المحتوى الرئيسى

«حدائق تحكي».. عرض تفاعلي لعشرة أشخاص دفنوا في سوريا

04/19 10:48

"ضرب الخناجر ولا حكم الندل فيا".. من هنا انطلقت دماء الحرية لتجري في الشرايين، لتصل إلي سوريا، فتصبح لمواطنيها وليست "سوريا الأسد" كما قال الشهيد "بلال النعيمي"، راويًا حلمه عن الحرية وفرحته بانطلاق صرخته التي احتضنت البيوت والشوارع بعد ظلم دام طويلا وأحلامًا طالما حُطمت عن عمد ولم يُسمح لها بأن تكبر، وفقًا لقصته.

طقوس غريبة لن تدركها إلا عقب خوض تلك التجربة، التي قدمت ضمن فعاليات مهرجان "دي كاف" للفنون المعاصرة، أمس، بشارع جواد حسني،  فعليك أن تتجرد من الحذاء، وتترك كل وسائل التواصل في الخارج، وترتدي ما يُشبه الكفن بلونه الأبيض، قبل أن تدخل إلى غرفة لا يُضيئها سوى الشموع، لتكتسف أنك داخل ساحة قبور، تم إعدادها لتُشبه مثيلتها الحقيقة، تحتضن عشرة شهداء بالثورة السورية، تختار ورقة بشكل عشوائي تحمل اسم أحدهم، ثم يتسرب بداخلك وحشة الفراق ووحدة القبر، وتتخيل كيف سيضم التراب من فدا شعوب بروحه عن رضا، ومن فيهما سيحنو على الآخر.

تبحث من خلال كشاف صغير عن قبر الشهيد الذي تحمل اسمه ثم تجلس بجواره وكأنك من ذويه، وتنام بجواره واضعًا رأسك في حنو على وسادة صغيرة بداخلها سماعة ييخرج صوت أحدهم راويًا قصته وكأنه هو، فتتذكر من سرت معه في الدرب وواجتهم الرصاص والخرطوش ثم رحل، فتبكي في خوف، يشبه خوف تلك الحظة التي توقفت أنفاسه بها.

يروي ويروي بصوت يُثلج الصدور، وكأنه حيّ يرزق وأنت من يسكن القبر، وليس العكس، "النعيمي صاحب اليد التي طالما عرقت طلبًا للرزق، ترك بلاده قبل اندلاع الثورة، وذهب إلي لبنان، من أجل كسب المال ليتزوج وينجب فهو لم يحلم بأكثر من ذلك ولم يُسمح له بأن يحلم بأكثر من ذلك وفقًا لقصته، ولكن دق قلبه ونبتت الزهور بداخله عندما رأي فيديوهات على شاشة إحدى القنوات يهتف فيها الشعب السوري مطالبًا بالحرية بعد صبر دام طويلا.

فقرر العودة ليُصبح بعد ذلك من قادة الثورة في معشوقته "حمص" عاصمة الثورة السورية، كما قال عنها، ولكن الأمور لم تسير بهذه السهولة، فعقب الكثير من المواجهات فقد أخويه، في مواجهات مع نظام بشار الأسد، الذي قصف كافة بيوت حمص عقابًا لها على ثورتها وفقًا لقوله.

ولم يمنعه ذلك هو وذويه والفصائل التي قادها من القتال، وانتزاع الحرية، ولم تخلو الروح من ثقوب الحرب التي تنزف دماء، لا يوقفها سوى رؤية من فارقهم، وقد كان، التقى بلال بأخويه سريعًا ولكن لحظة اللقاء كانت بالغة الصعوبة، عاد لمنزله في حمص القديمة، ليجلس بعض الوقت مع زوجته وطفليه، ثم يعود، وفي العودة كانت هناك غارة جوية تستعد لقصف المنطقة، فوقع أسفل صخور لم ترفق به وأفقدته حياته قبل أن ينقذه رفاقه، ولم يغفل القذف منزل بلال بل سقط منزله وظل أطفاله تحت الأنقاض حتى تمكن رفاقه من إنقاذهم ليبعث فيهم من روحه فيكملون مسيرته من بعده.

وفي نهاية تلك التجربة التي ستخرج منها حاملا حقيبة ذكريات ووجوه تتلاعب أمام عيناك، لرفاق رحلوا، ودمائهم لا تزل على ملابس تحتفظ بها تخليدًا لذكراهم، وأقنعة حرصت على وقايتك من دخان القنابل، وتواريخ أحداث شاركت بها لتقتنص حريتك.

ولكن قبل الرحيل عليك أن تترك رسالة للشهيد الذي استمعت لقصته، وتدفنها بجوار قدميه، ليراها أحبته في وطنه، عندما تحملها لهم "تانيا خوري" صاحبة هذا العرض الصوتي التفاعلي.

مديرة الإنتاج: جسيكا هارينجتون، مساعدة بحث ولغة عربية: كنانة عيسى، الخطوط وتصميم شواهد القبور والملصق : ضياء البطل، تصميم الديكور: عبير سقسوق، تسجيل ومونتاج: خيري عبيش، نص حسان كتابة صديقه: أبو غابي، ترجمة إنجليزية، زياد أبو الريش، مساعدة تسجيل: بترا سرحال، أداء صوتي (هاني السواح، زاك ألاف، خالد عمران، مي أصطنبولي، خيري عبيش، عبير سقسوق، بترا سرحال، هادي دعيبس، أحمد حافظ)، غناء: أبو غابي،"هنا اليرموك" و "ياشام"، نبراس شحيد "يما مويل الهوى" من فيلم سأعبر غدًا لأبونظارة، لورا ويتيكايس: "يما مويل الهوى"، جيتار في قصة "أحمد بوابة: مجد الحموي.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل