصحيح مساره وتعديل رؤاه وضبط البوصلة على اتجاه الأغلبية من الشعب وليس على مصالح حفنة من الأغنياء اللصوص.

وصانع القرار ينظر إلى الصورة ويهوله ما يرى، ويقترب أحيانا وأحيانا يبتعد كأنه أمام لغم شديد الانفجار، وهو بالفعل أمام لغم شديد الانفجار.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل