المحتوى الرئيسى

وليد شقير يكتب: قمة إسطنبول والمرحلة الجديدة | المصري اليوم

04/16 00:20

تثبت المداولات التى سبقت قمة دول منظمة التعاون الإسلامى فى اسطنبول حول العلاقات «الإيرانية- العربية» أن ثمة تعديلاً فى المناخ الدولى الانفتاحى تجاه طهران، والذى أشاعه مجىء الرئيس حسن روحانى إلى الرئاسة منتصف عام 2013، ثم توقيعها الاتفاق على ملفها النووى فى الصيف الماضى بينها وبين الدول الكبرى وكرّسه مجلس الأمن، وبعد سلسلة الزيارات التى قام بها روحانى إلى الدول الغربية، وكمية الاتفاقات الاقتصادية التى وقعتها طهران مع هذه الدول بعشرات بلايين الدولارات، فضلاً عن الزيارات المتوقعة من قادة غربيين للعاصمة الإيرانية.

ومع أن فقرات البيان الختامى للقمة التى تدين التدخلات الإيرانية فى الدول العربية لا تغير شيئاً فى وقائع الجغرافيا السياسية للصراع الدائر على امتداد الشرق الأوسط مع التمدد الإيرانى، فإن هذه الفقرات تعبر عن التعديل فى هذه الوقائع على امتداد السنة الماضية، وتحديداً منذ القرار السعودى بالتصدى العسكرى لرعاية طهران انقلاب الحوثيين وعلى عبدالله صالح على الشرعية فى اليمن، وسعيها لتهديد أمن المملكة العربية السعودية.

لم يكن اجتماع قادة المنظمة الثانية فى الأهمية على المستوى العالمى بعد الأمم المتحدة ليثير هذا المقدار من الاهتمام لولا جملة عوامل، أهمها أن ما يشبه الإجماع أخذ فى التبلور ضد السياسة الإيرانية التوسعية.

وإذا كان حضور الرئيس روحانى القمة، والذى فاجأ بعض الحضور الذين توقعوا غيابه عن منتدى عالمى يدين تدخلات بلاده ويحاصرها على المستوى الدبلوماسى، ويتهمها بخرق مبادئ حسن الجوار وميثاق الأمم المتحدة، محاولة منه لاستغلال العلاقة الإيجابية مع رئيس القمة، رجب طيب أردوغان، لتعديل رفض 56 دولة إسلامية سياسات إيران الاقتحامية لسيادة عدد من هذه الدول وأمنها تحت لافتة الإسلام وتصدير الثورة و«نصرة المظلومين فى العالم»، إلا أن ذلك لن يبدل كثيراً فى المشهد.

أثبت الإصرار السعودى على مواجهة التوسع الإيرانى أن أسلوب «الإغواء» الذى اعتادته طهران عبر ابتسامة وزير الخارجية محمد جواد ظريف وروحانى تارة، وأسلوب التمسكن والتظلم الذى اتبعته فى حملتها الدعائية، بالتوازى مع غطرسة قادة الحرس الثورى لفرض هيبة القوة على سائر دول المنطقة، والتى كانت مفيدة لفترة، لم تعد نافعة إسلامياً ودولياً. كما ثبت أن سياسة الترهيب التى تعتمدها لم تنفع فى حمل عدد من الدول التى طلبت الدبلوماسية الإيرانية منها التحفظ عن إدانة التدخلات الإيرانية فى البيان الختامى (ومنها الدولة الضعيفة لبنان)، فلم يأخذ أى من هذه الدول بالطلب الإيرانى.

باتت طهران التى كانت تطمح إلى تزعم العالم الإسلامى بفعل ما حققته من مكاسب على مدى العقود الماضية، فى موقع الدفاع عن نفسها فى منظمة التعاون الإسلامى، بموازاة صد تدخلها فى اليمن من دون إشراكها فى الحل السياسى الذى كانت تدعى القدرة على المساعدة فيه، اعتماداً على الأذرع التى اصطنعتها هناك (تبدأ المحادثات فى شأنه فى الكويت، الإثنين المقبل، لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216). كما أصبحت طهران بحاجة إلى إرسال مزيد من القوات إلى سوريا وتكبد الخسائر البشرية لتفادى الخسارة السياسية والدفاع عن مكاسبها بالإمساك بورقة الحرب السورية.

وهى تعتقد أن باستطاعتها أن تستلحق إمكان نجاح الجهود الدبلوماسية فى تقليص إمساكها بورقة سوريا، إذا تكرس نجاح موسكو فى تثبيت التسليم الأمريكى بأحقيتها فى النفوذ على بلاد الشام.

ومن بين العوامل التى أزعجت إيران النجاح السعودى فى التفاعل مع الجهود «الأمريكية- الروسية» لولوج الحل السياسى، رغم خرق الهدنة من قبلها ومن قبل بشار الأسد. فالسعودية، مع دعمها المعارضة السورية ومطلبها إسقاط الأسد، لعبت الدور الرئيس فى توحيد فصائل المعارضة السياسية والعسكرية فى الوفد المفاوض، كما باشرت فى تشكيل قوة إسلامية لمحاربة الإرهاب.

كرست قمة اسطنبول زعامة السعودية لمنظمة التعاون الإسلامى بعمل دؤوب، فهى انعقدت بزخم القمتين المفصليتين «السعودية- المصرية» و«السعودية- التركية» اللتين أطلقتا مرحلة جديدة من التعاون مع أكبر دولتين إسلاميتين فى المنطقة.

وإذا كانت طهران اعتمدت من أجل توسيع نفوذها على الانكفاء الأمريكى فى المنطقة نتيجة تجنب باراك أوباما التدخل العسكرى فى أزماتها والتوجه إلى شرق آسيا، فإن انخراط السعودية الفاعل فى الصراع يحتم على الرئيس الأمريكى البحث عن مقاربة جديدة غير تلك التى كشفها لمجلة «أتلانتيك» بأن على «السعوديين أن يتقاسموا الشرق الأوسط مع إيران».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل