المحتوى الرئيسى

عبدالرحمن الراشد يكتب: مصر شأن استراتيجى للخليج | المصري اليوم

04/13 01:54

نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط

لم يتبدل الأمر كثيراً يوم كانت مصر ملكية فى عهد فؤاد، ثم فاروق، ويوم تحولت إلى ثورية جمهورية، ثم اشتراكية، ولاحقاً ساداتية كامب ديفيدية، وكذلك فى عهدى حسنى مبارك، ومحمد مرسى الإخوانية.. السعودية، ومجموعة دول الخليج العربية، تعتبر مصر عموداً أساسياً فى حساباتها الاستراتيجية، وعندما اضطربت العلاقة مرة واحدة، لنحو خمس سنوات، فى الستينيات، اضطربت المنطقة كلها، وعادت فور حرب 1967 إلى مسارها التاريخى، فاستقرار المنطقة يقوم عليهما.

وهذا يفسر الضجيج الهائل الذى أحدثته المعارضة المصرية، فى الخارج تحديداً، والقوى المتحالفة معها، قبيل وخلال زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر. فالمعارضة كانت تريد إحراج الرئيس عبدالفتاح السيسى، والحكومة المصرية، لأنها تعرف سلفاً أنها لا تستطيع منع الزيارة، التى اتضح لاحقاً أنها أهم زيارة فى طبيعتها، منذ زيارة الملك فيصل إلى جمال عبدالناصر، التى صححت ورسخت العلاقة، فى عام 1969، والتى نراها اليوم.

المعارضة بالغت فى رواياتها عن الخلافات السعودية - المصرية إقليمياً، واعتمدتها للتشكيك فى إمكانية نجاح الزيارة، إلا أن المفاجأة أن الاتفاقيات ونوعيتها بين البلدين التى وقعت أكبر من كل توقعناه، ولم يسبق لها مثيل، جاءت مفاجئة حتى للذين يعرفون عن حميمية العلاقة بين الملك والرئيس. ومعظمها مشاريع استراتيجية، أبرزها الإعلان عن بناء جسر يربط بين البلدين، والقارتين، آسيا وأفريقيا. جسر الملك سلمان، الذى أعلن عنه، لا يقل أهمية عن جسر السلطان محمد الفاتح، أى جسر البوسفور التركى الذى يربط بين آسيا وأوروبا، وسيصبح بعد بنائه الممر الأول جغرافياً بين البلدين. شملت الاتفاقيات الربط الكهربائى، والإعلان عن إعادة الجزيرتين تيران وصنافير إلى السعودية، وخمس عشرة اتفاقية مهمة أخرى ستعمق العلاقة بين ضفتى البحر الأحمر.

عند المعارضة المصرية، وكذلك خصوم الخليج، والسعودية بشكل خاص، نظرة قصيرة المدى، هدفها تخريب العلاقة لخدمة مصالحها الآنية، لكن بالنسبة للقاهرة والرياض منذ عام 1936 العلاقة بين البلدين شأن استراتيجى، لا يسمحان لميزان العلاقة بأن يهتز بسبب اختلاف حول مواقف ثنائية فرعية، أو وجهات نظر بشأن أحداث إقليمية، أو مقالات صحفية. السياسيون المحنكون يفرقون بين الاستراتيجى والفرعى، بين الأهداف العليا والمبادرات التكتيكية، بين الخلافات والاختلافات، ويتركون فى حساباتهم مساحة للحركة، والتنوع، وحتى للاختلاف.

ألا توجد مشكلة فى العلاقة السعودية - الخليجية، مع مصر؟

المفارقة أن معظم الشكوى بين الجانبين، التى دأبنا على سماعها، يتمحور حول ضعف تنفيذ التعاون المتفق عليه، أى أن الجانبين يطمحان لتعاون أكبر، لكن آلية العمل غالبا ما تواجه معوقات ليست سياسية البتة. الخليجيون يريدون زيادة نشاطهم الاستثمارى والاقتصادى فى مصر، والمصريون يطالبون بالشىء نفسه، والذى يفشل الأعمال المشتركة، سواء على مستوى القطاع الحكومى أو الخاص، هو البيروقراطية القديمة، عدوهم الأول، أكثر من أى عدو آخر متربص. هناك طموحات كبيرة جداً، لكن بكل أسف قزمتها الأنظمة التى لا تواكب العالم الجديد، وكذلك حراس البيروقراطية، الذين يفوتون فرص الانتقال التنموية الهائلة المُحتملة. بالنسبة لدول الخليج فإنها باستثماراتها المالية الكبيرة، وشراكاتها التجارية الدولية بالعمل مع الشركاء المصريين والسوق الأضخم فى المنطقة، تستطيع تحويل مشاكل مصر التنموية إلى مزايا، تحول التضخم السكانى مثالاً إلى قوة لمصر والمنطقة، تجعلها فى مقدمة نمور العالم. الفائض المالى مع الفائض البشرى يتطلبان قرارات سياسية شجاعة لتجاوز السرعة البطيئة.

المصريون والخليجيون والعرب جميعهم يريدون الخروج من أزمة الفشل المزمن، والحق يقال إن الاتفاقيات الطموحة التى وقعها الملك سلمان والرئيس السيسى تعبر عن آمال شعوب المنطقة بمستقبل أفضل مما نحن فيه. الشعوب تريد حكومات تتفرغ للبناء والتطوير، وتلبية حاجاتها، وليس مواقف سياسية وبيانات مكررة. هذه المشاريع الموعودة تمثل أكبر برنامج عمل بين بلدين فى المنطقة، لهذا كانت أخبارها سعيدة إلا للمعارضة. كل هم الناشطين، فى المعارضة، إفشال أى تعاون، من أجل البرهنة على فشل الحكومة، ومحاصرتها فى زاوية ضيقة، فى حين أن معظم القضايا التى بحثت فى زيارة العاهل السعودى إلى مصر مسائل تنموية تهم حاضر ومستقبل مائة مليون مصرى وسعودى، من أجل حياتهم ومستقبل أطفالهم بعيداً عن العبث السياسى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل