المحتوى الرئيسى

الدولة الحائرة! | المصري اليوم

04/15 10:04

كانت طبول الحرب تدق مدوية لدك الأسوارالمنيعة وتنذر بزوال الإمبراطورية البيزنطية.

ورغم ذلك، انهمك رعاياها بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والدينية في مساجلات طويلة عن الألغاز وسبر الأغوار والبحث عن الأسرار.. أي أسرار..

سيطرت في مجلس الشيوخ التفاهات والتراهات على عقولهم، وظلوا يتشاحنون بشأن معضلة البيضة أم الدجاجة وأيهما جاء للحياة أولا، وهل كان جنس الملائكة ذكرا أم أنثى، إلى جانب جدليات العقيدة وطبيعة الإله ما بين ناسوت ولاهوت..

عقم فكري ساد بين أهل بيزنطة في ظل غياب الحقائق والمنطق السليم، عشقوا الجدل في جلساتهم العامة داخل أروقة التشريع وعلى مصاطبهم في الشوارع، فيما عرف عالميا وتاريخيا بـ«الجدل البيزنطي» الذي لا طائل وراءه، ومن ثم البوار والزوال.

والحق أن الجدل احتدم بشدة بين عموم المصريين، في الآونة الأخيرة، واتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي منصة للانطلاق وساحة للتنفيس عن مشاعر الخوف والقلق الشديد، وهو في طبيعته لم يكن جدلا بيزنطيا عقيما، بل إنه دار حول قضايا مصيرية كبرى.

صحيح انقسم المواطنون، إلى حليف وخصيم، إلى جائر ومستجير، إلى لاعن وملعون، وشاتم ومشتوم، إلى أدعياء المعرفة وإلى أوصياء الحكمة، ولكن هذا من ضرائب الديمقراطية التي يجب أن تسددها هي بنفسها ولنفسها.

فقد ظلت الحقائق غائبة أو مغيبة وسط مناخ من التعتيم وتغميق الصورة حتى صارت أكثر قتامة وعتامة بشكل يتعذر معه التعرف على الملامح الرئيسية فضلا عن التفاصيل.

وأرى والحال هكذا أن حالة من الحيرة تسيطرعلى أجهزة الحكم مثلما تنسحب هذه الحالة على شرائح المجتمع كافة.. ولا تعرف لذلك سببا اللهم إذا كان غياب التخطيط السليم وانعدام الرؤية وحجب المعلومات على رأس الأسباب جميعا.

فإذا كنا قد مررنا بتوصيفات سواء محلية أو دولية لماهية الدولة المصرية وشكلها في الفترة الأخيرة، من دولة انغلاق بوليسية في عهد عبدالناصر إلى دولة العلم والإيمان والانفتاح في عهد السادات، إلى دولة رخوة وفاشلة تحت حكم مبارك، ثم عميقة في عهد مرسي، فإني أحسبها في الوقت الراهن دولة حائرة.

إنها وحسبما أرى، تعاني أزمة مصارحة ومكاشفة تؤدي بنا إلى هذه الحيرة في معالجة الموقف وإدارة الأزمات.

بينما صارت الشفافية كلمة شديدة الابتذال فضفاضة على درجة كبيرة من السيولة والميوعة فقدت معناها الحقيقي بكثرة الاستخدام، وأضحت مرهونة بتوقيت غير محسوب لإطلاع الرأي العام، بل وتوجيهه والسيطرة عليه.

وأصبح هذا الرأي العام بدوره حائرا مغيبا إذا عرف شيئا يجهل أشياءً، فهل يعتمد المواطن على التخمين؟ الشك؟ الظن.. إن كل هذا لا يغني من الحق شيئا.

والحق أن ثمة اختلافا ما زال قائما حول ماهية النظام الحاكم هل هو بالفعل ديمقراطي ليبرالي حر يستحق المؤازرة والتأييد، أم ديكتاتوري فردي يحتاج إلى ترشيد وتصويب لأنه يضرب على حرية الرأي والتعبير بيد من حديد؟

ومن ثم من الصواب أن نرفض طرح رئيس الجمهورية، الذي ينم عن التقليل من قيمة الرأي والتعبير التي هي بمثابة القلب للحريات جميعا، أما «العمل» الذي قال الرئيس إنه أهم، فأرى أن الحكومة الحائرة أولا هي الأولى بهذه النصيحة.

فالعقل المصري النخبوي والعفوي يشعر بالإحباط الشديد إزاء تدني أداء الحكومة ومناخ الحيرة الذي تصدره الدولة في تناول المعضلات والأزمات المتلاحقة، مما يزيد من حاله تعثرا وخطاه ارتباكا وتفكيره تخبطا، ألا يعبر هذا العقل عن مكنون ما يراه دون ترهيب وتهديد؟

ثمة إجماع انعقد على أن الحكومة فعلها «مُر»، وعنوان برنامجها الفشل الذي يدفع ثمنه المواطن تعتمد على الشعارات دون تنفيذ برامج فعلية بتوقيتات محددة، بل وتمارس «كذبا صريحا» على الشعب، حسب اتهام عدد من نواب البرلمان لها في جلستهم الأخيرة.

حكومة تدعي في برنامجها أن نسبة البطالة تصل إلى 12%، بينما تنعدم فرص توظيف الشباب الذين صاروا مختبراً لرضاء الجماهيرالغفيرة عن مشروعات الدولة بينما تظهر قصورا ذاتيا في الخدمات التي تشمل التعليم والصحة والأمن وتطوير المرافق العامة وغيرها الكثير.

لقد توارت الحقائق التي هي بطبيعتها كالمعلبات لها فترة صلاحية، ينبغي الإفصاح عنها قبل أن تفسد ويتعذر بلعها ومن ثم هضمها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل