المحتوى الرئيسى

«استراحة مفيستو» لبرهان شاوي.. عبر المسافات والأزمنة

04/16 01:21

من هو المفسد في الأرض؟ ابن آدم أم الشّيطان؟ هل أعمال الإبادة وما يحصل من تدمير للحضارة ومن تنازع وتخاصم هي من فعل الإنسان؟ أم أنّ الشّيطان يوسوس له؟ هل إنّ ابن آدم تفوّق على إبليس في الكيد والمكر والدّهاء فصارت الأرض مرتعًا لمفاسده؟ أم هو مجرّد ضحيّة؟

«أستراحة مفيستو» هي الرواية التاسعة للكاتب العراقي برهان شاوي، صدرت مؤخرًا عن منشورات ضفاف، تناقش واحدة من القضايا التي توقّف عندها الفكر البشري؛ سؤال السّعادة على الأرض، وثمنها، ما هو المقابل الذي على الانسان أن يقدّمه كي يكون سعيدًا، ويعيش في سلام. قضيّة توقّف عندها غوته في فاوست، وبلزاك، وكريستوفر مارلو. لكن الكتب المقدّسة أيضًا توقّفت عندها، لا سيّما القرآن الكريم حين قال الله (إنّي جاعل في الأرض خليفة). آدم هو الخليفة على الأرض، هو أميرها. وما تحدّي الشيطان ـ إبليس ــ مفيستو إلّا معركة خاسرة. فقد انتصر آدم، عند برهان شاوي على إبليس – مفيستو. ولم يبقَ منه سوى اسم يحضر كتسمية للاستراحة. ولا وجود فعليّا له على مستوى الأحداث. بل حتّى عندما نزل آدم المسكين إلى قاع السّماء، ودخل البوابة التي عليها النقش الذي استخدمه دانتي أليغيري في الجحيم، فإنّنا لا نلتقي الشّيطان، وإنّما آدم آدم، صاحب الفندق «إستراحة مفيستو».

تضمنت الرواية نقدًا اجتماعيًا وسياسيًّا وجنسيًا، وقدّمت نماذج هي جزء حقيقي من الواقع والحياة.

«هكذا السّلطة دائما، تقصي المعارض لها، وتحاول تدميره، وإذا ما قاومها، فإنّها تستخدم أقذر الوسائل لتشويه صورته أمام النّاس، وتختلق له التّهم التي تمسّ نزاهته».(ص.119)

أمّا تجارب الزواج التي ظهرت في الرواية فهي فاشلة «لكنّها صامدة مثل قلعة قديمة للأشباح».

اختار الكاتبُ الرّاوي في «إستراحة مفيستو» عليمًا بدواخل الشّخصيّات، يفهم أعماقها ومشاعرها «حين رأته (حوّاء الدّلو) شعرت بدفق من فرح يغمرها (ص.47) ويدخل إلى تفكير آدم المسكين، يتحدّث بلسانه، يقرأ هواجسه، ويعرف مخاوفه. لا يعرف ماذا عليه أن يفعل.. هل عليه أن يأخذ الحقيبة والهرب من المقبرة..؟ هل عليه إبلاغ الشّرطة..؟ وهل إذا ما أبلغ عن الجثّة سيمرّ الأمر من دون تحقيق معه؟»(ص.25) يسأل آدم المسكين نفسه: «أين أنا؟ هل من المعقول أنّ المدينة جزء من «استراحة مفيستو؟ ماذا يعني ذلك؟»(ص.168).

يسمح الراوي لنفسه أن يتدخّل، ويطلق حكمًا حول كينونة آدم. «لم يعد يعرف من هو بالذات»(ص.182). وثمّة تداخل بين الرّاوي وبين آدم في مواضع من الرّواية، لكن لا يلبث أن يزول الالتباس، ويعود الرّاوي إلى الظّهور بشكل قويّ. ولعلّ هذه السّلطة في الصّوت الرّوائي وأحاديّته تشير إلى غطرسة آدم على الأرض، وتسلّطه، وهيمنته.

أمّا المرأة، فيقدّم برهان شاوي صورة ناضجة عن النساء، هنّ متشابهات في أناقتهنّ وشكلهنّ المثير؛ أنصت آدم إلى حوّاء النّمرود و «كأنّها امرأة ليست واقعية، وإنّما من نســــاء الروايات»(ص.85) و «حوّاء الأعمى ناشطة في مجال الدّفاع عن حقوق الإنسان؛ فاتنة، مثيرة.. ذات شخصيّة جذّابة جدّا»(ص.116)

ولعلّ ما يميّز كتابات برهان شاوي، فضلًا عن أنّها روايات معرفيّة، هي فنتازيا الأحداث الروائية، تقرأ الفصول، فتجد نفسك أمام مشاهد سينمائيّة بتقنيّات الإخراج والتلاعب بالأبعاد المكانيّة وتغيير مسرح الأحداث؛ «يتّجه آدم نحو المقبرة، فيرتطم رأسه وكامل جسده بجدار غير مرئي. أراد أن يمشي لكنّه لم يستطع. لم يكن هناك أيّ شيء أمامه. كان المدى مفتوحًا أمامه.. لكن هناك حاجزًا غير مرئي يقف أمامه!»(ص.21)

أمّا «موظّفو «إستراحة مفيستو» فنسخ مستنسخة عن مدير الفندق، الحقيبة الجلدية التي عثر عليها في المقبرة إلى جانب الجثّة المقطوعة الرّأس ـ والتي هي نسخة عن مدير الفندق - في داخلها هويات هي صورة للشخص نفسه، يحملون الاسم نفسه: آدم» ويختلفون في الألقاب.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل