المحتوى الرئيسى

العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد

04/14 09:00

قدم الرئيس المصري د. محمد مرسي لهذا الكتاب باعتباره يمثل تأصيلا لتاريخ العمل المشترك بين الدول الإسلامية، من خلال تتبع المؤلف لخطوات البناء الهيكلي والعملي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ثاني أكبر المنظمات في العالم من حيث عدد الأعضاء بعد منظمة الأمم المتحدة، وأشار د. مرسي إلى الأهمية التي يكتسبها الكتاب من عمق تجربة مؤلفه أكمل الدين إحسان أوغلو الفكرية والسياسية، ليس فقط باعتباره المسؤول الأول عن المنظمة الإسلامية، ولكن باعتباره أكاديميا مرموقا، ومفكرا بارزا، ومديرا عاما لمركز التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول.

والكتاب يروي بشكل عام قصة ميلاد منظمة المؤتمر الإسلامي ونموها وتطورها، وما واجهته من مصاعب وتحديات، وما حققته من نجاحات، كما يلقي الضوء على فترات الركود وتراجع الأداء داخل منظمة كبيرة تضم 57 دولة، ودور المنظمة في تعزيز السلام وفض المنازعات بهذه الدول، وجهودها في دفع حركة التعاون الاقتصادي والتجاري بين أعضائها.

يستعرض المؤلف في الفصل الأول محاولات الحفاظ على رابطة للتضامن السياسي بين دول العالم الإسلامي عقب سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وحتى ميلاد منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1969، ومن أبرز هذه المحاولات مؤتمر القاهرة في مايو/أيار 1926، برعاية ملك مصر فؤاد الأول، ومؤتمر مكة في يونيو/حزيران من نفس العام بدعوة من الملك عبد العزيز آل سعود، وشارك فيه عشرات من ممثلي دول العالم الإسلامي، وكان من بين الموضوعات التي ناقشها وضع إطار تأسيسي لمنظمة دائمة تسمى "مؤتمر العالم الإسلامي" تجتمع سنويا في مكة.

وأشار الكتاب إلى المؤتمر الذي دعا له مفتي فلسطين الأشهر الحاج أمين الحسيني عام 1931، وعقد في القدس، لمناقشة أحوال العالم الإسلامي، وسبل مواجهة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وحضرته وفود تمثل دولا إسلامية عديدة، كما أشار إلى مؤتمر كراتشي، في باكستان عام 1949، حيث بعثت فكرة "مؤتمر العالم الإسلامي" من جديد، ووضعت لها الجوانب التأسيسية النهائية في المؤتمر التالي عام 1951، في كراتشي أيضا، والتي تقرر أن تكون المقر الدائم للمؤتمر.

وفي عام 1954 بدأت مصر والسعودية وباكستان محادثات بخصوص تأسيس مؤتمر إسلامي عام، وتمت المصادقة على ميثاقه عام 1956، وأسست أمانة دائمة له في القاهرة، وعين أنور السادات أمينا عاما له، إلا أن هذا المؤتمر لم يدم طويلا، حيث انسحبت باكستان منه عام 1957، ونشبت خلافات بين مصر والسعودية عام 1958 أدت إلى تجميده.

ويتوقف المؤلف أمام مبادرة ماليزيا عام 1968، عندما أعلن رئيس وزرائها حينذاك تكنو عبد الرحمن الحاج الذي أصبح فيما بعد أول أمين عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، عن استضافة مؤتمر إسلامي، وأرسل مبعوثا إلى عدد من الدول الإسلامية يحمل اقتراح إنشاء "كومنولث" يضم بلدان العالم الإسلامي، وخرجت الفكرة إلى حيز الوجود في أبريل/نيسان 1969 بانعقاد المؤتمر الإسلامي العالمي في كوالالمبور، بمشاركة 23 دولة.

لكن كل هذه الجهود من الدول والشخصيات الإسلامية لم تسفر عن ميلاد حقيقي ومؤسسي للمنظمة الإسلامية إلا بعد أن اهتز العالم الإسلامي بنبأ إقدام متطرف يهودي على إحراق المسجد الأقصى في أغسطس/آب 1969، وأرسل الحاج أمين الحسيني برقيات إلى جميع زعماء دول العالم الإسلامي يطالبهم بعقد قمة إسلامية عاجلة للتشاور بشأن العدوان على المسجد الأقصى، ورغم الخلافات العميقة بين عدد من الدول الإسلامية المهمة، فقد نجحت جهود المملكة المغربية في استضافة أول قمة إسلامية في 22 سبتمبر/أيلول من نفس العام.

ويرى المؤلف أن هذا الاجتماع التأسيسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي مثل حدثا تاريخيا هاما، ليس فقط بميلاد أول منظمة إسلامية حكومية دولية في العصر الحديث، وإنما أيضا لأن القرارات والتسويات التي صدرت عن المؤتمر بشرت بعصر جديد تصبح فيه التعددية الدينية والفكرية والعرقية التي تميز العالم الإسلامي جزءا لا يتجزأ من عملية صنع القرار الخاص بالمنظمة الناشئة.

ويخصص المؤلف فصلين من الكتاب لتناول خطوات بناء المنظمة وتكوين مؤسساتها عبر المحطات الرئيسة المتمثلة في اجتماعات الدول الأعضاء على مستوى القمة، أو على مستوى وزراء الخارجية، كما يتناول الجهود التراكمية لإصلاح المنظمة من خلال مراجعة ميثاقها، وتجديد الدماء في أمانتها العامة.

ويرصد تطور العضوية واتساعها عبر سنوات التكوين، ففي حين شاركت 25 دولة فقط في القمة الأولى، تنامى الانضمام إلى المنظمة سريعا خلال عقدي السبعينات والثمانينات حتى وصل عدد الدول الأعضاء إلى 45 دولة عام 1986.

ومع دخول عقد التسعينات انضمت الدول الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي، كما شاركت منظمة التحرير الفلسطينية كعضو مراقب منذ تأسيس المنظمة وحتى عام 1974، ثم حصلت على العضوية الكاملة بعد ذلك التاريخ.

ومع تزايد الانتقادات الموجهة لأداء المنظمة، توالت محطات الإصلاح، والتي يرى المؤلف أنها بدأت بمؤتمر نيامي عاصمة النيجر، عام 1982، حيث تبنى هذا المؤتمر ما عرف بقرار "إصلاح المنظمة" وأقر أن هناك حاجة ماسة للتنسيق بين لجانها ومؤسساتها لمنع ازدواجية عملها، ولإزالة العقبات أمام مسيرتها.

وأوكل الاجتماع إلى الأمين العام مهمة تشكيل لجنة من الخبراء الحكوميين لدراسة أعمال جميع الأجهزة المتفرعة والمؤسسات والمراكز العاملة تحت مظلة المنظمة.

ولم تتوقف الجهود الإصلاحية للارتقاء بعمل المنظمة خلال ثلاثين عاما تلت مؤتمر نيامي، لكن المؤلف يرى أن جميع مبادرات الإصلاح باءت بالفشل، وظهر جليا أن الحاجة ملحة إلى إصلاحات جذرية في ميثاق المنظمة، وفي طرق تعيين الموظفين العاملين بها، لتكون لديهم القدرة والكفاءة على تنفيذ الإصلاح وتفعيل قرارات المنظمة في الواقع.

ويعرض المؤلف بعضا من جهوده الشخصية كأول أمين عام منتخب للمنظمة، في المؤتمر 31 الذي عقد في يونيو/ حزيران بمدينة إسطنبول، ومنها إعادة هيكلة الأمانة العامة للمنظمة، بعيدا عن المحاباة، ومواجهة شح الموارد المالية، ومراجعة الميثاق، وإصلاح مجمع الفقه الإسلامي، وإعادة تنظيم وكالة الأنباء الإسلامية، وصندوق التضامن الإسلامي، وإنشاء صندوق مكافحة الفقر، وغير ذلك.

ويتناول المؤلف دور المنظمة في التعامل مع قضايا الإساءة إلى المسلمين أو مقدساتهم، عبر نهج مختلف من الدبلوماسية النشطة، ومحاولة احتواء المشكلات قبل تفاقمها، أو تخفيف آثارها إذا تعمقت، من خلال التواصل البناء مع حكومات الدول ذات الصلة.

ويضرب المؤلف مثالا لهذه الجهود بأزمة الرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية المسيئة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، التي نشرت في صحيفة يولاندز-بوستن في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2005، حيث أرسل الأمين العام للمنظمة خطابات إلى كل من رئيس الوزراء الدانماركي آنذاك أندرس فوغ راسموسن، ناشده فيه العمل على منع تصعيد أكبر للتوتر، باتخاذ موقف واضح حيال القضية.

وأرسل الأمين العام أيضا خطابا إلى وزير الخارجية السلوفيني ديمتري روبل بوصفه رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي ألقى المؤلف أمامها خطابا انتقد فيه رد الفعل الفاتر من قبل السلطات الدانماركية.

ويرى المؤلف أن هذه الجهود الهادئة آتت ثمارها، فبعد ثلاثة أشهر من الصمت، وصف مفوض العدل في الاتحاد الأوروبي فرانكو فراتيني نشر الرسوم بأنه "عمل طائش وغير حكيم" كما صدق 46 من وزراء الخارجية في المجلس الأوروبي على قرار يقضي بضرورة التزام الدانمارك باتفاقية الأقليات، كما أكد رئيس الوزراء الدانماركي أن بلاده تدين أي فعل أو تعبير أو إشارة تحاول ازدراء فئة من الناس بسبب خلفيتهم الدينية أو العرقية.

ويخصص المؤلف الفصل الأخير من كتابه لرصد مشاريع التعاون التجاري والاقتصادي بين أعضاء المنظمة، ويشير إلى تدشين صندوق التضامن الإسلامي عام 1974، بوصفه أحد أجهزة المنظمة المنوطة بتوفير الدعم المادي للأنشطة الاقتصادية والتعليمية والثقافية في العالم الإسلامي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل