المحتوى الرئيسى

إيهاب شتا يكتب: خدع يمارسها الليبراليون المصريون! | ساسة بوست

04/12 15:17

منذ 1 دقيقة، 12 أبريل,2016

الأسماء في الوطن العربي عموما ومصر خصوصًا عادة لا تدل على المسمى، وكما قال أحدهم ضع قبل كل شيء في مصر كلمة «كأنه»؛ لأنه في الواقع لا شيء أصيل، مجرد محاولة وتوهم، ويبدأ هذا الأمر من أبسط المنتجات إلى التصرفات إلى الألقاب ويمتد إلى الأفكار، فما بالنا بفكرة حملت في ذاتها تناقضاتها ثم حملها المصريون لتزداد تناقضًا واضطرابًا، أتكلم هنا عن الفكرة الليبرالية والحركة الليبرالية التي هي جزء من الحراك السياسي والذي بدوره مضطرب مشوه، «كأنه» حراك سياسي، لن أدخل في تفاصيل للتقديم وسأترك الأمور تنساب عبر الحقائق أو الخدع الليبرالية وهي مجموعة من القضايا الليبرالية الأساسية لنكتشف تلقائيًا مدى إمكانية أن تكون الحقائق نسبية بل مخفية!

الخدعة الأولى: الحيرة بين ليبرالية غامضة وعلمانية مقنعة

ما معنى ليبرالية؟! الليبرالية مصطلح يطلقه الآن أي أحد على أي شيء دون تحديد ملامح فهي كالماء يدعي مناصروها أنها تدعو لكل خير وتمتلك ناصية المثل العليا، وكأنها دين جديد وليست مذهبًا سياسيًا أو اقتصاديًا كما يزعمون.

بينما المنضمون للاتجاه الليبرالي يتبنون أفكارًا عامة جدًا موجودة في معظم الاتجاهات الفكرية لكن الليبراليين نسبوها لأنفسهم من عدالة وحرية وديمقراطية دون تفاصيل مميزة تجعلك تعرف ما فكر الليبراليين الذين يتفاوتون من أقصى اليمين لأقصى الشمال دون خصيصة، وعندما يتكلمون عن جهل الناس بالليبرالية كأنها لها قواعد ثابتة وأسس ومعايير، فهم يبررون أخطاءهم بجهل الآخرين بينما الخطأ في المصطلح  نفسه.

«ونادرًا ما توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، بل إن بعضها تنهار بسببه»

كما يقول عنها برتراند رسل في كتابه حكمة الغرب عن مصطلح الليبرالية:

«تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددًا من السمات المتميزة».

والمشكلة الأخرى هي لو فرضنا جدلاً أن لها شكلاً ومفهومًا معينًا لكانت مشكلة أكبر فأي تطبيق نختار.

كما قال أحدهم: تعبير «الليبرالية، فهو تعبير خادع: فهل يعني ذلك الليبرالية بالمفهوم الأوروبي أم الأمريكي؟ أم أنه يعني إحياء التقاليد الليبرالية في السياسة العربية التي ازدهرت في مصر والمشرق العربي من عشرينيات إلى أربعينيات القرن الماضي.»

لكن الحقيقة أن تطبيق الليبرالية الآن جديد من نوعه خاصة في بلادنا، لأننا لو لاحظنا أنه في الوقت الذي انتشر فيه هذا المصطلح خبا ذكر مصطلح أقدم منه وكان أكثر شيوعًا وهو العلمانية، وفوجئنا بمن كانوا علمانيين أو يدعون للعلمانية يتحولون لليبراليين ويتجاهلون العلمانية تاريخها وتاريخهم ويتجنبون ذكرها، فهل هذه توبة أم تقنع؟

وعن هذا يقول عمرو حمزاوي الليبرالي المصري الشهير:

«إن مصطلح «الأحزاب العلمانية»؛ لا يلقى قبولاً عند معظم هذه الأحزاب وذلك خشية من انطوائه على رفض ضمني للثقافة الإسلامية.»

ولم يتمسح العلمانيون فقط في الليبرالية بل كذلك في مفهوم المدنية الذي جعلوه مضادًا للدينية وفي حالتنا للفكرة الإسلامية.

وفي ذلك يقول رفيق حبيب السياسي المسيحي في مقاله العلمانية المقنعة:

ولكن المدنية ليست عكس الدين، فالدين مدني أساسًا، لأنه معتقد يؤمن به الناس باختيارهم ويمثل توجههم الفكري والسلوكي، ولا يمكن القول إن المجتمع المتدين ليس مدنيًا، وإلا أصبح المجتمع المصري مجتمع غير مدني، وتقسيم القوى السياسية إلى قوى مدنية وقوى إسلامية، يعني ضمنًا أن القوى الإسلامية ليست مدنية، رغم أنها تجمع من البشر له رؤيته التي يعرضها على الناس، مثله مثل كل من له رؤية يعبر عنها ويعلنها على الناس.

ثم يضيف الحقيقة التي يحاول بعضهم خداعنا بعكسها:

«والحقيقة أن المقابلة الأدق هي بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية»

الخدعة الثانية :الليبرالية لن تخالف الإسلام

يفاجئك الليبراليون دائمًا أنهم مع الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، وأن ليبراليتهم مرتبطة بالصالح العام الذي هو في البلاد الإسلامية الإسلام وهكذا، وأنهم ليسوا كغيرهم من كل بلاد الأرض التي – يقولون- تطبق الليبرالية، إذن لماذا هم ليبراليون إذا خالفوا المنهج وخالفوا التطبيق؟ لكن الحقيقة أن هذا قولهم الآن لكن ماذا لو ملكوا الأمر؟

يقول جون لوك منظر الليبرالية الأكبر:

«فنُّ الحكمِ ينبغِي ألَّا يحملُ فِي طياتِهِ أيَّةَ معرفةٍ عَنِ الدينِ الحقِّ»

ويقول صمويل هنتجتون صاحب «صدام الحضارات»:

«فالتيار العلماني الليبرالي كما تعلمنا من الغرب هو متطور بطبيعته لكن ليس تطورًا نحو الديموقراطية مع الآخر، وإنما تطور نحو محو الآخر فهو يبدأ عادة بقبول الدين كمرجعية أساسية لا غنى عنها، ثم يتطور الأمر لتقييد الدين داخل الكنيسة، ثم ينتهي الأمر بمحاربة الدين والعقيدة وكبت أية سمة دينية في المجتمع كما هو الحال مع منتقبات فرنسا ومحجبات تركيا وأساتذة الجامعات المؤمنين بنظرية التصميم الذكي في أمريكا».

فالدولة الليبرالية لا تطلب دفع الضرائب فحسب، وإنما أيضًا الولاء الكامل لكل طقوس الدولة، ولابد من الذوبان كلية في المجتمع الليبرالي حتى يمكن التعايش معه.

وفي حالتنا المصرية يلخص رفيق حبيب الأمر في قوله:

«والنخبة العلمانية الإعلامية أيضًا، ترى أنه من الممكن بقاء المادة الثانية من الدستور والتي تحدد هوية الدولة والتشريع بالهوية الإسلامية، ولكن المتابع لأغلبية النخب العلمانية،  يجد أنها تفعل هذا للهروب من الموقف الجماهيري الذي يمكن أن يتصدى لأية محاولة لتغيير هذه المادة أو العبث بها، ومعنى هذا أن النخبة العلمانية تعرف أن هذه المادة تمثل رأي الأغلبية في المجتمع، ولكن مواقف النخبة العلمانية تؤكد أنها لا تعمل من خلال إطار هذه المادة، ولكن تعمل من خارجها، أي أنها توافق عليها شكلاً، ولا تقبل التقييد بها، بل تجرم دور القوى الإسلامية رغم أن مرجعيتها مستمدة من مرجعية الدولة المقررة دستوريًا في المادة الثانية من الدستور».

وفرضًا التزموا بالمادة الثانية لماذا لا يتحولون إلى إسلاميين لو كانوا سيطبقون الإسلام؟ لكن الأمر مجرد مزيد من الخدع التي انطلت على كثيرين.

السؤال ما زال مطروحًا، ما الفارق بين الليبرالية والإسلام إذا التزمت بحدود الشريعة؟ وكيف تسمى ليبرالية وقد خالفت منهج واضعي المنهج، فليختر الليبراليون أيهما المسمى والمنهج أو التخلي عن المسمى إذا تخلوا عن المنهج.

»ليسَ مِنْ حقِّ أحدٍ أنْ يقتحم، باسمِ الدينِ، الحقوقَ المدنيَّةَ والأمورَ الدنيويَّةَ»

فخدعة الليبراليين بقولهم أنهم لا يريدون حرية كاملة، بل مرتبطة بثوابت المجتمع، وبعضهم قال إن ثوابت المجتمع هي الإسلام، وبالتالي لا تعارض، فماذا عن الليبرالية الأوروبية حيث يدين الناس بالمسيحية؟ وحيث كانوا يدينون بتقاليد اندثرت على يد الليبرالية؟ فالحقيقة أن التطبيق الصحيح لليبرالية يقتضي تحللاً كاملاً من القيود المجتمعية ولو كانت دينية.

فمثلاً يعد «جون ستيورات مل» أحد منظري الليبرالية الكبار، والذي اهتم في كتابه «عن الحرية» بشرحها شرحًا وافيًا، وقد حدد أن الغرض من كتابه هذا هو تقرير المبدأ الذي يحدد معاملة المجتمع للأفراد.

ومضمون هذا المبدأ هو أن الغاية الوحيدة التي تبيح للناس التعرُّض بصفة فردية أو جماعية لحرية الفرد هي حماية أنفسهم منه؛ فإن الغاية الوحيدة التي تبرر ممارسة السلطة على أي عضو من أعضاء أي مجتمع مُتَمَدْيِن ضد رغبته هي منع الفرد من الإضرار بغيره، أما إذا كانت الغاية من ذلك هي الحيلولة دون تحقيق مصلحته الذاتية أدبيةً كانت أم ماديةً فإن ذلك ليس مبررًا كافيًا، يقول:

«إذ إنه لا يجوز مطلقـًا إجبار الفرد على أداء عملٍ ما، أو الامتناع عن عملٍ ما حتى ولو اعتقدوا أن تصرفاتنا هذه دليل على السخف أو السفه أو الخطأ.

فمثلاً ليس من الحق أن يعاقب إنسان لمجرد السُّكْر، ولكن الجندي الذي يسكر وهو قائم بواجبه جدير بالعقاب، أما الضرر العَرَضي ـ أو الضرر التقديري – الذي يصيب المجتمع عندما يتصرف الفرد تصرفـًا لا يخل بأي واجب معين نحو الجمهور ولا يلحق أي أذى بأحد غير نفسه؛ فهو ضرر تافه خليق بالمجتمع أن يتحمله عن طيب خاطر في جانب ما ينشأ عن الحرية من الخير العميم»

ومثال السكر الذي ذكره مثال جيد صغير وله قياسات خطيرة لكنه له ما بعده كذلك.

فالحرية لا تشمل الفرد فقط بل المجتمعات الصغيرة تعامل معاملة الفرد.

كما أكمل جون ستيوارت مل:

«إنه يتفرع من حرية كل فرد – وفي نطاق حدودها – حرية اجتماع الأفراد للتعاون على أي أمر ليس فيه ضرر للغير؛ على أن يكون الأشخاص المجتمعون بالغين راشدين لم يساقوا إلى الاجتماع بعنف أو إكراه»

والتفسير والتطبيق متروك لخيال القارئ، وكذلك تأثير ذلك على مجتمع ملتزم له عقيدته وتراثه، وهل ستسهم تلك الحرية المؤدية للانحلال لتقدم المجتمعات النامية؟

هل حقـًا المساواة مطلقة؟ وأن المواطنة لا تفرق على أساس أو خلفية معتمدة على الدين والجنس والمستوى الاجتماعي والسؤال الأهم هل فعلاً تعتنق الليبرالية ذلك؟

فجون لوك في كتابه «رسالة عن التسامح» تحدث عن التسامح بين الكاثوليك والبروتستانت واستثنى غيرهم من اليهود مثلاً، وربما المسلمين.

ولو طبقنا هذا الكلام الآن لربما شمل التسامح المعتدلين ولم يشمل المتشددين مثلاً الذين يحددهم الليبراليون طبعًا!

ورأي مونتسكيو وهو من أساطين الليبرالية السياسية، ومؤسس فكرة الفصل بين السلطات في مقالته روح القوانين:

«يبدو لي من الضروري أن يوجد فقراء جاهلون، فالتعليم ينبغي ألا يكون موجهًا إلى اليد العاملة، ولكن يجب تعليم البرجوازي الجميل وساكن المدن، أما عندما يهتم الرعاع بالتفكير؛ فعندئذ يضيع كل شيء».

أو رأيه في التفريق بين العامة وعلية القوم على أساس النسب، والغِنى والفقر، فيقول:

«دائمًا يوجد في الدولة أفراد متميزون إما بالنسب، أو بالثروة، أو بالشرف، فإذا جرى تسويتهم بعامة الشعب، ولم يعطوا سوى صوت واحد مثلهم مثل الآخرين، فإن هذه الحرية المعممة تصبح بالنسبة لهم رقـًا؛ لذا لابد أن يكون لهم حق في التشريع يناسب ما يمتلكون من امتيازات».

ولا نناقش هنا صحة الكلام من عدمه لكن نناقش التناقض الواضح بين الصورة الوردية للترويج الكاذب لليبرالية وأصل الفكرة التي لا تنتصر لتلك الصورة الوردية.

الديمقراطية يدعيها الجميع الآن بما فيهم تيار الإسلام السياسي، ولكن حينما يختلف مع المنهج الديمقراطي في بعض النقاط كالحاكمية وفوقية الشريعة هاجمه الليبراليون معتبرينه خالف شيئًا مقدسًا، وأنه عكس ديمقراطي بمعنى استبدادي متسلط، وأنه طالما لن يأخذها كلها فليتركها كلها،  فهل من الصواب فعلاً أن نخضع كل شيء للتصويت وعدد الأصابع المرفوعة؟

وقد ضرب أحد المفكرين مثلاً على ديموقراطية عدد الأصابع بإحدى مباريات كرة القدم:

«إذا أحرز الفريق الضيف أهدافًا أكثر من أعضاء فريق البلد المضيف فهل من حق أغلبية المتفرجين أن يقرروا ما إذا كان الفريق المضيف هو الفائز أم لا؟»

والإجابة بطبيعة الحال بالنفي، فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لأهداف في مباراة كرة قدم فهل يصح تطبيق هذا المنطق على شيء هام للغاية مثل القيم الإنسانية العليا وقوانين الأمة؟!

و هل حقًا الديمقراطية بهذا النبل الذي يجعلنا لا نخالف ولا شرطـًا فيها وإلا أفسدناها؟

ألم يقل المسيري عنها في كتابه العلمانية الجزئية والشاملة:-

«هي التي تسببت في اندلاع حربين عالميتين وغرق الأرض بالربا وتُجار البشر الجدد،

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل