المحتوى الرئيسى

نعمان لطفي يكتب: لجنة كريل المصرية | ساسة بوست

04/16 20:23

منذ 1 دقيقة، 16 أبريل,2016

الدعاية التي تتم بإشراف الدولة حينما تدعمها الطبقات المتعلمة، وحين لا يُسمح فيها بأي انحراف عن الهدف، بإمكانها أن تحدث أثرًا كبيرًا «نعوم تشومسكي».

هذه خلاصة ما تم منذ نحو مائة عام بالتمام والكمال في عام 1916م، حين فاز الرئيس الأمريكي «وودرو ويلسون» بفترته الانتخابية الثانية، وكانت القارة الأوروبية منصهرة في أتون الحرب العالمية الأولى، وكان الشعب الأمريكي يفضل الحياد، وعدم دخول الحرب طرفًا، وهي حرب أوروبية في الأساس، لكن القادة الأمريكيين كان لهم رأي آخر، ورأوا أن دخول الحرب فيه مصلحة لأمريكا، فلجأ ويلسون إلى أول عملية دعاية سياسية تقودها الحكومة، وهي ما أطلق عليها «لجنة كريل»، وفي خلال 6 أشهر فقط استطاعت اللجنة تغيير الجينات المزاجية للشعب الأمريكي المسالم وتحويله إلى شعب متعطش للدماء، ويريد تحطيم كل ما هو ألماني. ويبدو أن حكومة الجنرالات في مصر، بداية منذ عهد المجلس العسكري، وإلى اليوم، لا تحيد عن عمل هذه اللجنة قيد أنملة، وكأن اللعبة تدار من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، فتجد تشابهًا كبيرًا في الاستراتيجيات المتبعة في كل من اللجنتين، وأحيانا تشابهت النتائج، وإن كان كثير من خيوط اللعبة قد تفلت من بين أصابع الجنرالات لتدخل البلاد في نفق مظلم لا تعرف الشمس إليه طريقا.

ولقد استطاع المفكرون التقدميون في أمريكا دفع المواطنين المترددين إلى الحرب دفعًا؛ من خلال إثارة مشاعر القومية المتطرفة، وإثارة مشاعر الخوف والهلع في قلوب الأمريكيين عن طريق إشاعة ما ارتكبه الألمان من مجازر، وإن كان بعضها قد تم تزييفه – وهو ما يفعله الآن المرشح الأمريكي «ترامب»، من إثارة مشاعر الخوف والهلع في قلوب الأمريكيين تجاه المسلمين؛ لكسب المعركة الانتخابية.

أماالجنرالات في مصر فإنهم استخدموا خليطًا من الإعلاميين، والأحزاب، والمؤسسات الدينية، والفنانين، ونخبة وزارة الثقافة، باعتبارهم (الأفراد الأكثر ذكاء)، بتعبير نعوم تشومسكي، حيث عملوا على إثارة الهلع والخوف في قلوب المصريين، بداية من تنفيرهم من الثورة وشيطنة المتظاهرين وتخوينهم، وحواديت الكنتاكي ودولارات ميدان التحرير، ومرورًا بتخوين شباب الثورة وشيطنة التيار الإسلامي ونشر الإشاعات عن تقطيع الأيدي والرءوس بدعوى إقامة الحدود، وليس انتهاء بالأسلحة الكيميائية تحت منصة رابعة وجهاد النكاح.

وقد استُخدمت هذه الأدوات بنسب مختلفة: فتارة يتعاون أفراد من المؤسسات الدينية مع الشئون المعنوية لإنتاج فيلم يعرض في دور العرض العسكرية لإقناع القيادات والأفراد الذين قد يترددون في الأمر بتواتر الرؤى والأحلام بتأييدهم، ومشروعية، بل وجوب قتل المعارضين؛ بدعوى أنهم خوارج، وتارة يقوم الفنانون والفنانات بإحياء حفلات داخل المعسكرات وقيام المجندين البسطاء بالرقص والتقاط صور السيلفي معهم، وتصدُّر بعض الفنانين شاشات الفضائيات؛ للحديث عن الإسلام الوسطي الجميل تارة، وعن خصوصية الشعب المصري والوطنية تارة، وتدين الشعب المصري بالفطرة تارة أخرى، وأحيانا أخرى استُخدِمت الأحزاب والتيار الشعبي؛ لعمل تمرد ودحرجة الكرة إلى ملعب الجنرالات بطلب من الناس أنفسهم، وبهذا نجحت دولة الجنرالات في تكوين خليط يتناسب مع التجربة الجديدة لإدارة معركتهم ضد الشعب.

الثورة في فن الديمقراطية أن يتم تطويع الديمقراطية لتصنيع الإجماع، بمعنى جعل الرأي العام يوافق على أمور لا يرغب فيها بالأساس، عن طريق استخدام وسائل دعائية «ليبمان»

لقد أدرك الجنرالات منذ اللحظة الأولى خطورة الإعلام وتأثيره في تحويل مسار الثورة المصرية، واستخدموا الإعلام بأشكاله المختلفة، بداية من الأذرع الإعلامية التي صرح الجنرال بتكوينها في تسريباته الشهيرة، وليس انتهاء بوسائل التواصل الاجتماعي، بداية من صفحة المتحدث العسكري، وبيانات المجلس العسكري، وانتهاء بكتائب اللجان الإلكترونية، التي كشف عنها الجنرال في اللقاء الذي سماه «لقاء الأسرة المصرية»، وإذا كانت لجنة «كريل» قد استخدمت (المصالح العامة) لخداع الجماهير الأمريكيين، فقد وظفت الأذرع الإعلامية فكرة (الأمن القومي والحفاظ على الدولة من التفتت)، لصنع حالة من الاصطفاف الجماهيري خلف دولة الجنرالات؛ بدعوى أن البلاد مستهدفة، وأن الجيش هو الحصن الأخير الباقي، كما لجأت إلى إثارة الهلع والخوف من المصير الذي أحدق ببعض دول المنطقة، حتى أصبح شعار (أحسن من سوريا والعراق) هو الشعار المسيطر على عقول البسطاء من الناس.

وقد لجأت كذلك إلى الإرهاب الفكري ووصم المعارضين بالتخوين تارة، والأخونة تارة أخرى؛ ليضطر المعارض إلى الدفاع عن نفسه، وسحب البساط من تحت قدميه؛ ليظل في موقف المدافع. وقد نجحت الآلة الإعلامية في تصنيع حالة الإجماع، وتحويل الرأي العام بين آراء متناقضة ومتباينة، فتارة إلى أقصى اليمين، وإلى أقصى اليسار تارة أخرى، ويكفيك عقد مقارنة بين موقف الأقباط من الجيش، بعد «حادث ماسبيرو» الشهير، وموقفهم قبيل الانقلاب الذي قاده الجنرال، وحجم الدعم والتأييد الذي أبدوه تجاه الجنرال، وهناك العديد من القضايا التي تنقل الشعب المصري فيها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، كموقفه من حصة مصر من مياه النيل في عهد «مرسي» وتحويل الأمر إلى مجرد سخرية في عهد الجنرال دون أي حراك، وموقفه من «حلايب وشلاتين» والاعتراض على مجرد النقاش حول أحقية مصر في امتلاكهما في عهد مرسي، مع التأييد الكامل من مؤيدي الجنرال لبيع جزيرتي «صنافير وتيران» للمملكة السعودية، والتخبط الذي ظهر فيه رجال المؤسسة العسكرية كاللواء «عبد المنعم سعيد» والفريق «شفيق»، أو الادعاء على الإخوان بأنهم يستغلون البسطاء من الناس، وتوزيع مواد غذائية؛ لكسب أصواتهم الانتخابية، وعدم رؤية الحرج في توزيع الجيش للمواد الغذائية في منافذ معدة للقوات المسلحة، فيظهر الشعب في حالة من الفصام الفكري يتنقل من النقيض إلى النقيض من دون أن يشعر، وهو ما نجح فيه الإعلام بشكل فعال.

أما دور رجال الأعمال في هذه المنظومة فيختلف باختلاف الطرف المقابل، فهم في علاقة تكافل مع السلطات الحاكمة، المتمثلة في الجنرالات، بحيث يستمد كل منهما وجوده وبقاءه من الآخر، وكلاهما في علاقة مع الجماهير تختلف باختلاف السياق الجماهيري، فإذا كان الجماهير في حالة وعي، فالعلاقة بينهما علاقة افتراس، وتكون الآلة العسكرية هي الباطشة في هذه الحالة، وأما إذا اكتفى الجماهير بأداء دورهم في مقاعد المتفرجين، فإن العلاقة بينهما علاقة «ترمم»، أي أن رجال الأعمال والطبقة الحاكمة «يقتاتون» ويستمدون بقاءهم من حالة السبات التي تغرق فيها الجماهير.

ولكي تظل الجماهير في حالة السبات هذه نشأ التزاوج بين الإعلام والمال في لعبة السياسة الجديدة، فيما يمكن أن تسميه (الإع/مال السياسي)، وسعىكثير من رجال الأعمال إلى السيطرة على الإعلام لخدمة أهدافهم السياسية التي تحمي نفوذهم وقوتهم، فأصبحوا يجمعون في آن واحد بين رئاسة بعض الأحزاب أو عضوية البرلمان، وامتلاك عدد من الفضائيات والصحف والمواقع، مدركين أن الكتلة الحرجة يجب أن تظل مفتتة؛ لأنه إذا أتيح لها أن تتجمع فبإمكانها أن تدهسهم، إذا ما دفعتها رياح التغيير، ويأتي على رأس قائمة السياسيين من أصحاب البيزنس الذين أسسوا أحزابا أو يترأسونها، ويمتلكون في الوقت نفسه قنوات تليفزيونية، أو صحفًا ومواقع إخبارية: «السيد البدوي» (رئيس حزب الوفد، ومالك مجموعة قنوات الحياة)، و«نجيب ساويرس» (مؤسس حزب المصريين الأحرار ومالك شبكة أون تي في)، وأكمل «قرطام» (رئيس حزب المحافظين، ومساهم في عدد من القنوات الفضائية ومالك جريدة وموقع التحرير)، و«محمد أبو العينين» (أحد أقطاب الحزب الوطني المنحلوصاحب قنوات صدى البلد وموقعها الإلكتروني)، و«أحمد أبو هشيمة» (أحد المساهمين في مجموعة قنوات النهار وموقع اليوم السابع)، و«عماد جاد» (أحد المساهمين في مجموعة قنوات  TENوهو قيادي بحزب المصريين الأحرار ورئيس اللجنة التنسيقية لقائمة «في حب مصر»)، وسعيد حساسين (عضو مجلس النواب وأحد مؤسسي قناة العاصمة).

ثورة يونيو اللينينية وديمقراطية القطيع الحائر:

كان «لينين» يرى أن طلائع المفكرين الثوريين لا بد أن يستولوا على السلطة عن طريق ثورات شعبية تدفع بهم إلى سدة الحكم، وتدفع بالجماهير الغبية، باتجاه مستقبل، هم غير قادرين أو مؤهلين لفهمه أو وضع تصور له؛ لشدة غبائهم، وعدم أهليتهم لفعل ذلك.

وبنى «ليبمان» نظريته عن الديمقراطية التقدمية على تقسيم المواطنين إلى طبقتين، طبقة النخبة الذين يحللون وينفذون ويصنعون القرارات، ويديرون الأمور في النظم السياسية والاقتصادية، وهذه الطبقة تتكون من مجموعة صغيرة، أما الغالبية العظمى من المواطنين فيسميهم القطيع الحائر أو الضال والوظيفة المنوط بهم أداؤها هي أن يظلوا مشاهدين لا مشاركين في الفعل، ويسمح لهم من آن لآخر بتأييد أحد أفراد طبقة النخب وقول: «نحن نريدك قائدًا لنا»، في مسرحية الانتخابات الهزلية، ثم يعودون إلى مقاعد المتفرجين مرة أخرى.

وإذا نظرنا إلى نظام الجنرال وجدناه يقوم على هاتين الدعامتين، فهو قد دفع بالجماهير إلى ثورة شعبية أوصلته إلى سدة الحكم، ثم دفعت بهم إلى مستقبل هم غير قادرين أو مؤهلين لفهمه أو وضع تصور له، ثم استبدل ببدلة الجيش البدلة المدنية، وبالباريه ربطة العنق، ولبس الحذاء بدلًا من البيادة، وظن أن ذلك يخفي معالم وجهه الشمولي العسكري، ثم ذهب يستكمل ما أُملِي عليه من أفكار ليبمان، وسمح للجماهير بقول: «نحن نريدك قائدًا لنا»، ثم طلب منهم العودة إلى مقاعد المتفرجين، وترك المجال للطبقة المتخصصة المتمثلة فيه هو؛ للقيام بوظيفتها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل