المحتوى الرئيسى

عبد الرحمن الأبنودي.. «شاعر الحروب وأمير القلوب»

04/21 18:21

هو أمير الكلمة وسيدها، شاعر العامية وعاشقها.. آلم الجميع بكلماته وتألم لأجلها، واجه سلطان الطغاة وهو على ظهر كلمته.. لم يسقط يومًا ذلك الفارس الذي وقف في وجوه أنظمة الاستبداد قائلًا: «مهما أقول أو تقول، إيه راح يفيد الكلام؟، حكامنا صاحبوا العدو، وإحنا رحنا ننام».

لم يترك الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، الذي تحل ذكرى وفاته الثانية اليوم، شيئًا إلا وتغنى لأجله، وهام في حبه عشقًا، حتى السجون وبرودة حوائطها وقسوة سجانيها، كتب يناجيها مرارًا وتكررًا: «خرج الشتا وهلت روايح الصيف.. والسجن دلوقتي يرد الكيف».

ولد «الأبنودي» عام 1939، بقرية أبنود بمحافظة قنا، أتاحت له البيئة التي نشأ بها خيالًا خصبًا، فكان خير مُعبر عن أوجاع الجنوب وتطلعاته وعاداته، لكن ذلك لم يمنعه من الانشغال بهموم الشعب المصري في كل الأقاليم طوال الوقت.

كان والده الشيخ محمود الأبنودي يعمل مأذون شرعي، وكان دومًا ما يستمع مع الأبنودي الصغير إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها في كبره، وقضى في جمعها ما يقارب من 25 عامًا، ليصدرها كاملة في خمسة أجزاء، تتناول سيرة قبيلة بني هلال، ورحلتها من جنوب شبه الجزيرة العربية، إلى الأراضى التونسية شمال القارة الإفريقية.

وقبل الشعر، عمل الأبنودي لفترة راعي للأغنام، وفي بعض المهن المتصلة بالزراعة، واكتفى بالتعليم الثانوى ليلتحق بوظيفة حكومية في محكمة قنا، وقد بدأ علاقته بالشعر مُقلدًا ما قرأه للشعراء الكبار بالفصحى، ثم ما لبث أن تطور شعره إلى الكتابة باللهجة العامية.

منذ صغره وهو عشق للشعر والفن، فلم يكن يستخدمه من أجل التسلية والترفيه، ولكنه كرسه لخدمة وطنه على مر الأزمات، فتغنى في محافظات القنال أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قائلًا: «أنا مطرح ما مصر بتكون أنا بكون موجود».

وغنى لثورة يوليو 1952، فكان من أبرز شعرائها وغنى له كبار المطربين، من بينهم عبدالحليم حافظ، ومحمد رشدي، ونجاة وشادية ووردة، حيث بلغ عدد دواوينه الشعرية نحو 22 ديوانًا شعريًا.

كانت رائعته القومية الشعبية «جوابات حراجي القط» من أجمل أشعاره التي علقت بالأذهان، حيث سافر إلى أسوان على نفقته الخاصة أثناء بناء السد العالي، بعد رفض وزارة الثقافة أن تنفق على الرحلة ليرصد المشروع الكبير للمصريين.

وبعد نكسة يونيو 1967 زف الأبنودي رائعته «عدى النهار»، هذه الأغنية التي كانت بمثابة رصاصة في قلوب الشعب المصري، والتي تحولت آثارها إلى ندبة في جبين كل نكسة وانكسار مر على مصر.

سُجن الأبنودي في الستينيات بتهمة الشيوعية، في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بالرغم من أنه كان ناصريًا، ولكن لم تتغير نظرته إليه، وهو ما وضح في مقولته الشهيرة: «لا ننسى أن عبدالناصر هو الذي قال أرفع رأسك يا أخي.. انتهى عهد الاستعباد».

جاء اعتقال الأبنودي بعد انضمامه إلى تنظيم «وحدة الشيوعية»، والذي قال عنه إنه كان مجرد تعليم للماركسية، وكان معه الكاتب الكبير جمال الغيطاني، وحكى عن هذه الفترة قائلًا: «عند اعتقالنا لم توجه لنا تهمة، وفترة الاعتقال كانت جميلة، ولو كنا نعلم بحلاوتها لطلبنا الاعتقال بأنفسنا».

وظل الأبنودي يحلم بغد أفضل، حتى جاء انتصار أكتوبر 1973 ليلقي التحية الصباحية على رمل سيناء، قائلًا:«في الأوله قلنا جاينلك وجينالك، ولا تهنا ولا نسينا، والثانية قلنا ولا رملاية في رمالك، عن القول والله ما سهينا، والتالتة إنتي حِملي وأنا حمالك، صباح الخير يا سينا».

حصل الأبنودي على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية، كما فاز بجائزة محمود درويش للإبداع العربي عام 2014.

مع بداية ثورة 25 يناير كان الخال حاضرًا في ميدان التحرير بأشعاره، وكتب ليلة موقعة الجمل قصيدته «الميدان»، التي هاجم فيها نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وطالبه بالرحيل.

عقب أحداث ماسبيرو في أكتوبر 2011 التي أسفرت عن مقتل العشرات أمام مبنى التليفزيون، توقف الخال عن كتابة الشعر بشكل مؤقت، لكنه عاد ليكتب قصيدة «ضحكة المساجين» التي أهداها للثوار.

وفي عهد المعزول محمد مرسي، وقّعَ الخال على استمارة «تمرد» لسحب الثقة من النظام، ومع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم، وعد الخال الشعب المصري بإنه سيكتب أغنية في افتتاح قناة السويس الجديدة ليغنيها الفنان محمد منير، ولكن القدر لم يمهله هذه اللحظة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل