المحتوى الرئيسى

الضابطة الجمركية الفلسطينية ومفاتيح الأمن الاقتصادي

04/20 06:43

الضابطة الجمركية الفلسطينية جهاز أمن يتبع وزارة الداخلية ويناط به تنفيذ مهام أمنية من نوع مختلف، فمن ضبط ورقابة الموارد المالية الضريبية والجمركية للحكومة الفلسطينية، مرورا بتنفيذ قرارات مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، إلى ضمان سلامة جودة السلع المتداولة محليا. وبين هذا وذاك، يحمل جهاز الضابطة الجمركية مفاتيح ومهام استقرار الأمن الاقتصادي للمناطق الفلسطينية بموارد بشرية ومخصصات مالية لا تتناسب والدور الملقى على عاتقه.

فبأقل من 0.8% من مجموع موظفي الأجهزة الأمنية (510 عناصر)، وبأقل من 1% من مخصصاتها المالية، يُطلب من الجهاز ضمان سلامة تدفق المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية على الجانب الإسرائيلي فيما يعرف ببند المقاصة الذي يشكل قرابة 57% من النفقات الجارية للموازنة العامة، والذي يغطي كامل نفقات السلطة الفلسطينية على بند الرواتب والأجور.

يشكل وعاء المقاصة (المستحقات المالية الفلسطينية على الجانب الإسرائيلي) قرابة 73% من إجمالي الإيرادات المحلية للسلطة الفلسطينية للعام المالي 2016، ويتوزع بشقه الأكبر على ضرائب جمركية يجبيها الجانب الإسرائيلي من المستورد الفلسطيني على المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، وضريبة القيمة المضافة على المشتريات الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي.

وبمراجعة البيانات المالية والتقارير والتقديرات السابقة الصادرة عن كل من البنك الدولي ومنظمة الأونكتاد، وبإسقاط تلك التقديرات على العام المالي 2015، نصل إلى التقديرات التالية:

أولا- 40% من الواردات الفلسطينية من العالم الخارجي تأتي عبر وسيط إسرائيلي، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب الضرائب الجمركية على تلك الواردات إلى الخزانة الإسرائيلية. وبإضافة الفاقد من الجمارك نتيجة عدم تصريح بعض المستوردين بالقيمة الحقيقية لوارداتهم في البيان الجمركي، يكون الفاقد على الجمارك بأدنى تقدير نحو 380 مليون دولار سنويا.

ثانيا- 35% من الواردات الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي تهرب دون تسليم فواتير مقاصتها من التاجر الفلسطيني لوزارة المالية الفلسطينية، الأمر الذي يحرم الخزانة الفلسطينية بشكل مباشر من نحو 125 مليون دولار، هذا عدا الفاقد من ضريبة الدخل نتيجة عدم الإفصاح الحقيقي عن الدخل المتحقق من تصريف تلك الواردات في السوق الفلسطينية.

وبذلك يكون مجموع التسرب الجمركي والتهرب الضريبي قرابة 505 ملايين دولار سنويا، وهو رقم كفيل بتغطية 36% من إجمالي عجز الموازنة العامة الفلسطينية قبل التمويل.

وبالعودة إلى جهاز الضابطة الجمركية الذي بدأ ممارسة مهامه عام 1996 بـ150 عنصرا، ثم 210 عام 2000، وصولا إلى 410-510 عناصر خلال الفترة 2009-2015، نجد أن هذا الجهاز الذي يخدم 11 محافظة فلسطينية، وآلاف الطرق ونقاط العبور الرئيسية والفرعية لخطوط التجارة الداخلية، إضافة إلى مهامه في الرقابة على المحال التجارية ونقاط البيع والتوزيع، لا يحظى بما يكفيه من مخصصات مالية كجزء من إجمالي النفقات الأمنية للسلطة الفلسطينية التي تتجاوز 27% من إجمالي الموازنة العامة.

وحري بنا في هذا الإطار مراجعة سياسات الإنفاق العام للمالية الفلسطينية على المؤسسة الأمنية بين نفقات استهلاكية جارية، وأخرى تنموية. فحصة المؤسسة الأمنية بكافة أجهزتها تبلغ نحو 42% من مجموع الإنفاق العام على الرواتب والأجور. وبينما يصل عدد موظفي المؤسسة الأمنية في موازنة رام الله إلى 65 ألف موظف أمن داخلي، نجد أن عدد موظفي الأمن الاقتصادي ضمن جهاز الضابطة الجمركية لا يتناسب والدور الملقى على عاتقه من مهام ومسؤوليات تأمين تدفقات الوعاء المالي لإيرادات الخزانة العامة.

وفي ظل الصعوبات المالية والعددية التي يواجهها الجهاز، تبرز مشكلة السيطرة على الأرض، فنجد أن الغالبية العظمى من التجار والمستوردين الفلسطينيين يخزنون بضائعهم في الأراضي الخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية المصنفة (ج) لتفادي الاحتكاك المباشر مع عناصر الضابطة، وذلك إما لإتمام عمليات التهرب الضريبي (إخفاء فواتير المقاصة وتزوير البيانات الجمركية والتلاعب بفواتير الإرساليات الداخلية)، أو لإتمام صفقات شراء وتوزيع منتجات المستعمرات الإسرائيلية المحظورة بقرار رئاسي فلسطيني، أو لتمرير صفقات مشبوهة من حيث الجودة والمواصفات الفنية والصحية والبيئية.

ويسجل لأفراد وعناصر الضابطة أداؤهم لمهامهم الأمنية في تلك المناطق المحظورة عليهم أمنيا بزي مدني، مما عرضهم لمئات الحالات من الاحتجاز والترهيب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي هناك.

من هنا تبرز الحاجة إلى حلول استثنائية تساعد الضابطة على السيطرة على الموارد المالية الفلسطينية في ظل العربدة الإسرائيلية من جهة، وضعف الوازع والرادع لدى شريحة من التجار الباحثين عن تعظيم الربح بغض النظر عن مشروعية الوسيلة من جهة أخرى.

ويحضرني في هذا الإطار عبارة لوزير الاقتصاد الفلسطيني الأسبق الدكتور باسم خوري قال فيها إن "الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الأرض، لكنه لا يسيطر على الرف". وأعتقد أن خلف تلك العبارة حلولا مبتكرة للسيطرة على مواردنا المالية، وأن آليات "السيطرة على الرف" تلتقي مع ما هو متاح لنا كفلسطينيين من هامش القدرات والصلاحيات التي أبقتها لنا اتفاقيتا أوسلو وباريس سيئتا الصيت.

وضمن رؤية شاملة للظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تربطنا وتقيدنا مع الاحتلال الإسرائيلي، يمكن اقتراح الآليات التالية:

1- يتم تخصيص مناطق شحن وتخليص في ثلاث مناطق خاضعة للولاية الأمنية والإدارية الفلسطينية (في الشمال والوسط والجنوب) تُدار بالكامل من قبل كل من وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة المالية والضابطة الجمركية الفلسطينية، ضمن صلاحيات محددة لكل جهة.

2- تُلزم كافة البضائع المستوردة من أو من خلال الجانب الإسرائيلي بالتفريغ في تلك المراكز من أجل الحصول على ملصق إلكتروني (بار كود) يثبت أن تلك السلعة قد استوفت ما عليها من التزامات ضريبية، وخضعت لفحوصات الجودة المطلوبة، مع مراعاة أن لا يتحمل التاجر أعباء مالية وإجرائية معقدة، حيث يتم تخصيص إرجاعات ضريبية بنسب مدروسة لكل مستورد استوفى ما عليه من ضرائب.

3- تجهيز تلك المناطق بالأعداد الكافية من خبراء الضابطة الجمركية المؤهلين والمدربين، وكذلك بالمعدات والتجهيزات التقنية والفنية المساندة بما يتناسب وسرعة إنجاز المهام الموكلة إليهم.

4- عمل فحوصات دورية على المحال التجارية للرقابة على البضائع المتواجدة على رفوف تلك المحال، حيث تتم مصادرة البضائع غير القانونية، أو تغريم تلك المحال بما يتناسب وطبيعة تلك البضائع، وذلك لإلزام كافة نقاط البيع والتوزيع بالتعامل مع التجار والمستوردين ممن استوفوا ما عليهم من مستحقات.

5- التعامل مع البضائع غير القابلة لحمل الملصقات القانونية بآليات يتم تحديدها بناء على طبيعة كل سلعة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل