المحتوى الرئيسى

نوارة نجم تكتب: السادة خبراء خيانة الوطن

04/13 00:34

لي صديقة مقيمة في الصين، بالأحرى، قد هاجرت إلى الصين. وبما إنها ستقضي بقية عمرها في الصين، فقد قررت أن تتعلم اللغة الصينية. بالفعل التحقت بكورس لتعليم اللغة الصينية، وكان الفصل الدراسي يضم عددا كبيرا من الدارسين للغة، من مختلف الجنسيات.

ذات يوم، قالت المعلمة الصينية للطلبة: فليشرح كل منكم باللغة الصينية، ما يعجبه في بلاده.. ولنبدأ بـ… وبدأت بإحدى الطالبات الأمريكيات.

قالت الطالبة الأمريكية: أكثر ما أحب في بلادي هو الآثار التاريخية.

فلم تتمالك صديقتي إلا أن “رقعت” ضحكة مصرية اهتزت لها أرجاء القاعة الدراسية، وربما المبنى بأكمله. اربد وجه الطالبة الأمريكية، بينما بدا الحرج على المدرسة وارتسم الاندهاش على وجوه الطلبة. سألتها المعلمة بابتسامة تخفي بها حرجها: ما الذي يضحكك؟

فقالت لها صديقتي: لا أبدا.. أصلي مصرية.

فانفجر الفصل الدراسي كله بالضحك، مما ضاعف من امتعاض الأمريكية، وحرج المعلمة التي حاولت تدارك الموقف باستخدام حيلة ذكية لتلطيف الجو والتهوين على الأمريكية، فسألت صديقتي: طيب لو أنت أمريكية، كنت حتقولي إنك بتفتخري بإيه في بلدك؟

على اعتبار إنها تقوم بوضع صديقتي في مربع تضطر فيه لمدح الولايات المتحدة الأمريكية، مما سيرفع الحرج. لكن يبدو أن صديقتي أصرت على الرذالة، فأجابت على الفور: باسبوري.. الباسبور الأمريكي أفضل ما يميز أمريكا.

ابتسمت صديقتي وهي تحكي لي وقالت: بقت البت الأمريكانية بتطلع دخان من ودانها.

فقلت لها: طب ليه يا نهى رذلتي عليها كده؟

أجابت: يعني بنت الـ*** واكلين الدنيا باللي فيها وعايزة كمان تدعي آثار؟ وتاريخية؟ طب تحترم شيبتي حتى.

لست متخصصة، ولا أنتوي أن أكون.

لن أبحث في الخرائط والوثائق، ولن أستشهد بخرائط التضاريس لأثبت أن الجزيرتين ملك مصر، كما يفعل خونة البلاد بياعين الأوطان عبيد الريال والزيت، لإثبات أن قطعة من أرضهم هي ملك لدولة أخرى.

الحقيقة أنني لست معنية بتلك الوثائق، ولا برأي الدكتور عمرو حمزاوي مع احترامي له وتقديري لشخصه وعدم تشكيكي في نواياه أبدا، على أي مستوى. ولست معنية بالخرائط، ولو حد من السياسوية جاب لي خريطة تاني حاحطها فييييي… عينه، آه.

أعلم ما نعلمه من المنطق بالضرورة:

1- الدول تبنى على التوسع وليس الانكماش. بقول آخر، إذا كانت السعودية ترغب في “استرداد أرضها”، فهذا شأنها لأنها ترغب في توسيع رقعتها، ونحن شأننا أن نوسع رقعة بلادنا – عشان تبقى قااااااد الدووووونيا وكدزه.. ولا إيه؟ – نحن ندعي ملكية الأرض، وغيرنا يدعي ملكيتها، يبقى نروح القسم بقى، وكما سيحكم لنا القضاء سنرتضي.

2- انظر القصة التي رويتها أعلاه. أنت.. يا من تقول: تاريخيا بتاعة السعودية.

تا.. إيه؟ تا إيه يا حيلتها؟

تاريخيا من سنة كام يعني؟ لا يمكن أن تكون هذه الجزر ملكا للسعودية قبل سبتمبر 1932 السنة التي أعلن فيها قيام المملكة العربية السعودية.

“آه ما هي قبل كده كانت ملك الخلافة العثمانية”.

هممممم… ونحن نؤرخ منذ الخلافة العثمانية؟ ولمن؟ لمصر؟

طيب وقبل الخلافة العثمانية، أو للدقة الاحتلال العثماني؟

ﻻﻻﻻﻻ… قبل ظهور الإسلام أساسا، لمن كانت تعود ملكية هاتين الجزيرتين؟

ها وقبل البطالمة… لا أصل إحنا قاعدين معاكوا كتير، أفضل ارجع بضهرك كده لورا، مش حتلاقي حد تخبط فيه في الآخر غيرنا إحنا. آه وربنا زي ما بقولك كده.

فيعني، عار على أبناء أقدم دولة في التاريخ أن يتحدثوا عن تاريخية ملكية دولة أصغر في السن من والدي رحمه الله، لجزيرتين في مياهنا الإقليمية.

3- السعودية تريد أن تتوسع، شأنها في ذلك شأن كل دولة تريد أن يكون لها مكانة، وتبغى أن تكون أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة. ونفسها بجد تبقى قاااااد الدوووونيا.. حقها ولا مش حقها؟

كان يمكن للسعودية أن تلجأ إلى التحكيم الدولي، وبالمناسبة، نفقات اللجنة الدولية التي كانت ستحكم في ملكية الجزيرتين أقل بكثير مما دفعته السعودية من “أرز” للنظام المصري كي تحوز ملكية الجزيرتين.

فقال لك السياسوي: لا ما هو لو السعودية لجأت للتحكيم الدولي كانت حتكسب القضية، وفي الحالة دي كنا حنخسر القضية وحنخسر السعودية كمان وما كانتش حتدينا فلوس، فإحنا بقى إديناها لهم طواعية عشان يفضلوا يدونا فلوس.

إهديييي… إهدي يا بت يا نوسة.. إهدييييييييي خالص.

أنا هادية أهو.. لا حاشتم، ولا حاتف، ولا حاقولك يا جربوع يا جعان يا لمامة يا زبالة يا رمة يا شحات يا متسول.

لا.. لن أقول ذلك البتة.

لكن أقول لك، طيب أنت تحتاج إلى المال، وأقسم بالله لو ينفع اتباع لاتباع، تحتاج إلى المال الآن، كي تأكل سما هاريا يهري بدنك إن شاء الله.. ماذا عن الأجيال القادمة؟

أنت ترى أن النظام الحالي عليه أن يفعل كل ما بوسعه كي يحصل أموالا يطعم بها هذه الطبقة الزمنية من أجيال المصريين. ماذا عن الأجيال القادمة التي نسرقها حقا في وطنها، ونسلبها أرضها وماءها، ولا نعطيها حتى الفرصة لإصلاح ما أفسدنا نحن؟

ويحضرني هنا تعليقات السياسوية – الذين يدافعون عن بيع أراضي وطنهم… لإنهم وطنيين بالقوي، وإحنا خونة – حول فلسطين والفلسطينيين، وادعاءاتهم الجاهلة بأنهم باعوا أراضيهم. وبمناسبة فلسطين بقى، لماذا لا تدفع السعودية مالا لإسرائيل حتى تعيد الأراضي المغتصبة إلى أهاليها؟ أم أنه ليس هناك متسولون في العالم غيرنا؟

عزيزي السيساوي، لقد أعيتك التبريرات ولا مناص من مواجهة نفسك بحقيقتك. أعطيك مثالا حياتيا على ما حدث لتعلم حقيقة موقعك.

أنت مثلك مثل رجل فتح باب بيته ليجد رجلا آخر يحمل أقفاص الفاكهة وزوج “عتاقي”، فرحب بالغريب وانقض على الهدايا الثمينة يفحصها: أهلا يا حاج..

فقال له صاحب الهدية: أنا يا ابني متجوز أمك وده عقد عرفي وممكن تسأل عم عبده البقال كان شاهد على العقد.

فسارعت نحو قفص الفاكهة، وأكملت حوارك وأنت تلهط الفاكهة: طب أؤمر يا حاج؟

فطلب منك الحاج أن يأخذ حقه الشرعي من أمك، فقلت له: دي أوضه أمي.. نايمة جوه، وأدخلته على أمك ليغتصبها وأغلقت الباب بالمفتاح، وأنت تقول: راجل ومراته وده حقه الشرعي.

دون أن تكلف خاطرك وتوقظها لتسألها: دي إمضتك اللي على العقد ده ياما؟

أو حتى تطلب منه أن يجلس ويستريح وتفهم منه ما حدث، أو تتصل بأحد من أخوتك ليحضر جلسة التفاهم، وبعد أن لامك الناس: يا نجس تدخل راجل غريب على أمك وهي نايمة يعمل فيها كده؟

طفقت تشغل نفسك بالبحث عن المحامي الذي حرر عقد الزواج العرفي، وبسؤال عم عبده البقال والتأكيد على إنه شهد على عقد الزواج، وبالكتابة على محركات البحث سؤال: هل يجوز منع زوج من الدخول على زوجته؟ وبإشهار العقد العرفي الملطخ ببقع المانجو التي طفحتها في وجه كل من ينظر إليك باحتقار.

لكن أحدا لن ينسى أبدا، وبالرغم من كل هذه المحاولات المستميتة، أنك أدخلت رجلا على أمك وهي نائمة.

جوزها بقى مش جوزها.. انشالله يكون أبوك قام من التربة.. كنت كلف خاطرك وصحيها، على الأقل عشان تسرح شعرها يا أخي.

ها أنت ذا، وهذه صورتك في مرآتك.

بقى يا سيادة الرئيس كاتم على نفسنا ومش عارفين نهرش وحابس أبرياء أنت نفسك اعترفت بإنهم أبرياء، وصمتنا.

تطلق كائنات تشبه البني آدمين بالضبط على القنوات الفضائية ليخوضوا في أعراض الناس ويخّونوهم، وصمتنا.

رفعت الأسعار وصعبت علينا المعيشة وطالبتنا بأن نصّبح على مصر على فقرنا وضيق عيشنا، وبلعنا.

ولو جرؤ أن يتحدث أحدنا، لوجد سيلا من لجان إلكترونية و”نجوم” الإعلام يرددون في صوت واحد: مش عاجبك.. ابعت أمك تحرس الحدود.

ثم أخيرا نستيقظ ذات صباح لنجدك تبشرنا: مبروك.. كان عندك جزيرتين وراحوا.

وجلالته يأتي ليأخذ “وش” مصر كده من غير كتب كتاب حتى؟

كل ما نعانيه من قمع ومصاعب حياتية ويأس وبؤس يبرره مؤيدوك بأنك تحمي الأوطان، وتنقذ البلاد من مؤامرة التقسيم، والجزء الثاني من سايكس بيكو، وتدافع عن السيادة المصرية ضد إيطاليا التي تساءلت: طب وليه المواطن بتاعنا يموت عندكم؟ لكننا نحافظ على سيادة مصر واستقلالها في أن تقتل من تريد كما تريد وقتما تريد من أي جنسية تريد. ونرسل فلذات أكبادنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، لأن مضيق باب المندب مهم مهم مهم، حيموتنا من الأهمية اللي هو فيها، وإحنا خايفين لبعدين الحوثيين  يقفلوه، علما بأن باب المندب بيشغي قوات يا مؤمن من كل جنسيات العالم والحوثيين ما يقدروش يعملوا زي الناس فيه، مش يقفلوه.

لكن مضيق تيران الذي نطل عليه مباشرة لا يهم، والجزيرتين سعوديتين، وإحنا ما نقبلش ندخل على عيالنا جزر حرام، ده إحنا بنتشعبط في رضا ربنا.

والآن بعد نجاح شماتة الإخوان منقطعة النظير، انضم إلى الشامتين أبناء مبارك ومؤيدي شفيق، فما لم يقو الإخوان على فعله فعلته، وما لم يقبل مبارك بيعه بعته، وما لم يكن يجول ببال شفيق -لو أنه أصبح رئيسا- أقدمت عليه، ولم يبق إلا أن يبعث الهكسوس من قبورهم ليشيروا إلينا وهم يستلقون على قفاهم من الضحك، وجعلت منا عبرة لمن يعتبر، حتى إن السعوديين ذاتهم لا يصدقون أنفسهم، ولا يخفون إندهاشهم من كم التزلف والتذلل والتسليم غير المشروط.

هالبت بقى هي دي البشرى اللي بشرتنا بها: حتشوفوا العجب.. حتى الجن حيتعجبوا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل