المحتوى الرئيسى

محمد عادل عثمان يكتب: لعبة الأمم في سوريا | ساسة بوست

04/17 14:40

منذ 1 دقيقة، 17 أبريل,2016

فى عام 1965 نشر  الصحفى الشهير «باتريك سيل» كتابًا بعنوان «سوريا والكفاح نحو القمة»، وقد كانت  فكرة هذا الكتاب تشير إلى أنه من يرغب فى أن يكتسب مكانة سياسية فى الشرق الأوسط، عليه أن يسيطر على سوريا، أو يتقرب من قادتها، ومن هنا كانت سوريا، ولم تزل دولة ذات أهمية كبيرة فى المنظومة الإقليمية والدولية؛ فهى بحكم موقعها الجغرافي إحدى الدول الكبرى في الشرق الأوسط، كما أن مصطلح سوريا فى السابق، يضم  لبنان والأردن وفلسطين، فيما عرف بسوريا الكبرى، إلى أن عقدت اتفاقية  «سايكس ـ بيكو»  عام 1916 ، والتى جاءت بنودها لتقسيم المنطقة العربية، وكانت سوريا جزءً رئيسًا من هذا التقسيم،  وربما ليس بغريب أن يكون ما يحدث الآن فى سوريا، وفى الشرق الأوسط بشكل عام، هو بمثابة سايكس بيكو جديد، مع مرور مائة عام على هذه الاتفاقية

لقد أعادت الحرب الأهلية في سوريا الدولة إلى الفترة التي كانت فيها ميدان معركة بين القوى الأقوى دوليًا فى الساحة الإقليمية، بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفيتى سابقًا «روسيا الاتحادية حاليًا» وبين الولايات المتحدة، والتى كان النزاع فيه يدور حول الصدام الأيديولوجي بين الاشتراكية والرأسمالية، فبعد أن انهار الاتحاد السوفيتي، وتحول العالم نحو الأحادية القطبية، وبعد حالة الانكسار النسبى الذى سيطر على روسيا، استطاعت الولايات المتحدة أن تفرض نفسها كزعيمة على العالم، إلا أن العودة الروسية مرة أخرى، والتى بدأت فى الظهور مع ولاية الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» للدولة،  ثم التغيرات التى لحقت بالمنطقة بعد ذلك،  مرورًا  بدعمه للنظام الشرعي فى سوريا،  وهو الذى جعل الولايات المتحدة تغير من سياستها تجاه الأزمة، وهذا لأن روسيا أيقنت الدرس من الأزمة الليبية، بعد أن تخلت بسهولة عن حليفها العقيد الراحل «معمر القذافي».

ففي سوريا عملت الولايات المتحدة الأمريكية بداية من عام  2012 على دعم الجماعات المسلحة، بداية من «الجيش السورى الحر»، الذى تشكل من العناصر المنشقة عن الجيش العربي السوري، إذ إن الولايات المتحدة أرادت أن تزرع الفتنة، وأن تدير الكفة فى سوريا لصالح المتظاهرين، الذين لا يمكن لأحد أن ينكر حقهم فى التظاهر، ولا بد من أن نعترف أن النظام الشرعي فى سوريا أخطأ فى التعامل معهم، فى بداية الأزمة؛ عندما تعامل بطريقة القمع والقتل مع المحتجين، ولكن الغريب فى سوريا هو ما ظهر من سيناريوهات تسعى إلى تمزيق هذه الدولة، بشكل لم يحدث مع أى قطر من أقطار الثورات الشعبية، ففى سوريا طبقت كل أساليب الدهاء السياسي لأن سوريا كانت منذ البداية تجهز أن تكون ساحة لحروب بالوكالة بين طرفين لا ثالث لهما: الطرف الأول هو الولايات المتحدة وحلفاؤها. والطرف الثانى هو روسيا وحلفاؤها.

ولعل من أخطر أنواع الحروب، فى زمننا هذا، الحرب الإعلامية، «التى تعرف على أنها  استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول؛ للدعاية عن طريق الأدوات الإعلامية الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة من أجل التأثير على عواطفها ومواقفها وسلوكها بطريقة تعين على تحقيق سياسة الطرف المعادي»، وللحرب الإعلامية عدد من الإستراتيجيات والوسائل التى طبقت على العراق سابقًا، وتطبق الآن على سوريا. وأول هذه الأدوات :

قصف إعلامي يستهدف التركيز على جوانب جزئية غالبًا ما تكون جوانب سلبية. العمل بمختلف الوسائل على زعزعة الجبهة الداخلية، سواء بتضخيم الثغرات لدى الجهة المستهدفة أو بإثارة الفتنة بين مكونات الشعب العرقية والدينية الموجودة، وبشتى الأساليب، وصولًا إلى إعطاء الحرب رسالة أخلاقية وإنسانية وديمقراطية تؤدى إلى كسب عطف وتأييد المشاهد للعمليات العسكرية التى تقوم بها الجماعات المختلفة ضد نظام الحكم الشرعي، لكى تخلق لدى المستمع القبول بمشروعية  تلك الأعمال المعادية لنظام الحكم، والتى تهدف إلى إضعاف كيان الدولة من جهة الاستبداد، وقد سبق استخدام هذا النسق الإعلامى فى أثناء الحرب الأمريكية على العراق التى صورت أن هذه القوات جاءت من أجل الديمقراطية للعراقيين. إحلال الصورة الدعائية التضليلية مكان الحقيقة، باعتبار أن ما يتركه الإعلام في ذهن المواطن من انطباعات يبقى أهم من الحقيقة التي قد تحتاج إلى وقت كبير للتحقق منها.

والشاهد فى سوريا أن هذه الأحداث والسياسات قد طبقت عبر وسائل إعلامية، بل إن الغرب رسم عددًا من الأدوات التى عن طريقها طبق هذه الآلية من خلال التغطية الإعلامية لأحداث بعينها، وتجاهل نظيرها على الطرف الآخر، فقد عمد الإعلام على أن يسلط الضوء على ما يصدر من  القوات السورية من أحدث إن كانت وقعت فى حق مدنيين بالفعل أو في حق عناصر مسلحة، لا أحد يملك الحقيقة القاطعة وراء ذلك؛ إذ إن الإشكالية هنا ليست فى من يقتل بحق أو بباطل؛ لأن الهدف الذى نريد أن نشير إليه هو أن الإعلام خدم في الأساس سياسات أنظمة بعينها، وليس ذلك الإعلام الحيادى الذى يوضح الصورة والصورة الأخرى.

فلقد عمل عدد من المواقع الألكترونية والقنوات على تطبيق هذه الاستراتيجية، وكان أشهر هذه القنوات «فرنسا24، وقناة بي بي سي، وقناة الجزيرة، وأخيرًا قناة سي إن إن»، أيضا المواقع الألكترونية وثقت أحداث الحرب فى سوريا بصورة لم يحدث لها مثيل، ويعود ذلك إلى التطور الكبير فى الثورة المعلوماتية التى يشهدها هذا العصر؛ إذ إنه من أبرز مظاهر هذا التطور المعلوماتى نجد «اليوتيوب» وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنتديات الاجتماعية، والتى ساعدت عددًا من الصحفيين والمحللين على قراءة الأحداث وتوثيقها، ولكن أدى الانتشار الواسع  للأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي إلى بروز معضلة قوية، ألا وهى صعوبة التمييز بين  ما هو حقيقي، وبين ما هو غير حقيقي، أيضا ساعدت هذه المعلومات بعض المحللين؛ إذ عملوا على تحليل هذه البيانات، وكان أشهر هذه التحليلات ما نشر فى مجلة  «فورين بوليسي» الأمريكية، والتى نشرت صورًا لصواريخ كرواتية كانت مع الجيش السورى الحر قيل إنه تم شراؤها، وضخت فى سوريا عبر دول خليجية.

وفى سياق المتابعة والتطبيق إلى شاشات التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي توصلنا الى أشهر الأساليب التى اعتمدت عليها وسائل الإعلام فى التحيز والتحامل على طرف الحكومة السورية، دون غيرها؛ إذ كانت الآراء تنصب فى اتجاه واحد على النحو التالى:

أقل ما يمكن أن يوصف هو أن ما حدث مع سوريا هو تهويل إعلامى لم يشهد العالم مثله؛ إذ قامت القنوات الفضائية بالتنسيق فيما بينها على أن تقوم بالقصف الإعلامى لمؤسسات الدولة، وبخاصة مؤسسة الجيش، وهذا بهدف كسر تماسكها. عملت بعض الفضائيات العربية والأجنبية على بث أفلام مصورة هى أشبه بتمثيليات أو مقاطع صور مصورة بكاميرات عادية أو هواتف، لأحداث تبين فيما بعد أنها أحداث تمت فى العراق، وأحيانا فى لبنان؛ إذ ثبت أن أحد المشاهد التى عرضت على أنها تحدث فى درعا، هو مظاهرات حدثت فى عام 2008 فى منطقة حى السلم بلبنان. بذلت وسائل الإعلام المتعددة جهودًا لتبرير التدخل العسكري الغربي ضد سوريا، وفي سبيل تحقيق ذلك الغرض وطبقًا لتنسيق مسبق بين تلك القنوات الإعلامية والجماعات المسلحة في سوريا تم ارتكاب جرائم وحشية مروعة بأيدي الجماعات المسلحة، ومن ثم تسويقها إعلاميا على أنها جرائم ارتكبها الجيش السوري. الإصرار على إبقاء خبر الأحداث في سورية في مقدمة النشرات، حتى لو كان هناك حدث آخر أكثر أهمية. الادعاء بأن القتلى في سوريا، إنما يسقطون برصاص قوات الأمن خلال تظاهرات سلمية، وحتى لو سقط قتلى من رجال الأمن والجيش فإنهم ينفون أنهم سقطوا بأيدى مسلحين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل