المحتوى الرئيسى

ليس للولايات المتحدة حلفاء في الخليج

04/14 19:15

كثيرا ما تستخدم كلمة "حليف" في معجم واشنطن في الشرق الأوسط. وحان الوقت لكسر هذه العادة السيئة؛ لأن الحقيقة  أنه باستثناء تركيا ـ عضو حلف شمال الأطلسي ـ ليس لدى الولايات المتحدة  تحالفا واحدا مع أي من دول الشرق الأوسط. ومع اقتراب  القمة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض،  تزداد أهمية تعريف ما يشكل حقا تحالفا.

ولا يعني كل هذا عدم اهمية ان تعقد الولايات المتحدة تحالفات في المنطقة، ولكنها في الواقع الموضوعي لا تفعل ذلك.   وكثيرا ما تخطئ واشنطن تصوير روابطها مع عواصم الشرق الأوسط، ما يضر بتوقعاتها من الولايات المتحدة، وبالسياسات الأمريكية تجاه المنطقة. فضلا عن أنه ليس هناك  داع لإغضاب الدول التي تربطها بالولايات المتحدة  تحالفات حقيقية.

ويستخدم تعبير "الشراكة" و "التحالف" بنفس المعنى، في المناقشات حول السياسة العامة الأمريكية. غير ان هناك فارقا حقيقيا بين الاثنين. فإذا كان بلدان أو أكثر حليفان وبالتالي تجمع بينها معاهدة الدفاع المشترك، فكل من هذه البلدان يلتزم قانونا بأمن الآخر.

والدفاع عنه في حال تعرضه لهجوم. وعادة ما يصاحب هذه المعاهدة مقر دائم، وبعثات دبلوماسية، ومجموعة من البنى التحتية وعمليات الدعم. وفي الولايات المتحدة، يتطلب اتفاق الدفاع المشترك تصديق مجلس الشيوخ وإقراره. وأبرز مثال  على ذلك   التحالف، حلف شمال الاطلسي (ناتو).

أما إذا ضمت بلدين أو أكثر شراكة أمنية، فلا تلتزم عادة بالدفاع عن بعضها البعض في أي حالة  هجوم. وفي معظم الحالات، إن لم تكن كلها، لا يوقع الشركاء اتفاقيات دفاع مشترك، على الرغم من أنهم  يتشاركون في مختلف أشكال التعاون الأمني. ولا تستلزم مثل هذه العلاقات بنية تحتية ضخمة. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك الشراكات الأمنية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى الرغم من الفارق الواضح، ظل رؤساء الولايات المتحدة وكبار المستشارين السياسيين والعسكريين يشيرون إلى عدد كبير من دول الشرق الأوسط التي تربط الولايات المتحدة بها علاقات وثيقة  باعتبارها دولا حليفة، وهذا غير صحيح. وعلى سبيل المثال، ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا في الجامعة الأميركية في الخامس من أغسطس٢٠١٥ قال فيه: "تقل ميزانية الدفاع الايرانية، ثماني مرات عن الميزانية المجمعة لحلفائنا في الخليج."  

كما ذكر ذلك مؤخرا وزير دفاعه آش كارتر ـ في ثلاث مناسبات منفصلة: في يناير من العام الحالي ضمن تصريحات على هامش المنتدى الاقتصادي  العالمي في دافوس. وفي السادس من نوفمبر 2015، في حديث لجيفري جولدبرج  نشرته صحيفة أتلانتك. ثم في طريقه إلى تل أبيب يوم 19 يوليو 2015 (في الواقع، استخدم هذا التعبير أربع مرات خلال نفس الخطاب) كما وقع وزير الخارجية جون كيري  في نفس الخطأ يوم 24 يناير من العام الحالي، عندما قال في سفارة الولايات المتحدة في الرياض: "لدينا  تحالفا واضحا مع المملكة العربية السعودية مثلما كنا دائما.”

ولم يكن أداء الإدارات السابقة أفضل حالا. فقد أخطأ التعبير ـ في مناسبات عدة  ـ كل من الرئيسين بوش، ورونالد ريجان، وجيمي كارتر ومسئولي الأمن القومي في هذه الإدارات  أيضا، في. ويشير أعضاء من الكونجرس باستمرار إلى مختلف دول الشرق الأوسط كحلفاء، بينما تأخذ إسرائيل حصة الأسد من هذا التعبير.  كما اقترفت وسائل الإعلام الأمريكية نفس الخطأ، أيضا، عندما يتعلق الأمر بعلاقاتنا مع دول المنطقة،  فكثيرا ما تجافي الدقة بعضا من أكثر الصحف احتراما بما في ذلك واشنطن بوست ونيويورك تايمز.

ومن المستحيل تقريبا حساب عدد المرات ورود كلمة "حليف"  في تعليقات المتخصصين البارزين في السياسة الخارجية، في سياق الحديث عن الشرق الأوسط.

ويعزى هذا الخطأ إلى سببين على الأقل: الأول، الارتباك. فليس هناك على الارجح  سوء نية في الأمر. وفي الواقع، لا يعتبر عدم الدقة التاريخية  والواقعية، سواء في الكلام أو الكتابة،   أمرا جديدا. ولغياب من يشير إلى الخطأ عادة، فسوف يستمر ارتكابه. ثانيا، تبالغ واشنطن أحيانا في طمأنة الدول التي نهتم بأمرها، وهو ما يثير الشك في التزامنا عندما نصفهم بالحلفاء، على الرغم من انه خطأ  خطير من الناحية التقنية والأخلاقية.

ونظرا لهذين السببين، وربما غيرهما أيضا، يمكن للمرء أن يتفهم أن التمييز بين الشراكة والتحالف ليس له صلة  بالسياسة العالمية، كما انه مفرط في القانونية.

فإذا تعرضت إسرائيل، أو الأردن، أو مصر، أو أي دولة خليجية  لهجوم من قبل إيران، لن تكون الولايات المتحدة بحاجة  إلى قصاصة من الورق، كي تتدخل عسكريا دفاعا عن أصدقائها.  فعلى سبيل المثال، لم يكن لدى الكويت معاهدة دفاع  مشترك مع الولايات المتحدة، في حرب الخليج 1990-1991. لكن واشنطن تدخلت بقوة وحزم، جنبا إلى جنب مع التحالف الدولي الذي شكلته.

غير أن اتفاقية الدفاع ـ العنصر الأهم في التحالف بين الدول ـ ليست مجرد قصاصة تافهة أو زائدة من الورق؛ لكنها آلية خطيرة جدا، واضحة، مؤثرة، ورسمية تحدد الولايات المتحدة من خلالها أولويات  علاقاتها مع الدول الأخرى. وهي تمثل رسالة واضحة للغاية وقوية بشكل ملحوظ  تعبر عن الاتحاد في مواجهة الخصوم، وتوفر نوعا أقوى من الطمأنينة الأمنية للحلفاء.  ولعله لهذا تتفادي روسيا العبث مع أي من أعضاء حلف شمال الأطلسي، بينما  تتجرأ على قهر الدول الأوروبية غير الأعضاء في الحلف مثل أوكرانيا، وجورجيا، والسويد، وفنلندا.

ومن المستبعد ان تتكرر تجربة الكويت. ولن تقع التهديدات اليوم في صورة تشكيلات دبابات تعبر الحدود، أوطغاة مجانين عازمين على احتلال  الأراضي. ولكن  المعارك في الحاضر والمستقبل، ستجري في الظل وفي عالم الأفكار،  خاصة في منطقة الشرق الأوسط. فضلا عن أن الولايات المتحدة تمتع بتفوق عسكري في المنطقة، سوف يواصل  الحيلولة دون قيام حرب التقليدية في ذلك الجزء من العالم.

غير أن إيران، بعد رفع العقوبات، يمكن أن تتصرف على نحو أكثر جرأة وتهورا،  قد يؤدي إلى نشوب نزاع. ومن المحتمل أن تتدخل الولايات المتحدة في حالة حدوث مواجهة بين إيران وأي من شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مثلما فعلت ضد صدام. غير أنها قد لا تتدخل أيضا، لأنها ببساطة ليست  ملزمة من الناحية القانونية  بالقيام بذلك، نظرا لعدم وجود معاهدة دفاع ملزمة للطرفين.

وبطبيعة الحال، لا تعتبر معاهدات الدفاع شيكا على بياض، يمكن صرفه تحت أي ظرف من الظروف (على سبيل المثال، رفضت الولايات المتحدة مساعدة تايوان في معركة كينمن وماتسو عام 1955، ولم تهب لنجدة  الفرنسيين في معركة ديان بيان فو  عام 1954 ).

وعلى الولايات المتحدة، إعطاء الأولية لمصالحها دائما. ولكن  قد يكون لأي انتهاك يقع، تكلفة سياسية خطيرة في الداخل، أو يهدد  السمعة في الخارج. فإذا تخاذلت الولايات المتحدة عن التزاماتها الأمنية تجاه دولة ـ كبير ة أوصغيرة ـ عضو في حلف شمال الاطلسي، سوف يمثل ذلك تهديدا خطيرا لوحدة واستمرار التحالف. وينطبق الأمر نفسه على حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في آسيا وأمريكا اللاتينية، وغيرها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل