المحتوى الرئيسى

عندما تحرّم نقابة الموسيقيين الغناء في مصر

04/15 01:49

خطاب الأخلاق لا يقتضي فقط منع الروايات وحبس الروائيين بل يتدخل أيضاً في الموسيقى. هكذا تغدو الأغنيات السياسية والأغنيات ذات الإيحاء الجنسي ممنوعة.

يتصاعد فى مصر الآن خطاب الأخلاق، الذي يبدو لدى كثيرين متعارضا مع الفن والأدب. لم يكن حبس الروائى أحمد ناجى منفصلا عن ممارسات نقابة الموسيقيين التى خرج نقيبها هاني شاكر متباكيا على خطاب الأخلاق، ونصّب نفسه شرطيا على ملابس المطربات. في الجدل يتناسى شاكر مطرب «عيد ميلاد جرحي أنا» أن دور النقابة ووظيفتها يختص بتنظيم وتقنين أنشطة الفنانين وضمان حياتهم الاجتماعية والصحية ودعمهم بتوفير الفرص الفنية والتعليمية من دون التدخل في محتوى ما يقدمون وبالقطع ليس دورا رقايبا يتضمن المنع والإباحة أو التقييم من حيث الجودة، وهذه النقاط كلها غائبة عن نقاباتنا الفنية العربية، في حين التقطت الدور الرقابي لتقتصر عليه وظائفها لتساهم في ركب التخلف الثقافي الذي نعيشه بأكبر دور ممكن. وللأسف الدستور ينص على قانونية هذا الدور الرقابي لا التنظيمي فيما يخص مصر.

نقابة الموسيقين كانت بطلا في اختلاق أكثر من أزمة بينها وبين الساحة المستقلة الموسيقية التي لا داعم لها سوى مجهوداتها على الأغلب، آخر هذه الأزمات تبني مفهوم مخالفة نوع موسيقي بأكمله للآداب العامة والدين، وهو موسيقى الميتال، واتهمت مجتمع محبيه والقائمين على تنظيم حفلاته بعبادة الشيطان والترويج لهذه العبادة. بالرغم من ارتباط نوع معين من الميتال بمناقشة العقائد الدينية ـ وهو أمر مقبول ويحدث يوميا بين الناس ـ إلا أن إلصاق تهمة كهذه بشريحة من محبي الموسيقى كفيل بخلق أزمة تقترب من الأزمات الطائفية وتتسم بالعنف والعنصرية من عامة المجتمع الذي لايفقه شيئا عن تفاصيل هذه الأزمة تجاه محبي وممارسي هذا النوع من الموسيقى، في ظل أن عبادة الشيطان كما يقال أمر متاح عبر الانترنت ولا يحتاج لمجهود يذكر لممارسته.

كما يتناسى أن المنع والإباحة دور وهمي في ظل التقدم التكنولوجي الذي نعيشه وإمكانية إنتاج العمل أو المنتج الفني بأقل التكاليف والمعدات، وأيضا في ظل إتاحة وسائل التداول لهذا العمل وضمان انتشاره الناري في أقل وقت بأقل تكلفة، وبقاء التداول الشخصي كوسيلة للنقل يلغي إمكانية ممارسة الرقابة على كل حال.

نقطة أخرى مرتبطة بهذا المفهوم هي الآداب العامة، وهي في حد ذاتها أو الأخلاقيات مصطلح مبهم مائع ليس له توصيف محدد، ومرتبط بالمنع وتكريس التابوهات التي يجب على الفن تحديدا تناولها سواء في سياق العرض أو النقد أو كجزء من العمل الفني، وهو يناقض كل تفاصيل الحياة اليومية الواقعية من حيث احتواءها على كل هذه المحظورات كألفاظ أو مواقف أو مشاهد، مما يجعل هذا الصدام بين العمل الفني والواقع غير وارد على الإطلاق بل ومفتعلا وزائفا ويجعل الموقف بتبني هذه الأخلاقيات والتعامي عن الواقع وتورية المعاني والإشارة لها بغير ألفاظها أمرا غير حقيقي وموقفا مضادا للطبيعة الانسانية بغير شك. أما عن كون العمل الفني والمادة موضوع الجدل متاحا بانفتاح لفئات معينة من الجماهير خصوصا في ظل تطور وسائل النقل والعرض والتداول فهذا يعد قولا ساذجا لأن التعرض منذ الأزل قائم على الاختيار لا العلن من جانب المتلقي.

وكان بالأحرى على الرقابة الاهتمام بدورها التنظيمي حيث ليس للموسيقي المصري أي هيكل يدعمه من حيث التأمين الصحي أو فرص العمل أو المعاشات وحتى التعليم، وكان جديرا بالنقيب الاحتذاء بدوره تجاه إباحة موسيقى المهرجانات وأغاني ومغني أفلام المقاولات وتبني نفس الموقف تجاه نوع موسيقي عالمي له جمهوره في مصر، وعلى الأقل كان سيحسب له هذا الدور ضمن دفاعه عن حرية التعبير زيفا وإن لم يعني هذا خيرا من إدعاء حماية الفضيلة.

منذ إطلاعنا على الأغنية المسموعة بشكلها الحديث، أدركنا وجود الأغاني التي تتعدى حدود تلك (الآداب) المتفق عليها ضمنيا داخل إطار الفن، وهي تنقسم لقسمين يمكن حصر أغلبها داخله: الأغاني المحظورة أو الخارجة بالقول المتوارب أو الإيحاء وهي ما يدخل تحته النقد السياسي اللاذع ووصف العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بمراحلها والمساس بالمواقف الدينية، منها ما منع صراحة من النشر والإذاعة أو ما تم حظره بالسكوت الظاهر عنه اجتماعيا رغم تداوله في الظل شفهيا وعبر الوسائط المتاحة مثل النقد السياسي اللاذع الساخر المعتمد على الفكاهة كأغنية ذكرى الشهيرة عن الملك السعودي وأغاني الشيخ إمام من شعر نجم، النوع الثاني أغاني العوالم (الراقصات) والطقاطيق المصرية والتونسية في عشرينيات القرن الحالي ومنها القليل مثالا لذلك (على سرير النوم دلعني) لـ حبيبة مسيكة التونسية، (أنا مالي هي اللى قالتلي) لأمينة القبانية، و (أبو فروة) فاطمة سري، وبعض أغاني عبد اللطيف البنا ومنيرة المهدية وبديعة مصابني التي اشتهرت بالميوعة والغريب تداولها عبر اللهجة المصرية على الأغلب رغم جنسية المغني وربما رجع هذا لجنسية الكاتب والملحن، بعض أغاني سيد درويش مثل (على قد الليل) أغنية عدوية (لابس جبة وقفطان) التي سجن بسببها 1985 ليخرج بكفالة 200 جنيه وهو مبلغ كبير وقتها، وبالطبع أغاني الأفراح الريفية التي ما زالت متداولة حتى اليوم شفهيا ويجمع كل هذه الأنواع المواربة والإشارة للأفعال الجنسية والإيحاءات بدون تصريح وبغير استخدام ألفاظ صريحة متداولة، وحتى أغنية سعد لمجرد (انتي باغية واحد) وأغنية (زيزو) المنتشرة حاليا في شبكات التواصل الاجتماعي وتلعب على الافتراض العقلي للمستمع. يدخل ضمن هذا النوع أيضا الأغاني التى اقتربت من لمس التابوهات الدينية مثل الغزل أثناء الحج في أغنية طلال مداح (قف بالطواف)التي نفي بسبب أدائها، أو الحرب غير الخفية على أنواع موسيقية بعينها ارتبطت كلماتها بالخروج عن المألوف وتكسير الحدود ومناقشة العقائد مثل موسيقى الميتال التي تعد بمثابة تابوه في معظم مجتمعاتنا العربية عدا الواعي منها وهو قليل، هكذا في القرن الحالي بكل وسائل التكنواوجيا والانفتاح يتهم نوع موسيقي بأكمله بالدعاية لعبادة كيان وهمي شرير في ظل الجهل أو التجاهل المسيطر على المجتمعات.

النوع الثاني هو الأغاني التي تستخدم الألفاظ الصريحة اليومية التي لسبب ما تسمى بالبذيئة رغم أن حياتنا اليومية لا تخلو من سماعها أو استخدامها وهي مجرد انعكاس لواقعنا اليومي، وتختلف طبيعة تلك الألفاظ بين الشتائم بغرض السب وحتى تسمية الأعضاء والأفعال الجنسية بأسمائها الدارجة، وهي قليلة التدوين نظرا لرقابة المجتمعات ومدعين القيام على حماية الفضيلة فيها وأيضا نظرا للقوانين الرمزية الوضعية التي تعدها فعلا مخلا فاضحا فقط في حالة ثبوته أو تدوينه وهذا ما يصعب حدوثه في حالة الكلمة المنقولة شفهيا وفي حالة حيطة المغني إذ لا يوثقها باسمه خوف الإدانة.

يتضح هذا في أغاني الراي التي سميت بالراي الخاسر التي تضمنت إيحاءات وألفاظ جنسية صريحة والتي حظر إذاعتها القائمون على الحكومة الجزائرية في الثمانينيات من القرن الماضي عبر الراديو والتلفزيون، وهي بالمناسبة أغاني الفلكلور الصحراوية المتداولة شفهيا، أغاني «أميات نجيب سرور التى تم تلحينها وتذاع بشكل سري، أيضا في أغاني تشجيع الرياضات ومؤخرا اغاني الأولتراس تخترق حدود الآداب المسماة بالعامة لتلفظ الجمل كما هي من الحياة اليومية لتقترب بهذا من نوع موسيقي يتضمن استخدام صريح للشتائم كأساس من أساساته وهو الراب.

ومؤخرا في الدول العربية انتشر هذا النوع، في سوريا مع فراس الحمزاوى صديق عائلة الاسد صاحب أغنية (لطيزي لا ترجعي)، وإعادة كتابة بعض أغاني نجاة وأم كلثوم بألفاظ جنسية صريحة مثل الحب كله وزوروني كل سنة مرة ونشرها على الانترنت من دون معرفة المصدر، فرقة إيجي راب سكول التي تستخدم الشتائم لانتقاد الواقع المصري السياسي، وانتهاءً بأغاني المهرجانات الشعبية في مصر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل