المحتوى الرئيسى

"الطلاق الشفوي" على طاولة المذاهب الأربعة.. لسانك حصانك

04/21 11:22

أثارت قضية "الطلاق الشفوي" في الآونة الأخيرة ردود أفعال واسعة بشأن وقوعه من عدمه ورأي المذاهب الأربعة والجمهور في الحكم الشرعي، خاصة بعدما أكد عدد من الفقهاء في العصر الحديث بأن الطلاق الشفوي لو تم تطبيقه في مصر بحسب الرأي الذي يراه بعض الفقراء، سيكون سببا في تفكك أسر كثيرة وتدمير البنية المجتمعية، خاصة مع تحول "الطلاق الشفوي" على ألسنة المصريين لعادة يومية يستخدمها في القسم أو التهديد أو الإعراب عن غضبه بسبب ودون سبب.

وفي الوقت الذي تباينت فيه أقوال العلماء حول "الطلاق الشفوي" أكد الشيخ عبد الحميد الأطرش الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر،  أن الطلاق يقع باللفظ والكتابة والإشارة المفهمة، مدللا على ذلك بأنه "لو قال رجل لزوجته اذهبي فأنتِ حرة أو حبلك على غاربك فهي كناية من كنايات الطلاق يقع بها الطلاق".

وأضاف في تصريحات صحفية تعليقا على فتوى أن الطلاق الشفوي لا يقع ولابد من وجود شاهدي إثبات ومأذون أن جمهور العلماء قال إن الرجل إذا قال لزوجته أنتِ طالق حسبت طلقة، متسائلا: " لمن أفتى بعدم وقوع الطلاق الشفوي.. أما يحق للرجل أن يطلق زوجته غيابيا أو يحق للمحكمة أن تطلق الزوجة غيابيا من زوجها إذا كان مسافرا أو انقطعت أخباره منذ سنوات؟".

المقصود بالطلاق الشفوي أو الشفهي هو التلفظ به عن طريق الشفتين من الإنسان وهما طبقا الفم دون تحرير هذا الطلاق في وثيقة رسمية، فهو نسبة إلى الشفة - بفتح الشين مشددة - على وزن فعة، فهي منقوصة بحذف اللام. أما التاء المربوطة في الشفة فهي تاء التأنيث. واختلفوا في أصل هذه اللام على قولين. أحدهما: أن الناقص من الشفة واو. فأصل الكلمة: شفوة؛ لأنه يقال في الجمع شفوات بالواو مثل سنوات. الثاني: أن الناقص من الشفة هاء. فأصل الكلمة شفهة؛ لأن تصغيرها شفيهة وجمعها شفاه بالهاء. قال ابن منظور في "لسان العرب": والهاء أقيس والواو أعم.

التأصيل التاريخي لقضية الطلاق الشفوي

بدأت قضية "الطلاق الشفوي" تظهر كمشكلة فقهية في مقابلة "الطلاق الرسمي" لأول مرة في تاريخ المصريين منذ أكثر من ثمانين عامًا من يومنا هذا، وبالتحديد اعتبارًا من أول أغسطس سنة 1931م، عندما صدرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م، والذي ينص في مادته رقم (17) على أنه: "لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية".

ولما دخلت الحضارة على الدولة المصرية في توثيق عقود زواجهم وطلاقهم،  وكثر عدد الذين يجيدون القراءة والكتابة في ظل عودة المبتعثين من شباب المصريين الذين أوفدوا إلى فرنسا وبعض الدول الأوربية لتحصيل فنون القانون والإدارة والسياسة، ووجدوا في تلك الدول انضباطًا للمعاملات بتحرير عقود رسمية في التصرفات ذات الأثر لقراءة أحوال المجتمع وحركته بما يساعد متخذي القرار على الارتقاء بالمستوى العام للمواطنين عن طريق علم الاحصاء البياني لأعداد المتزوجين والمنفصلين والعزاب، كما تفيد تلك العقود الرسمية أطراف التعاقد لاشتمالها على شروط المتعاقدين بحسب تراضيهم ورؤيتهم المستقبلية لمآل عقودهم؛ حتى يكون أطراف التعاقد هم أسياد أنفسهم في آثار عقودهم دون تدخل طرف ثالث بينهم ولو كان هذا الطرف هو القاضي، وحتى يلتزم أطراف التعاقد بما وقع الاتفاق عليه فلا يظلم أحد المتعاقدين صاحبه بدعوى النسيان أو بعدوان الظلم والإنكار.

وكانت عقود الزواج والطلاق في مصر تبرم بالمشافهة، ويقع الزوجان في خطر التزامهما بالأمانة والمروءة أخلاقيًا؛ لعدم وجود ما يلزمهما توثيقيًا، كما كان يكثر النزاع بين الزوجين بسبب ممارسة أحدهما شيئًا لم يحسم عند إبرام عقد الزواج فيرفضه الآخر مثل عمل الزوجة واحتفاظها بدخلها، ومثل الزواج الثاني للزوج على زوجته، وعدم إنفاق الزوج على علاج زوجته أو سفرها لصلة رحمها، وغير ذلك مما يستلزم تدخل أطراف التحكيم أو القضاء للفصل في تلك النزاعات. فلو أن الزوجين قد أثبتا في عقد زواجهما رؤيتهما عن تراض لما عساه أن يكون مثارًا للنزاع بينهما لقل احتياجهما إلى طرف ثالث لفض نزاعاتهما المعيشية.

ولم تتجه الدولة المصرية إلى إلزام مواطنيها قسرًا بتوثيق عقود زواجهم وطلاقهم حتى تأخذ بأيديهم رفقًا إلى التوثيق من باب تحقيقه لمصالحهم وضمانه لحقوقهم. وليس من باب التسلط أو تقييد الحريات، وهذا يتكشف للمواطنين تدريجيًا شيئًا فشيئًا من خلال ما يقع من ظلم أحد الزوجين على صاحبه بسبب عدم توثيقه لعقد زواجه، كهروب الزوج أو إنكاره لعلاقة الزوجية، أو كهروب الزوجة أو زواجها بآخر أو تبليها على زوجها الشفوي باغتصابها، وكغير ذلك مما يحدث بسبب خراب الذمم بحكم الانفتاح الذي لا مفر منه. ولا يستطيع القضاء أن يحسم أكثر تلك النزاعات بسبب شهود الزور الذين يستقوي بهم طرفا الدعوى وبخاصة الظالم منهما، فلو تحررت عقود الزواج والطلاق رسميًا لما استقوى أحد الزوجين على صاحبه بشهود الزور في إثباتها أو نفيها.

أداة الطلاق أو صورته بحسب المذاهب الأربعة

1- فريق يرى ضرورة اختيار الصيغ الحاسمة التي لا تقبل التردد ولا تستعمل غالبًا إلا في إرادة وقوع الطلاق فيما أسموه بالصيغ الصريحة، أو الملحقة بالصريحة لظهور دلالتها عند الناس بذاتها أو بنية صاحبها، وهم المالكية والشافعية وبعض الحنابلة.

2- وفريق يتوسع في الحكم بوقوع الطلاق ليشمل مع صيغه الصريحة أو الملحقة بالصريحة الصيغ الكنائية وهي التي لم توضع للطلاق أصلًا وإنما قد تحتمله بسبب قرائن الأحوال أو الاستعمال العرفي مثل قول الزوج في حال رفضه لبعض تصرفات زوجته الحقي بأهلك، فإنه يكون طلاقًا ولو لم ينوه عند الحنفية والحنابلة في المعتمد.

3- وفريق يتوسع أكثر في الحكم بوقوع الطلاق ليشمل مع الصيغ الصريحة والصيغ الكنائية الصيغ التي لا علاقة لها بالطلاق من قريب أو من بعيد إذا ضم إليها النية بالطلاق، كما لو قال الزوج لزوجته: اسقني ماءً، وكان يقصد بذلك طلاقها، فهو طلاق عند المالكية في المشهور. أما إذا نوى الطلاق بدون أي لفظ مع تلك النية فلا يكون ذلك طلاقًا إلا عند الزهري (ت184هـ).

4- وفريق يضيق في الحكم بوقوع الطلاق فيرى عدم احتساب الطلاق أصلًا إلا إذا وقع بأحد الألفاظ الثلاثة الواردة في القرآن الكريم للدلالة على الطلاق وهي (الطلاق والفراق والسراح)، وكأنهم يرون الطلاق من العبادات التوقيفية كالصلاة والحج، وهم الظاهرية.

والأصل في صيغة الطلاق أن تكون باللفظ؛ لأنها الأغلب في معاملات الناس فإن وقعت بالكتابة أو بالإشارة فلها حكم اللفظ عند العاجزين عنه كالخرس مع ضوابط تطمئن المجتمع على إرادة وقوع الطلاق منهم بتلك الكتابة أو الإشارة، واشترط الحنفية في ظاهر الرواية وبعض الشافعية لصحة وقوع طلاق الأخرس بالإشارة عجزه عن الكتابة.

أما القادر على النطق فهل له حق في إيقاع طلاقه بالكتابة أو بالإشارة؟ للفقهاء في ذلك تفصيل قبل مرحلة التوثيق الرسمي الذي عرفته مصر لأول مرة في وقائع الزواج والطلاق اللاحقة للأول من أغسطس سنة 1931م حتى الآن. ونوجز هذا التفصيل فيما يلي.

 الطلاق بالكتابة للقادر على النطق

واختلف الفقهاء قديمًا في حكم الطلاق بالكتابة للقادر على النطق، وذلك على ثلاثة مذاهب كما يلي.

المذهب الأول: يرى الحكم بوقوع الطلاق إذا كتبه الزوج ولم يتلفظ به مع قدرته على التلفظ دون حاجة إلى البحث عن نيته. وهو مذهب الجمهور قال به الحنفية والمالكية والحنابلة؛ لأن الكتابة أوثق من اللفظ لديمومتها. واستثنى المالكية والحنابلة من ذلك ما لو نازع الزوج وقال إنه كان ينوي بكتابته للطلاق تجويد خطه أو تجربة قلمه أو غم أهله. واشترط المالكية لقبول هذا الاستدراك أن لا يخرج الكتاب من يده.

المذهب الثاني: يرى تعليق الحكم بوقوع الطلاق إذا كتبه الزوج القادر على النطق على نيته، فإن أخبرنا بنيته للطلاق من هذه الكتابة حكمنا بوقوع الطلاق وإلا فلا. وهو الأظهر عند الشافعية؛ لأن الكتابة مع القدرة على الكلام تثير الظنون فألحقت الكتابة بالألفاظ الكنائية التي لا تستبين إلا من صاحبها.

المذهب الثالث: يرى عدم اعتبار الطلاق بالكتابة للقادر على النطق. وهو القول الثاني عند الشافعية وإليه ذهب الظاهرية؛ لأن العبرة في عقود الناس بما تعارفت عليه غالبًا، والغالب في إيقاع معاملات الناس ومنها الطلاق أن يكون من الناطقين باللفظ.

 الطلاق بالإشارة للقادر على النطق

اختلف الفقهاء قديمًا في حكم الطلاق بالإشارة للقادر على النطق كاختلافهم في حكم وقوعه بالكتابة إلا في مراكز الفقهاء من الأقوال، ويمكن اجمال أقوالهم في ثلاثة مذاهب كما يلي:

المذهب الأول: يرى عدم وقوع الطلاق بالإشارة من القادر على الكلام. وهو مذهب الجمهور قال به الحنفية وأكثر الشافعية ومذهب الحنابلة والظاهرية؛ لأن الإشارة من المتكلم ملبسة، ولو كان يريد الطلاق لتكلم أو كتب.

المذهب الثاني: يرى الحكم بوقوع الطلاق بالإشارة المفهمة من القادر على الكلام. وهو مذهب المالكية؛ لأن الإشارة المفهمة من وسائل التعبير فيقع بها الطلاق قياسًا على وقوعها من الأخرس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل