المحتوى الرئيسى

عندما يتحدث أدونيس

04/20 13:42

الكل يعرف أدونيس، الشاعر السوري الذي يعيش منفيًّا في باريس، أشهر شعراء الحداثة العرب، المرشح الدائم لجائزة نوبل الذي لا يحصل عليها، ومنذ عام 2011 وقد أصبح شخصا مثيرا للجدل بسبب موقفه من الحرب في سوريا، لقد كان الجميع في انتظار معرفة رأيه، ليس بسبب مكانته الشعرية فقط، ولكن لأنه "علوي"، من الطائفة نفسها التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد. في يونيو من نفس العام كتب أدونيس رسالة مفتوحة للأسد يدعوه فيها للقيام بعملية انتقال ديمقراطي، ولكن نظام الرئيس كان قد قتل بالفعل أكثر من 1400 ضحية، وكل الانتقادات التي وجهها أدونيس له كانت ضعيفة ومتأخرة كثيرًا.

في الرابعة والثمانين من العمر، يطل أدونيس على مشهد مفصلي يجسد انهيار الربيع العربي، ويكتب بانتظام عمودًا في جريدة "الحياة"، وينتهي من كتابه الأخير "العنف في الإسلام" الذي سيصدر في العاصمة الفرنسية في شهر نوفمبر القادم، الشهر الذي قام فيه "داعش" بهجماته على باريس وقتل 130 شخصًا. 

وقد أجرى هذا الحوار معه جوناثان جوير، مراسل الملحق الأدبي لصحيفة "نيويورك تايمز"، وقد تقابل معه في أحد المقاهي بشارع الشانزليزيه، وكان سؤاله الأول لأدونيس حول الرسالة التي أرسلها إلى الأسد منذ خمسة أعوام، ماذا يمكن أن يقول له الآن؟

يقول أدونيس: «لا شيء قد تغير، وعلى العكس، أصبحت المشكلة أكبر، كيف يمكن أن تتحالف 40 دولة ضد "داعش"، لمدة عامين ولا تستطيع أن تفعل شيئا، لا شيء يمكن أن يتحقق قبل الفصل بين الدين والدولة، إذا لم نستطع التمييز بين ما هو ديني، وما هو سياسي أو اجتماعي أو ثقافي، فلن يتغير شيء، سيصبح التراجع العربي أسوأ. الدين ليس هو الحل للمشكلة التي نعاني منها، كل كائن بشري يعرف ماذا يريد، وعلينا أن نحترم ذلك، ولكن أن تقوم الدولة على أساس ديني، فلا».

لم يزر أدونيس سوريا منذ عام 2010، قبل قيام الحرب، فكيف يرى الوضع الآن وهو بعيد عنها؟ يقول: «لا أعرف أنني فقط أسمع الأخبار، وأعرف أن سوريا يتم تدميرها، ولكن لماذا، ولأي مشروع؟ الثوري يجب أن يحمي بلده، إنه يحارب النظام، ولكن عليه أن يحمي المؤسسات، لقد سمعت أن أسواق حلب بأكملها قد دمرت، إنها ثروة أثرية لا مثيل لها، على الثوري ألا يدمر متحفًا، أو يقتل مواطنا لمجرد أنه مسيحي أو علوي أو درزي، الثوري لا يقوم بتهجير المواطنين كما يحدث مع اليزيديين، هل هذه هي الثورة التي يساندها الغرب؟ أنا لست مع الثورة التي تدمر المتاحف».

ولكن ما الثورة، ومن الذي يقف معها؟ يقول أدونيس:

«هناك أمور لا يمكن قولها، الكاتب لا يمكن أن يقف في جانب القتل، هذا لا يمكن أن يكون، ولكنْ هناك أناس يحبون القتل والعنف، كيف يمكن للشاعر أو الرسام أن يكونا في نفس الجانب مع شخص يحمل حزاما ناسفا ويذهب إلى مدرسة ليفجر نفسه، كيف؟! إنهم مجرد أطفال، كيف يمكن أن تقتلهم، لا يمكن تصور وجود مثل هذا المسخ يا أخي، إذا كان النظام مستبدا حارِب النظام، لا تدمر البلاد، إنها إهانة أن تنتمي إلى هذا العالم، أنا لم أرَ شيئًا مثل هذا في التاريخ، أن تدمر دولة بأكملها مثلما يحدث في اليمن لكي تضع على رأسها شخصا معتوها. أنت ترى أشخاصا يدعمون هذه الأمور، وهم ينتقدونك، لأنك لا تقف معهم في هذا الجانب، يريدونك أن تصبح وحشًا مثلهم».

هل كان يعني الجهاديين؟ يوضح أدونيس: «ليس الجهاديون فقط، فهم جزء من الناس، الذين يقفون ضد هذه الأمور، عليهم أن يعلنوا عن موقفهم علانية، هل قرأت بيانا رسميا واحدا يدين هذه الجرائم، هناك أفراد يقولون ما نقوله الآن، ولكن هل سمعت عن أي بيان رسمي من أي دولة عربية، من أي حزب عربي بارز، من أي جماعة عربية ضد ما تقوم بها جماعات الجهاديين؟ هناك درجة من الموافقة على ما يحدث، الصبر هو نوع من الموافقة، ماذا يعني الصمت سوى هذا، إنهم يقتلون الناس، ويبيعون النساء في الأسواق، ويدمرون المتاحف، أفضل إنجاز صنعته البشرية، ولا يوجد اعتراض واحد، بيان واحد ضد هذا كله».

في كتابه الجديد "العنف في الإسلام" يعتقد أدونيس أن "داعش" قد وضع نهاية للمفهوم القديم للإسلام، فهل هناك بداية جديدة؟ يقول:

«كما تعلم، سوف نظل مؤمنين، كيف ذلك؟ لو كان للبشرية نهاية فإن العالم سينتهي، هناك العديد من الأفراد، وأستطيع القول الآن إنني لم أعد وحيدًا، هناك أفراد عديدون في مصر وفي غيرها من البلاد يقولون ما أقوله، هذا ما يجعلني متأكدًا أن البشرية ستصل إلى مرحلة تجد فيها حلولا أفضل، ولكن متى وكيف؟ سوف يتحدد هذا عندما يحين الوقت، ولكن أستطيع القول إن العرب لن يتقدموا ما داموا يفكرون ويعملون بنفس الطريقة القديمة، بنفس طريقة الجهاديين والسياق الديني القديم، هذا غير ممكن، كل هذا قد انقرض، "داعش" هو الطلقة الطائشة الأخيرة، مثل شمعة على وشك الانطفاء، هذه هي نهاية قوتها. النهضة تحتاج إلى وقت، والمجتمع العربي، على مدى 15 قرنا منذ تأسيس الدولة الإسلامية، لم يستطع أن يؤسس دولة للمواطنين، فمع واجبات المواطنين تأتي حقوقهم، وحتى الآن فإن الأفراد عليهم واجبات واحدة، ولكنْ لهم حقوق مختلفة، المسيحيون ليس لهم نفس حقوق المسلمين، لا يمكن حل مشكلة خمسة عشر قرنًا في شهر أو اثنين، ولكني واثق أن الوقت سيأتي ولن يكون خارج هذا السياق».

في عام 1987 كتب أدونيس قصيدة "شهوة تتقدم في خرائط المادة" يتخيل فيها برج إيفل وهو يطفو فوق البحر المتوسط، وحوارًا بين أبي نواس والشاعر الفرنسي فيكتور هوجو، جسر من التفاهم بين الشرق والغرب، هل تحتاج هذه النهضة لإعادة ترتيب العلاقة مع الغرب؟

يقول: «العلاقة بين الشرق والغرب اقتصادية وعسكرية، وقد تم تحديدها على هذا المفهوم من أيام الاستعمار، يمكن القول جغرافيا إن هناك شرقا وغربا، ولكن في الفن لا يوجد ذلك، يمكنك أن ترى ذلك في لوحات بول كيلي التي استوحاها من تونس ومن الصحراء العربية، يمكنك أن تشاهده في لوحات ديلا كروا التي استوحاها المغرب العربي، عندما تقرأ رامبو تجد أن أفضل ما فيه أنه لا يبدو غربيا، رغم أنه ولد في الغرب، فهو ضد الغرب بالكامل، عندما تقرأ أبو نواس أو أبو العلاء المعري لا تقول إنهما شرقيان أو غربيان، المبدعون هم عالم واحد، بغض النظر عن البلاد التي يأتون منها، إنهم يعيشون سويا خارج الجغرافيا، بعد اللغات والقوميات، إنهم ينتمون إلى عالم الإبداع البشري، لا للشرق أو الغرب، أشبه بأبي تمام بالنسبة إليّ، هو جزء مني وأنا جزء منه».

ولكن ماذا عن المؤسسات التي أنشأها الغرب وما زال العرب يفتقدونها؟ يقول أدونيس:

«لقد تغلب الغرب على الكثير من مشكلاته من خلال إنشاء مجتمعات جديدة، وهي تقوم على الفصل التام بين الكنيسة والدولة، في القرون الوسطى كانت محاكم التفتيش مثل الجهاديين اليوم، كانوا يقتلون الناس ويحرقونهم، ولكن الغرب نجح في إبعاد الكنيسة وخلق مجتمعات حديثة، نحن ما زلنا في هذه المرحلة، وإذا كان الغرب قد نجح في هذا الفصل فلماذا لا نفعل نحن، سنفعل ذلك رغم كل شيء ورغم كل السياسيين الغربيين، لأن هناك بعض السياسيين للأسف يحتقرون العرب، ويحتقرون الأنظمة العربية، رغم أنهم يستخدمون هذه الأنظمة لتنفيذ مخططاتهم».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل