المحتوى الرئيسى

ننشر مقال السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام الممنوع من النشر عن "تيران وصنافير"

04/18 01:41

أكد أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، أن جزيرتى تيران وصنافير مصريتان، كاشفا العديد من الحقائق والأدلة التى تثبت أن جزيرتى تيران وصنافير لستا سعوديتان.

وقال أحمد السيد النجار فى مقال صحفى نشره عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك": أن تأسيس الدولة الحديثة فى مصر منذ عصر محمد على وابنه إبراهيم باشا، باعث العسكرية المصرية، والذى قاد الجيش المصرى لأعظم الانتصارات، بنى التأكيد التاريخى على مصرية البحر الأحمر وخليج العقبة والجزر الواقعة فيه.

تعلو الحقائق على الأراء مهما كانت وجاهتها. وينبغى أن تكون الحقائق الجغرافية والسياسية والإنسانية والعسكرية هى المحدد للموقف من قضية جزر تيران وصنافير سواء فى النقاش البرلمانى أو النخبوى أو الشعبى حتى تتجاوز مصر قضية الجزيرتين بشكل آمن قائم على قواعد الحق والحقيقة. وهذا التجاوز الآمن ضرورة قصوى لبلد تعرض لما فيه الكفاية من الاضطراب السياسى والأمنى ويحتاج لدرجة عالية من النضج فى معالجة أى قضية، وإلى بناء التوافق الوطنى بشأن القضايا المصيرية قبل اتخاذ أى قرار بشأنها. وإذا كان الدمار الأوروبى قد ترك ألغاما فى تقسيم الحدود بين الدول، فإن المصالح الوطنية والعلاقات بين الشقاء فى الإقليم العربى تتطلب معالجة هذه الأمور بحكمة وبصورة تحافظ على قوة ومتانة تلك العلاقات.

وإذا بدأنا بالتاريخ فإن البحر الأحمر كان أقرب لبحيرة مصرية على مر التاريخ من عهد المصريين القدماء، حيث لم تكن هناك قوى أو دول أخرى على الضفة الشرقية للبحر حينما كانت السفن المصرية فى حركة دائبة عبر ذلك البحر لتمرير التجارة مع شرق إفريقيا ومع بعض القبائل المتناثرة على الضفة الشرقية عندما ظهرت فى عصور متأخرة بعد بدء الحضارة والدولة فى مصر بآلاف السنين.

وفى العصور الوسطى كان البحر معبرا للتجارة بين الشرق والغرب وكانت الرسوم التى تحصلها الدولة المملوكية من تلك التجارة التى تمر عبر البحر والبر المصرى سببا مهما فى ثرائها. وقاتلت الدولة المملوكية التى كانت تحكم مصر دفاعا عن ممرها التجارى ضد البرتغاليين فى معركة "ديو" البحرية فى البحر العربى بعد أن اجتازت البحر الأحمر لملاقاة البرتغاليين الذين كانوا يدشنون الممر الملاحى الدولى الجديد عبر رأس الرجاء الصالح.

وإذا تركنا التاريخ القديم والوسيط فإن تأسيس الدولة الحديثة فى مصر منذ عصر محمد على وابنه إبراهيم باشا باعث العسكرية المصرية والذى قاد الجيش المصرى لأعظم الانتصارات، بنى التأكيد التاريخى على مصرية البحر الأحمر وخليج العقبة والجزر الواقعة فيه.

وعندما حان وقت الانفصال الرسمى بين مصر والدولة العثمانية أو بين الخديوية الجليلة المصرية والدولة العلية على حد تعبير أنطون صفير بك فى موسوعته "محيط الشرائع"، تم وضع حدود مصر فى خليج العقبة والحدود مع كل من ولاية الحجاز العثمانية ومتصرفية القدس، والتى كانت ضمن أهم السندات المصرية فى استعادة طابا من الكيان الصهيونى. وفور عقد تلك المعاهدة فى 1 أكتوبر 1906 قام الجيش المصرى باحتلال مواقعة فى جزيرتى تيران وصنافير تأكيدا للسيادة المصرية عليهما بعد الاستقلال الكامل عن الدولة العثمانية وطبقا لما تم الاتفاق عليه فى تلك المعاهدة. ولابد من الإشادة بالمستشارة الجليلة هايدى فاروق لسعيها الدؤوب لتوثيق الحقائق والخرائط المتعلقة بملكية الجزيرتين، وهذا التوثيق لابد من الاستفادة منه فى البرلمان والجدل العام حول هذه القضية.

فى كتابه "قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة" (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1956)، يشير الدكتور مصطفى الحفناوى أحد أبطال تأميم قناة السويس، إلى جزيرتى تيران وصنافير بقوله (صـ 462) "أما عن الجزيرتين اللتين احتلتهما مصر فى خليج العقبة فهما جزيرتان مصريتان سبق أن احتلتهما القوات المصرية عام 1906 أثناء وضع الحدود بين مصر والبلاد العثمانية، فلم يكن فى ذلك الاحتلال مفاجأة. ومنذ أن انتهت العلاقة بين مصر والدولة العثمانية ظلت الجزيرتين مصريتين". ولم تكن المملكة العربية السعودية قد تأسست أصلا فى ذلك الحين إذ أنها أصبحت دولة عام 1932.

ويضيف الحفناوى فى موضع آخر من كتابه (صـ467) "لكن مصر اكتفت بمباشرة هذه الحقوق (يقصد حقوق تفتيش السفن الأجنبية العابرة فى مياهها الإقليمية) فى موانيها وفى مياهها الداخلية أى قناة السويس وخليج العقبة وهذا الأخير هو مياه إقليمية".

وفى 29 يوليو عام 1951 كتب السفير البريطانى فى مصر رالف ستيفنسون خطابا لوزير الخارجية المصرى هذا نصه: "كُلفت من حكومتى أن أبلغ معاليكم أن المملكة المتحدة مستعدة للاتفاق بشأن السفن البريطانية ما عدا السفن الحربية، تلك السفن التى تمر رأسا من السويس إلى الأدبية أو إلى العقبة، وذلك بأن تقوم السلطات الجمركية المصرية فى السويس أو فى الأدبية بعد تفتيش السفن ومنح شهادة بذلك، بإخطار السلطات البحرية المصرية فى جزيرة تيران حتى لا تقوم بإجراء زيارة (زيارة تفتيش) أخرى لتلك السفن.

ومن الناحية الأخرى ستخضع جميع السفن البريطانية للإجراءات العادية حينما تمر بمياه مصر الإقليمية وسأكون ممتنا لو تفضلتم معاليكم بالإفادة بقبول الحكومة المصرية للاتفاق المشار إليه" وهذا النص منشور فى كتاب "قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة" صـ 471.

وهكذا فإن بريطانيا وهى دولة الاحتلال لمصر المستقلة جزئيا آنذاك، تقر بالسيادة المصرية على جزيرة تيران، بل وتقر بسلطة التفتيش المصرية القائمة فى جزيرة تيران كسلطة لتفتيش السفن العابرة فى خليج العقبة. وللعلم فإن من يقرأ الكتاب سيلمس شعورا عروبيا قويا وموقفا شديد الإيجابية تجاه المملكة العربية السعودية من الدكتور مصطفى الحفناوى مؤلف الكتاب، بما يعنى أن ما كتبه لا ينبع من عداء للمملكة بل هو انتصار للحق ولحقائق التاريخ السياسى والجغرافى.

وحتى النص الذى اقتبسه البعض وتم ترويجع عبر مواقع التواصل الاجتماعى من كتاب "سنوات الغليان" للراحل الكبير محمد حسنين هيكل، تم تفسيره بصورة غير دقيقة للإيحاء بأنه يؤيد تبعية الجزيرتين للملكة العربية السعودية. ويشير النص الوارد فى صـ 91 من الكتاب المذكور إلى أن "السياسة المصرية استقرت على خيار يعطى للملك سعود ملك المملكة العربية السعودية مهمة مواصلة بحث هذه القضية (قضية المرور الصهيونى من خليج العقبة) مع الإدارة الأمريكية. وكان هو من أكثر المتحمسين لهذا الخيار على أساس عدة اعتبارات أولها أن جزر صنافير وتيران التى كانت مصر تمارس منها سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية فى الخليج هى جزر سعودية وضعها (الملك سعود) تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض.

والنص هنا يشير بوضوح إلى الاعتبارات الموجودة لدى الملك سعود التى جعلته يتحمس للقيام ببحث هذه القضية مع الأمريكيين، وهى لا تعنى أن تلك كانت قناعة مصر أو هيكل بشأن تبعية الجزيرتين. ومن البديهى أن موقف هيكل من تبعية الجزيرتين لا يختلف إطلاقا عن موقف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر من هذه القضية وهو الذى كان المنظر الأهم للعهد الناصرى فى الشأن السياسى الداخلى وفى العلاقات الدولية والإقليمية. وموقف الزعيم جمال عبد الناصر موثق بشأن يقينه المبنى على الحقائق والتاريخ بأن الجزيرتين مصريتين.

وسواء فى التاريخ القديم أو الوسيط أو الحديث والخرائط المتاحة من تلك العصور فإن الجزيرتين والبحر الأحمر وخليج العقبة كانت تحت سيادة مصر أيا كانت الدولة التى تحكمها.

وعندما احتاجت الجزيرتين للدفاع عنهما وبذل الدماء من أجلهما فى الصراع مع الكيان الصهيونى الذى تأسس بالاغتصاب ويستمر بالعدوان، لم يكن هناك سوى مصر وجنودها الذين دفعوا أرواحهم دفاعا عن الجزيرتين ووثقوا بالدم ملكية مصر لهما فالأرض لمن يستقر فيها ويرتبط تاريخيا بها وبتفاصيلها ويدافع عنها عندما تتعرض للإخطار والأطماع.

وعندما عقد الرئيس الأسبق أنور السادات اتفاقيات التسوية مع الكيان الصهيونى (كامب ديفيد عام 1978، واتفاقية التسوية عام 1979) شملت التريبات الأمنية جزيرتى تيران وصنافير باعتبارهما جزيرتين مصريتين طبقا للحدود المصرية المعترف بها دوليا ولدى الأمم المتحدة.

ولأن حدود الدول تتأسس عبر التاريخ طبقا لفقه أو أصول تأسيس الأوطان والدول، فإنه من المفيد إلقاء نظرة سريعة على أصول وآليات تأسيس الأوطان والدول..

تتأسس الأوطان حين تكف الجماعات البشرية عن الترحال وتستقر فى أرض محددة ترتبط حياتها وأمنها بمفرداتها وبمواردها. وتكون تلك الجماعات مجتمعا مستقرا مستعدا للدفاع عن تلك الأرض ضد أى جماعات أخرى طامعة فيها. وتتعمد ملكية الجماعات البشرية للأرض فى صورة وطن بالبذل والتضحية والدماء والأرواح فى معارك الدفاع عنها. وتفرز المنعطفات التاريخية للشعوب بالذات فى معارك الوجود والمصير، أبطالا يتحولون إلى رموز للمجد وللقوة المعنوية التى يمكن استلهامها فى أوقات الأزمات. كما أن الأديان البدائية رفعت حدود الدولة إلى مرتبة القداسة لجعل الدفاع عنها واجبا مقدسا قبل أن تحوله الدول الوطنية إلى واجب وطنى وأخلاقى وقانونى.

كما أن بعض الأماكن الدينية المقدسة تتحول إلى رمز للأمة يستنهض همم وأرواح أبنائها ويشعل نيران الوطنية المقدسة لمواجهة أى معتد على تلك الأماكن المقدسة. وحتى الفن كآلية للحشد والتعبئة من قديم الأزل يلهب حماس الجماهير برموز الأمة وأبطالها وقدسية حدودها ومقدساتها. وفى رائعة السنباطى وأم كلثوم وصالح جودت "الثلاثية المقدسة" نجد نموذجا بديعا لاستنهاض الأمة للدفاع عن مقدساتها.

وعودة لفقه تأسيس الأوطان، فإن بعض الجماعات البشرية تستقر أحيانا فى موقعين بالتبادل بصورة موسمية مرتبطة بتغيرات الطقس ويصبح كلاهما موطنا ومستقَرا بالذات بالنسبة للجماعات البشرية التى تمتهن الرعى.

وتشير خبرات التاريخ إلى أن الجماعات المرتحلة ما قبل الوطن والدولة تكون باختيارها أو بإجبار الظروف لها جماعات محاربة سواء للدفاع عن نفسها إزاء الجماعات التى تجابهها أثناء الترحال، أو للإغارة والسلب من الجماعات المستقرة المنتجة، أو لقطع طريق القوافل والعيش من عائد السلب والنهب والسبى والهروب من انتقام الجماعات التى قامت بالاعتداء عليها أو على قوافلها. لكنها فى النهاية وعلى مدار التاريخ وما ينبئنا به تستقر بعد ذلك وتؤسس وطنا ودولة أو تذوب كليا فى كيان آخر أو تندثر إذا تلقت هزيمة ساحقة ونهائية من دولة أو جماعة أخرى.

ويمكن أن تؤسس الجماعات البشرية وطن تعيش فيه لحقب طويلة بلا دولة فى نظام تحكمه الأعراف ويتسم بسيادة النموذج العائلى القائم على مساهمة الجميع فى العمل واقتسام الناتج حسب الحاجة بصورة قائمة على التضامن وفقا للقيم العائلية.

لكن خبرة التاريخ تشير إلى حتمية تأسيس الدولة كبناء فوقى يفرزه المجتمع لمواجهة التحديات التى تواجه المجتمع من جماعات طامعة فى أراضيه، أو لإدارة الانقسامات التى تتولد داخله بسبب التفاوت فى القوة والاستحواذ والسيطرة والملكيات والدخول حتى لا تقوم المجموعات المتنافرة المواقع والمصالح بتدمير بعضها البعض وتدمير الجماعة كلها والوطن نفسه.

الوطن لا يُعار فى الوغى ويُستعاد وقت السلم

لا يرد ضمن تصنيف الوطن أن تقوم دولة بالتنازل عن أرض تحت سيادتها إلى دولة أخرى لتقوم عوضا عنها بالدفاع عن تلك الأرض فى مواجهة الطامعين. فهذا التخلى عن أرض تحت السيادة تفاديا لدفع الدم دفاعا عنها، يخرجها من تعريف أرض الوطن بالنسبة للدولة التى قامت بالتخلى عن تلك الأرض، ويدخلها بشكل أصيل وعميق ضمن حدود الوطن للدولة التى قامت بالدفاع عنها. وفقه تأسيس وحماية الأوطان لا يتضمن التخلى أو التأجير فالوطن ليس غرفة للإيجار، ولا يُعار للآخرين زمن الحرب الدفاعية عنه ويُستعاد بعد انتهاء الحرب وعقد التسويات السياسية. وبالتالى فإن القول بان المملكة العربية السعودية تنازلت عن الجزيرتين لمصر لتفادى ما يقتضيه الدفاع عنهما من مواجهة مع الكيان الصهيونى الطامع فيهما، وأن لها الحق فى استعادتهما، هو قول يتناقض كليا مع معنى الوطن ومقتضيات الانتماء له، فضلا عن أن الجزيرتين كانتا قبل تاسيس المملكة العربية السعودية تابعتين لمصر وهى المالك الأصلى لهما على مدار التاريخ.

خلال العصر المطير فيما يسمى الآن بالصحراء الكبرى والذى انتهى قبل الميلاد بعشرة آلاف عام، كانت صحارى مصر الغربية والشرقية الحالية مكسوة بغطاء خضرى وتعج بالقطعان وبجماعات بشرية بعضها عملاق والبعض الآخر كبير أو متوسط أو صغير. وكانت وحدة الأصل أو وحدة الظروف الطبيعية تجمعها وتخلق رابطا عميقا بينها تعاونا أو صراعا. وعندما انتهى العصر المطير وبدأ الجفاف الرهيب يضرب تلك الأرض وأنهارها التى صارت وديانا جافة، بدأت الجماعات البشرية فى الصراع على موارد المياه، أو الارتحال الاضطرارى إلى مواقع جديدة تتوفر فيها سبل الحياة وأولها المياه. واتجهت الكتلة الأكبر إلى وادى نهر النيل ودلتاه العظيمة لتكون المجتمع المصرى المستمر بذلك التكوين الأساسى رغم كل عواصف التاريخ والمجموعات الصغيرة المهاجرة التى اندمجت فيه.

واستقرت بعض الجماعات حول ينابيع المياه فى الواحات الباقية كشاهد على الحياة فى قلب الصحراء. وارتحلت جماعات كبيرة أخرى باتجاه البحر المتوسط لتكون بلدان شمال إفريقيا حيث استمرت معدلات سقوط الأمطار كافية لتأمين الحياة للإنسان والنبات والحيوان.

وتوحدت أقاليم مصر فى الوحدة الأولى فى الألف السادسة قبل الميلاد.

وبعد زمن طويل على بداية تلك الوحدة، تفككت مصر مرة أخرى لمدة ألف عام تقريبا. وذاق الشعب المصرى الأمرين من صراعات الأقاليم خلال عصر التفكك. وعندما توحدت مصر ثانيا فى عهد الملك مينا قرابة عام 3200 قبل الميلاد، رفع المصريون الدولة فى ضمائرهم إلى مرتبة القداسة. وصاروا يقبلون ظلم الدولة ولا يقبلون هوانها أو انهيارها وهو ما فسره البعض ممن يجتزئون التاريخ على أن الشعب المصرى شعب لا يثور.

لكن الثابت تاريخيا أنه يريد الحفاظ على دولته المقدسة، لكن عندما يزيد الظلم فإن الشعب تكون ثورته كالطوفان. وقد ثار الشعب المصرى وأنهى الدولة المصرية القديمة. وعندما انتهت الدولة الوسطى باحتلال الهكسوس (حقخاسوت أو حكام البلاد الأجنبية) لمصر لما يقرب من قرنين من الزمان لم يمت الإيمان بالوطن أو بحدوده المقدسة.

وقادت الأسرة 17 نضال الشعب المصرى ليسحق الغزاة ويمحو ذكرهم من الدنيا. وانطلقت مصر منذ عهد الأسرة 18 لتكون امبراطورية شاسعة من قلب إفريقيا جنوبا، إلى قلب الصحراء الكبرى غربا، إلى جرابلس شمالا حيث توجد حتى الآن مسلة تحتمس الثالث أعظم الملوك المحاربين على الحدود السورية-التركية، إلى العراق شرقا حيث ولدت الملكة "تى" فى مملكة ميتانى فى شمال العراق وأهدتها أسرتها الحاكمة هناك والتى كانت تدين بالولاء لمصر إلى الملك أمونحوتب الثالث وأنجبت له إخناتون أول الموحدين. لكن رغم ذلك ظل تعريف الوطن لدى المصريين قاصرا على مصر الأصلية دون ممتلكاتها، فمصر لم تنزع للاستحواذ على الآخرين، ولم تخرج من حدودها إلا لرد العدوان وتأمين الكنانة المحروسة.

وكان تعريف الوطن وأبنائه عند المصريين القدماء يرتبط بنهر النيل، فالوطن يبدأ من منطقة الشلالات القديمة فى أقصى النوية حيث اعتبروا أن النيل ينبع من الإله "نون" رب المياه الأزلية عند المصريين القدماء ويمتد حتى المصب فى البحر المتوسط. أما المصرى فهو من يشرب من مياه النيل من مجراه من نقطة الشلالات وحتى المصب. ومع الرحلات التجارية فى البحر الأحمر إلى شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية التى كانت تسكنها أقوام بدائية آنذاك، أصبح البحر الأحمر "بحيرة" مصرية. وقام المصريون القدماء بربط النيل بالبحر الأحمر بقناة سيزوستريس التى تم حفرها فى عهد سنوسرت الثالث. ولم تكن هناك قوة تنازعهم فى ذلك البحر كله. وبعد أن خضعت مصر لسلسة مدمرة من الاحتلالات الأجنبية استمر المحتلون فى اعتبار حدود مصر القديمة هى حدودهم أثناء احتلالهم لها.

Comments

عاجل