المحتوى الرئيسى

9 محطات فاصلة في تاريخ الصراع بين مصر والسودان حول حلايب وشلاتين

04/18 15:15

"يغلفها الغموض ويسكنها السحر ويشع منها الإبهار والألوان الساخنة التي تلتف بها نساء المنطقة.. قلوب خضراء صافية وطيبة.. الرعي والتجارة حياتهم، والبجاوية أو الروطان لغتهم" إنَّهم قبائل العبابدة والبشارية التي تسكن حلايب وشلاتين.

انفجرت أزمة حلايب وشلاتين، بحسب بحث لجمال معوض، في مجلة "الشرق الأوسط" -مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس- في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، وتحديدًا في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر فبراير 1958، ثمَّ انفجرت الأزمة الثانية حول نفس المنطقة "مثلث حلايب" في عام 1992.

لا يوجد اتفاق بين المؤرخين والجغرافيين بشأن نشأة الحدود الجنوبية لمصر قبل صدور فرمان 13 فبراير 1841، ومع ذلك فالأرجح أنَّ حدود مصر الجنوبية ظلَّت في مواقع تكاد تكون مطابقةً أو قريبةً من الخط الحالي 22 شمال خط الاستواء "5".

فرمان 13 فبراير 1841 وظهور أول خط للحدود بين مصر والسودان

بمقتضى فرمان 13 فبراير 1841، ظهرت على الخرائط أول حدود بين مصر والسودان، وكانت نقطة الحدود حسب ما جاء في هذا الفرمان، تبدأ عند خليج راوي على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وتحديدًا عند خط عرض 21.5 شمالا، ولقد استمرت منطقة وادي حلفا حتى عقد اتفاقية 1899 داخلة ضمن نطاق أراضي مصر الأصلية "Egypt Proper" كما كانت تسمى وقتئذ، فلما عُقدت هذه الاتفاقية زُحزح خط الحدود المصرية - السودانية إلى خط 22 شمالا، حيث نصَّت هذه الاتفاقية على أن تطلق لفظة السودان في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة جنوبي الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض.

هنا.. تجدر الإشارة إلى مدينة سواكن التي تقع على ساحل البحر الأحمر جنوب خط عرض 22، وضعت بمقتضى المادة الثامنة من اتفاقية 1899 خارج نطاق إدارة السودان، لكن سرعان ما تمَّ تعديل وضعها في العاشر من يونيو سنة 1899، تقرَّر بقتضاه إجراء المساواة بين تلك المدينة وباقي مدن السودان، وبالفعل أخضعت سواكن للإدارة الثنائية، ثمَّ تلا ذلك عدة ترتيبات إدارية، خلال الفترة ما بين 1899- 1907، وهي التعديلات التي وضعت ما يسميه البعض بـ"الحدود الإدارية"، وكانت الدوافع الأساسية وراء إجراء هذه التعديلات ما سمته الوثائق المصرية "تحقيق الأصولية الإدارية، وتنظيم الحدود الفاصلة بين العربان".

في السادس من شهر مارس 1899، صدر قرار وزير الداخلية المصري "آنذاك" مصطفى باشا فهمي، في صورة خطاب موجَّه منه شخصيًّا إلى محافظ النوبة، يفيد موافقته على ضم عشرة بلاد مصرية إلى الإدارة الثنائية وهي "سرة شرق، وفرس، وجزيرة فرس، ودبيرة، وسرة غرب، وأشكيت، وأرقين، ودبروشة، وعنقش، وغيم".

قرار وزير الداخلية مصطفى باشا فهمي وفكرة الحدود السياسية والإدارية

في الرابع من شهر نوفمبر سنة 1902، أصدر وزير الداخلية المصري قرارًا بشأن قبائل عربان مصر والسودان، نصَّ على ضم قبائل البشارية والملكاب قبلي إلى السودان وقبائل العبابدة إلى مصر، وأصبح الحد الفاصل بين هذه القبائل يبدأ من "كرسكو على النيل إلى جبل بارتازوجا، إلى بئر حسمة عمر، إلى جبل الضيقة، إلى جبل أم الطيور، إلى جبل نجروب، إلى المنيحة، إلى بئر الشلاتين على البحر الأحمر".

وترتَّب على هذا التعديل انتقال مثلث جبل علبة "مثلث حلايب" إلى إدارة الحكم الثنائي، أي أنَّه سلخ من أرض مصر في جنوبها الشرقي منطقة تأخذ شكل مثلث متساوي الساقين تتماشى قاعدته مع خط عرض 22 شمالا وطولها حوالي 300 كيلو متر، وطول ضلعيه الشرقي والغربي نحو 200 كيلو متر، وتبلغ مساحة المثلث حوالي 18 ألف كيلو متر مربع، يحدِّدها خط يبدأ من ساحل البحر الأحمر قريبًا من بئر الشلاتين ثمَّ يتجه جنوبًا بغرب لمسافة 58 كيلو مترًا إلى بئر منيحة ثمَّ يمتد شمالا بغرب لمسافة 28 كيلو مترًا إلى نجروب، ثمَّ جنوبًا بغرب لمسافة 70 كيلو مترًا إلى جبل أم الطيور، ثمَّ يعبر نحو الغرب لمسافة 58 كيلو مترًا، ثمَّ جنوبًا مع انحراف قليل نحو الغرب لمسافة 240 كيلو مترا حيث يقابل خط الحدود 22 شمالا.

وتعتبر هذه المنطقة من أغنى المناطق الصحراوية بالمياه الجوفية والحياة النباتية وكذا بالثورة المعدنية، وبخاصة الرصاص.

في عام 1907، تمَّ التعديل الإداري الثالث، حيث تمَّ تبادل الرسائل بين مدير عام مصلحة المساحة المصرية وسردار الجيش المصري، انتهت بموافقة السردار في التاسع والعشرين من شهر يونيو 1907، على جعل الحد الفاصل بين قبائل العربان "بدلا من أن يصل ما بين بارتازوجا وكرسكو، يقف عند نقطة تقاطعه بخط عرض 22 شمالا، ويتحد معه متجهًا إلى الجهة الغربية"، وبذلك أعيدت قبائل الملكاب قبلي إلى مصر إداريًّا.

ووضعت هذه الترتيبات الإدارية، وبخاصة قرار وزير الداخلية المصري مصطفى باشا فهمي الصادر في نوفمبر 1904 أساس النزاع الحدودي بين مصر والسودان.

ومع أنَّ اتفاقية 1899 تعرَّضت لانتقادات كثيرة من الطرفين المصري والسوداني إلا أنَّه طوال الفترة ما بين 1899 وحتى وقوع الأزمة الأولى في فبراير 1958، فإنَّ فكرة وجود حدود فاصلة بين البلدين، وبالتالي قيام النزاع حولها لم تكن مقبولةً، حيث كان حلم وحدة وادي النيل هو الشعار السياسي للحركة الوطنية المصرية، وكذا السودانية بعد تبلورها، لكن بعد استقلال السودان، وبعد أن أصبح له جمهوريته في الأول من يناير سنة 1956، وجنسيته وعملته ورايته، وبعد أن تبدَّد حلم وحدة وادي النيل، بدأت مسألة التحديد الدقيق للحدود بين مصر والسودان تطرح نفسها داخل أروقة وزارة الخارجية المصرية، إلا أنَّه، ولظروف عديدة منها ما يتعلق بالحركة السياسية المصرية وانشغالها بالصراع مع الغرب وإسرائيل ومنها ما يتعلق بسلوك السودان السياسي المتزن تجاه الحدود خلال الفترة 1956 وحتى أواخر 1957، فإنَّ حدود مصر الجنوبية ظلَّت هادئةً، لكن مع نهاية عام 1957 حدثت مستجدات لفتت أنظار النظام المصري، ودفعته دفعًا إلى التفكير في فتح ملف الحدود الجنوبية مع جمهورية السودان.

مذكرات إدارة الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية أواخر عام 1957

أشارت عدة مذكرات لإدارة الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية المصرية -عرضت على الرئيس جمال عبد الناصر في أواخر سنة 1957- إلى المستجدات التي حدثت في السودان، جاء في واحدة منها -مرفوعة إلى رئاسة الجمهورية في 19 نوفمبر- أنَّ الحساسية  في إثارة موضوع الحدود مع السودان قد انتهت، وأنَّ من مصلحة مصر أن يفتح الملف الآن بعد وقوع عدة تطورات.

هذه التطورات هي تراجع فكرة الوحدة مع مصر والتطورات السريعة في تكوين الدولة السودانية، سياسة الحكومة السودانية "حكومة عبد الله خليل"، ومسألة تهريب بعض الشركات السودانية للمعادن من الأراضي المصرية، وأطماع الولايات المتحدة الأمريكية في "مثلث حلايب" حيث تؤكِّد معلومات عديدة تردُّد الخبراء الأمريكان على المنطقة بهدف دراسة إقامة قاعدة أمريكية جنوب مصر.

وطبقًا لما جاء في مذكرات وزارة الخارجية المصرية المرفوعة إلى الرئيس عبد الناصر، فإنَّ الظروف التي سمحت مصر بسببها بترك مثلث حلايب تحت الإدارة السودانية قد انتفت، بل أصبحت الظروف والمصلحة العامة في عودة الأراضي المصرية إلى الإدارة المصرية، بغض النظر عما قد يترتب على شطر القبائل.

واهتم عبد الناصر كثيرًا بدراسة المستجدات التي أشارت إليها مذكرات الخارجية المصرية، إلا أنَّه توقف كثيرًا عند سياسات الحكومة السودانية، وعلاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، لما لذلك من تأثير مباشر على الأمن القومي المصري.

في هذا الوقت، كانت مصر تخوض معركة شرسة ضد الغرب وإسرائيل، وهي المعركة التي بدأت بعد الثورة مباشرة، وإن كانت قد اتخذت شكلاً دبلوماسيًّا حتى أزمة 1956، ولم يكن السودان بعيدًا عن الصراع الذي اشتد بين مصر والغرب، لذا ردَّت الدبلوماسية الغربية على سياسات عبد الناصر بضربة عنيفة في السودان، حيث قاومت الاتجاه الذي كان ينادي بالوحدة بين البلدين بعد توقيع اتفاقية 12 فبراير 1953.

اجتماع إدارة الشؤون الإفريقية يوم 26 يناير 1958 ونتائجه

في 26 يناير 1958، عُقد اجتماع بإدارة الشؤون الإفريقية، حضره وزير الداخلية زكريا محيي الدين، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، علي صبري، والمستشار السياسي للرئيس عبد الناصر، حسين ذو الفقار صبري، ومدير إدارة الشؤون الإفريقية، ومحمد فائق ممثلاً لإدارة المخابرات العامة، وانتهى هذا الاجتماع إلى ضرورة تقديم طلب مصري إلى السودان بضم المنطقة رسميًّا إلى مصر.

ووضع الاجتماع عدة سيناريوهات، منها أن ترد الحكومة السودانية بالموافقة وتسلم لمصر بما لها من حقوق وسيادة على أرضها أو تعد بدراسة المسألة أو ترد منكرة على مصر حقها في هذه الأرض أو لا ترد مطلقًا.

واقترح الاجتماع أن ترد مصر على ذلك بممارسة نشاطها على المناطق المصرية التي يقوم السودان بإدارتها، كإنشاء نقط للحدود ومأموريات للجمارك ومراكز للثروة المعدنية، ووحدات مُجمعة صحية واجتماعية وتعليمية، مع وضع الترتيبات كي تتخذ القوات المسلحة المصرية مراكز تجمع قريبة من المناطق المتنازع عليها من الأرض المصرية.

وتطرَّقت المذكرة المقترحة إلى أنَّه في حالة قيام الحكومة السودانية بعمل يؤثر على حق مصر، فإنَّه على القوات المسلحة المصرية أن تتقدم من مراكز تجمعها إلى المثلث المتنازع عليه من أرض مصر وتضع  الأمور في نصابها.

ولفتت المذكرة نظر الحكومة السودانية إلى عدم شرعية القرار الذي اتخذته بإدخال بعض مناطق الحدود الإقليمية المصرية ضمن دوائرها الانتخابية، وطالبتها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسليم شؤون الإدارة في منطقتين إلى الإدارة المصرية، هما المنطقة الواقعة في الصحراء الشمالية الشرقية من السودان وتشمل حلايب وما حولها، والمنطقة الواقعة شمال خط 22 شمالا، وتشمل الأرض الممتدة شمال مدينة وادي حلفا، وتقع داخلها قرى "سرة ودبيرة وفرس وغيرها".

لقاء السفير المصري في السودان ووزير الخارجية السوداني 1 فبراير 1958

ومع أنَّ السفير المصري محمود سيف اليزل خليفة، قابل وزير الخارجية ورئيس الوزراء السوداني في نفس اليوم الذي سلَّم فيه المذكرة، إلا أنَّ مصر لم تتلق ردا عليها، وإن كانت النيات السودانية قد اتضحت من الوهلة الأولى في الرد الشفهي الذي أبلغه السفير المصري إلى حكومته، حيث أخبره رئيس الوزراء السوداني أنَّ الأمر يحتاج لدراسة قد تؤدي إلى عرضه للتحكيم.

واضطرت الحكومة المصرية إلى إرسال مذكرة ثانية، سلَّمها السفير المصري في الخرطوم لوزير الخارجية السوداني بالنيابة، في مقر مجلس الوزراء، يوم 13 فبراير 1958، جاء فيها أنَّه بمناسبة إجراء عملية الاستفتاء بشأن الجمهورية العربية المتحدة ورئيس الجمهورية في 21 فبراير 1958، رأت الحكومة المصرية ممارسة منها لسلطاتها المقررة وإعمالا لقواعد السيادة، أن يتيسر للناخبين في المناطق المصرية التي سبق أن ألحقت إداريًّا بالإدارة السودانية، سبيل الإدلاء بأصواتهم في هذا الاستفتاء، ومباشرة حقهم الانتخابي".

استقبل الجانب السوداني المذكرة الثانية، باستنكار شديد، واعتبرها بعض الوزراء "عملا عدائيا" تقوم به مصر ضد السودان، وإنها لم تراع حقوق الجار "إنه ليس بجوار بل احتقار".

ولم تتلق الحكومة المصرية أيضًا ردًّا من الحكومة السودانية، لذا أبلغت الحكومة المصرية رئيس الوزراء السوداني يوم 16 فبراير 1958 بأنها "سوف ترسل لجان الاستفتاء إلى المنطقة مصحوبة بقوة من بوليس الحدود المختص بالمحافظة على الأمن في مناطق الصحاري والحدود المصرية".

وروى السفير المصري في الخرطوم كيف استقبل رئيس الوزراء السوداني، المذكرة الثالثة بغضب، فقال: "ثار أولا ميرغني حمزة وقال: إننا لم نتعود من مصر الشقيقة مثل هذا الإجراء، وإن كانت ستستخدم القوة وتضعنا أمام الأمر الواقع، فلتستعملها، وقد قال رئيس الوزراء "عبد الله خليل": لنا قوات هناك. وإذا حصلت مصيبة فأنتم السبب..".

تصاعد الأزمة واتجاه السودان إلى التهديد باستخدام القوة

وردا على هذه المذكرة الأخيرة، فقد أرسلت حكومة السودان مذكرة مطولة يوم 17 فبراير 1958، أهم ما جاء فيها: "إن حكومة جمهورية السودان، استقبلت هذا الإنذار باختراق حدود السودان عنوة تحت حراسة القوات المصرية، وإجراء الاستفتاء بكثير من الأسف وبكثير من الدهشة.. وإنها تحمل حكومة جمهورية مصر كل النتائج المترتبة على عمل عدائي كهذا، كما تطالب حكومة جمهورية السودان، حكومة جمهورية مصر بأن تسحب فورا أية لجان أو موظفين أو جنود سبق أن أوفدتهم إلى تلك المناطق..".

وانتهت المذكرة بالإشارة إلى أن حكومة السودان لا تزال مستعدة للدخول في مفاوضات حول هذا الموضوع في تاريخ يُتفق عليه بين الطرفين بعد الفراغ من الانتخابات السودانية".

وفي نفس اليوم أبلغ رئيس الوزراء السوداني، وزير الداخلية المصري، تليفونيا، رغبته في تأجيل مسألة الحدود بين مصر والسودان حتى يتم إجراء الانتخابات السودانية، كما قابل وزير الخارجية السودانية، محمد أحمد محجوب، الرئيس عبد الناصر والمسؤولين في الحكومة المصرية، واقترح الجانب المصري في هذا اللقاء، تأجيل إجراء الانتخابات السودانية في المناطق المتنازع عليها، حتى تتم مفاوضات بين البلدين بهذا الشأن. 

ولكن الحكومة السودانية لم توافق على هذا الاقتراح، وبالتالي لم ينته لقاء عبد الناصر - المحجوب، إلى أية نتيجة.

وربما تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية السوداني أصدر بيانا عن لقائه مع الرئيس عبد الناصر، نقلته وكالة "رويتر" جاء فيه: "إن مصر طالبت بمنطقة في شمال السودان، وإن القوات المصرية في طريقها لاحتلال هذه المنطقة، وإن مجلس الوزراء السوداني اجتمع أمس واتخذ قرارا حاسما بتأييد سيادة السودان على هذه المنطقة".

وفي نفس الوقت دفعت حكومة السودان ببعض قواتها داخل المناطق المُتنازع عليها، كما أبلغت وجهة نظرها إلى جامعة الدول العربية وإلى ممثلي الدول العربية في السودان. وطالب السودان الأمين العام للجامعة العربية بأن يبذل مساعيه الحميدة لتسوية الخلاف القائم بينه وبين مصر، ولقد ردت مصر على أمين الجامعة العربية، بأنها باقية عند موقف المسالمة والأخوة وحسن الجوار.

خلال الأسبوع الثالث والأخير من أيام الأزمة، نجح حزب الأمة في استغلال الأحداث لصالحه، حيث صوّر للشعب السوداني، أن مصر ستعتدي على الأراضي السودانية، وفجر المظاهرات في شوارع الخرطوم، وعلت الهتافات بسقوط مصر، واستنكر المتظاهرون السياسة "الاستعمارية" لمصر، وقاموا بتمزيق صور الرئيس عبد الناصر، كما شن الكثير من الصحف السودانية حملة عنيفة غير موضوعية ضد مصر، لدرجة أن البعض دعا جماهير الشعب السوداني إلى "التقدم نحو الشمال" وبدأت بالفعل عملية تسجيل أسماء المتطوعين للدفاع عن أرض الوطن.

وأخذت إذاعة أم درمان تعبئ الجماهير، فكانت تذيع الأناشيد الوطنية والمارشات الحماسية، يتخللها بيانات عن العدوان المصري على الحدود السودانية وأخبار ما يدور من مظاهرات في الخرطوم، وتصريحات الوزراء، من ذلك تصريح وزير شؤون الاجتماعية "محمد أحمد أو سن" الذي قال في مؤتمر صحفي "إن السودان رفض المذكرة المصرية بسحب القوات السودانية من حلايب، وإن السودان سيتخذ كل إجراء ممكن للمحافظة على حدوده.

بالفعل كانت مصر قد أرسلت يوم 11 فبراير بعض القوات، بقيادة: القائمقام رؤوف الجوهري إلى "أبو رماد" على مقربة من حلايب، وبدأت القوات المصرية تُمهد الظروف للجنة التي ستقوم بالاستفتاء.

وفي تقرير مرفوع إلى مدير سلاح الحدود المصري يوم 15 فبراير، ذكر "القائمقام الجوهري" أنه عقب وصوله إلى أبو رماد، اتصل بعمدة (الحمد وراب والمشايخ) وقد أبدى الجميع استعدادًا طيبًا، وأعلن الجميع مصريتهم، كما أعلن العمدة (كريت بطرب) استجابة كاملة.. بل إن أفراد (البالجاب) من سكان (أيس) أعلنوا رغبتهم في الانضمام لمصر. رغم وقوع معظم بيوتهم في الأراضي السودانية.

وذكر أيضا أنه كان قد زار (مرسى حلايب) بمفرده يوم 12 فبراير، وزار حكمدار نقطة البوليس، وأدرك حماسة أهالي مرسى حلايب، الذين صفقوا لمصر وللرئيس عبد الناصر، وأكدوا استعدادهم لإعلان عصيانهم فورًا على الإدارة السودانية.

واللافت للنظر أن القوة المصرية اقترحت يوم 15 فبراير، الاعتماد على "الحربية المصرية" وذلك بإرسال "تروب" متقدم يُعسكر بجوار "جبل الأمبط" وهذا المكان يسهل الوصول منه إلى "أبو رماد" في ثلاث ساعات فقط.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل