المحتوى الرئيسى

"داعش" يفقد التأييد في ليبيا

04/13 21:40

في سيارة متهالكة، تكدست عائلة من تسعة أفراد لتنضم إلى الفارين من سرت معقل تنظيم "داعش" في ليبيا.

كانوا متجهين إلى بلدة قريبة لإحضار الضروريات.. النقود والدواء والطعام.

على مبعدة بضعة كيلومترات خارج منطقة سيطرة التنظيم المتشدد تتحدث العائلة عن الحياة في المدينة. شبان يقتلون لرفضهم مبايعة "داعش" والضرب علناً لانتهاك القواعد التي يفرضها المتشددون لارتداء الملابس ومصادرة الممتلكات إلى جانب نقص الغذاء المتزايد.

تقول الزوجة من وراء نقابها الأسود، بينما يحدق أبناؤها بقلق من مؤخرة العربة بعد ظهر أحد الأيام في أواخر شباط الماضي: "هم هناك ليستولوا على المدينة"، مشيرة إلى أنهم "يقتلون ويخطفون ويقومون بالتعذيب".

تبدّلت سرت من حال إلى حال، بعد أن كانت تلقى معاملة مميزة من الزعيم الراحل معمر القذافي الذي ولد فيها، أصبحت الآن قاعدة تطل على البحر المتوسط لأهم فرع لتنظيم "داعش" خارج سوريا والعراق. وضع هذا أجهزة الإستخبارات الغربية أمام صعوبات لتحديد إلى أي مدى يمكن أن يبسط التنظيم نفوذه في ليبيا وكيف يمكن منع ذلك.

يعتبر بعض المسؤولين الليبيين والغربيين، أن سرت موطئ قدم يستطيع تنظيم "داعش" التوسع من خلاله. من هناك امتد نفوذ التنظيم المتشدد شرقاً على الساحل ليقترب من حقول النفط الرئيسية. وهو يسيطر حالياً على شريط رفيع من الأرض على امتداد نحو 250 كيلومتراً من ساحل وسط ليبيا.

وعلى الرغم من أن حجم القوة البشرية الحقيقي لـ"داعش" في ليبيا غير مؤكد، فإنّ الإنضمام لعضوية التنظيم في تزايد. وتقدر أجهزة إستخبارات غربية والأمم المتحدة أن قوته القتالية التي تشمل عدداً متزايداً من الأجانب تتراوح بين ثلاثة وستة آلاف فرد.

ويوضح آمر غرفة عمليات الجيش لمدينة مصراتة، محمود زقل، أن "حلمهم هو السيطرة على الحقول النفطية في الشرق والتمدد إلى الغرب إلى طرابلس ومصراتة".

لكن الوضع ما يزال يلفه الكثير من الغموض، وربما يواجه تنظيم "داعش" صعوبة للسيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد.

يقول رئيس القيادة الأميركية في أفريقيا، الجنرال ديفيد إم. رودريجيز، في تصريحات صحافية أدلى فيها في واشنطن في 8 نيسان الحالي، إنه سيكون من الصعب على تنظيم "داعش" أن يسيطر على مساحات كبيرة من ليبيا "لأنهم ليس لديهم العناصر المحلية التي تعرف الكثير عن ليبيا على غرار ما حدث في العراق وسوريا، مضيفاً: "الليبيون لا يقبلون... التأثيرات الخارجية".

رسخ تنظيم "داعش" وضعه في سرت في حلول أوائل العام 2015. وأهملت الفصائل الليبية الرئيسية المدينة منذ قتل القذافي هناك في العام 2011.

يحكي عميد بلدية سرت مختار خليفة المعداني، الذي غادر المدينة في آب العام الماضي عندما كثفت "داعش" حملاتها، قائلاً إن التنظيم استغل الانقسامات التي تعانيها المدينة بذكاء. ويلفت الانتباه إلى أن سرت بها خليط من قبائل كثيرة وأن التنظيم استفاد من ذلك، مشيراً إلى أن لديه عناصر من كل قبيلة في سرت تدعمه وأنه استغل ذلك لتمزيق نسيجها الاجتماعي.

يقول مسؤولون ليبيون، إن التنظيم أقام ما يشبه الدولة البدائية في المدينة. فهو يجبي الضرائب ويوجه التعليم الديني ويبث رسائله عبر الإذاعة ويفرض حكمه بممارسة المزيد من الوحشية. كما يجني المال من خلال الخطف وبيع المسروقات وتهريب المخدرات وربما تهريب اللاجئين.

وتصف امرأة غادرت المدينة في كانون الثاني بعد أن خطف متشددو "داعش" زوجها بخمسة أشهر، كيف يصلب الرجال الذين يتهمون بالتجسس وتربط جثثهم بقضبان لأيام، وكيف تجلد النساء اللاتي يخالفن قواعد الزي التي يفرضها التنظيم حين تضبطهن عناصره النسائية المكلفة بذلك.

وتقول المرأة التي فرت حين طلب من إبنها المراهق الإبلاغ عمن يدخنون أو يشربون الخمور، إن "الناس لا تقاوم لأنهم مذعورون".

وفي حين تجبر الفتيات المراهقات على ارتداء العباءات والنقاب، فإنه يتم تجنيد الصبية ليكونوا ضمن "أشبال" "داعش".

وقد تناول تقرير صدر عن الأمم المتحدة حالة اثنين من المجندين يبلغان من العمر 10 و14 عاماً قالا إنّ "داعش" اختطفتهما من أسرتيهما ثم خضعا لتدريب ديني وعسكري لأسابيع وأجبرا على مشاهدة مقاطع فيديو لعمليات ذبح وتعرضا لانتهاكات جنسية.

يقول مسؤولون وسكان ليبيون، إن في سرت وخارجها تُعرض على المجندين وبينهم بعض اللاجئين، أضعاف متوسط الرواتب بالإضافة إلى مغريات مثل السيارات والزوجات.

وكما في العراق اعتمد التنظيم بشدة على أنصار نظام صدام حسين السابقين. استعان في ليبيا بعناصر من عهد القذافي لكن بدرجة أقل.

ويقول آمر قوات الردع في طرابلس، عبد الرؤوف كارة، والتي تتألف من أكثر من 600 رجل وتحول تركيزها من مكافحة الرذيلة إلى استئصال شأفة متشددي "داعش"، إن "التنظيم له تواجده الخاص به".

ويشير إلى أن "بعض الأشخاص الداعمين للقذافي انضموا لينتقموا ولكن لا نستطيع القول إنه تنظيم معتمد على أنصار القذافي".

لم يكن تقدم "داعش" في ليبيا سهلاً. فالتنظيم يتنافس مع شبكة معقدة من الفصائل المسلحة الراسخة في بلد لا يعاني من الانقسام المذهبي الذي استغله التنظيم المتشدد في العراق وسوريا.

ومُني التنظيم بهزائم عسكرية. ففي مدينة بنغازي شرق ليبيا، استعاد الجيش أراضي من التنظيم في غرب صبراتة وطردته فصائل محلية بعد غارة جوية أميركية في شباط الماضي.

ويقول سكان سرت ومسؤولون ليبيون، إن المقاتلين الأجانب يهيمنون على التنظيم المتشدد على نحو متزايد في مؤشر محتمل على أنه ليست له جاذبية بين السكان المحليين.

وفي اعتراف نادر بالضعف، يقر عبد القادر النجدي زعيم "داعش" في ليبيا، الشهر الماضي، بأن التنظيم يجد صعوبة في تكرار النجاح الذي حققه في سرت، ويضيف في مقابلة مع صحيفة "النبأ" التابعة للتنظيم، أن عدد الفصائل والخلافات بينها من أسباب الفشل وإن بقية مدن ليبيا مثل حي على ذلك.

تحت السطح في سرت، تعتمل المعارضة. ففي آب الماضي، حمل سكان السلاح بعد مقتل إمام لرفضه مبايعة "داعش". وقتل العشرات وتم سحق الانتفاضة.

ويقول أحد السكان الذي سافر إلى مصراتة للحصول على علاج لوالده: "كل من بقي في مدينة سرت معارض لتنظيم داعش ولكن لا يستطيعون فعل أي شيء لمقاومتهم".

وتعتمد قدرة ليبيا على محاربة "داعش" إلى حد بعيد على تحالفين عسكريين رئيسيين في البلاد، وهما متحالفان مع قاعدتي نفوذ متنافستين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب.

وتعلن الجماعات من حين لآخر عن خطط للتعامل مع "داعش" لكن تحركاتها غير منظمة.

في منطقة "الهلال النفطي" إلى الشرق من سرت تصدى حرس المنشآت النفطية لهجمات بينما اشتكى من أن قوات الجيش الذي كان متحالفاً معها فيما سبق، لا تقدم أي دعم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل