المحتوى الرئيسى

حسين السيد يكتب: ادفع الأول وبعدين اشتكي … ملاحظات حول الحكومة وتيران وصنافير | ساسة بوست

04/12 15:17

منذ 12 دقيقة، 12 أبريل,2016

بحسب المملكة العربية السعودية تواصلت المفاوضات المصرية السعودية حول ترسيم الحدود البحرية منذ يوليو 2015، 9أشهر كاملة أخفت فيها الحكومة المصرية الخبر عن مواطنيها كأن تفاوضها على حدودنا أمر لا يعنينا – نحن المصريين- وكأننا مستأجرون تكرمت فأجرت لنا بلادنا وسمحت لنا بالعيش فيها، وكأنها مالك يتصرف في ملكه.

الحكومة التي خرجت علينا في بيان مقتضب لتعلن أن جزيرتين ظلا تحت سيادتنا لأكثر من 66 عاما – على أقل تقدير- قد أضحيا اليوم ملكـًا لغيرنا ممن حكموها -إن صدقت روايتهم- 18 عامًا -على أقصى تقدير-.

تيران التي اعتبرها مؤسس الجمهورية المصرية جمال عبد الناصر بشكل قاطع وبكلمات واضحة جزيرة مصرية*، وخضنا بسببها حربًا طاحنةً دفعنا فيها الثمن دماء وأرضًا عندما قرر ناصر أن لمصر سيادة على تيران فأغلق المضيق في 67، وأصدر وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا في 1982 قرارًا بإنشاء نقطة شرطة مصرية فيها، واعتبرتها وزارة البيئة المصرية من أملاكها فأعلنتها محمية طبيعية، استيقظ مسئول ذات يوم من غفوة 66 عامًا ليعلن أنها أضحت اليوم ملكـًا للمملكة السعودية، وإذا كان الدستور المصري يحظر التخلي عن أي أرض مصرية فلنعلن بأريحية أن الأرض ليست مصرية.

فات الحكومة وهي تعلن عدم مصرية تيران وصنافير أن تعلمنا متى ستحاكم اسم جمال عبد الناصر الذي دلس علينا – بزعمها هي- وادعى ملكية أرض ليست له وحارب من أجلها؟ فات الحكومة أن تعلمنا متى نكف عن الترحم على شهدائنا؟ فقد كانوا – بزعم الحكومة- أغبياء حاربوا من أجل أرض ليست مصرية.

لا أريد أن أدخل في صراع الوثائق السيزيفي، لا تلق إليَّ بورقة لتقول لي الأرض سعودية، لم تفقد المملكة شهيدًا واحدًا لأجل أرضها تلك، الدماء أغلى من كل وثائقكم، ورغم ذلك فإنني سأفترض معك أن الأرض سعودية وسأطرح المملكة من المعادلة، في الأخير هم قوم افترضوا أن لهم حقًا في أرض تركوها – بزعمهم- منذ 66 عامًا ثم استردوها اليوم، لا تستطيع أن تلوم عليهم.

وإذا كنت لا تستطيع اللوم على المملكة فكن رجلًا واسأل حكومتك التي افترضت نفسها سيدة عليك رغم أن الدستور الذي أقسموا على احترامه يجعلك أنت سيدًا عليها، السيادة للشعب وحده، هذا نص من دستور جمهورية مصر العربية، فلماذا تتعامل معه الحكومة على أنه نص من كتاب للخيال العلمي؟ وإذا كان الشعب وهو السيد الوحيد في هذه البلد بنص الدستور قد اعتبر على مدار أجيال مضت هذه الأرض ملكًا له، وإذا كان رئيس الجمهورية الأسبق ووزير الداخلية الأسبق ووزير البيئة الأسبق وحكومات مصر منذ 1950 اعتبرت تلك الأرض أرضًا مصرية، فلماذا يكون للحكومة الحالية وحدها الحق في تحديد ما إن كان هذا الجزء من الأرض مصريًا أم سعوديًا؟ ولماذا قرارها هي لا قرار كل من كان قبلها، واعتباراتها هي لا اعتبارات كل من كان قبلها تحدد مستقبل الأجيال المصرية القادمة جميعًا؟

إذا كانت الحكومة تتشدق بأن الاتفاقية ستعرض على البرلمان قبل التصديق عليها فإن البرلمان يبدو «كشاهد مشافش حاجة»، علم أعضاؤه مثلنا بالخبر من التلفاز، غير أنه سواء علم البرلمان أم لم يعلم قبل أم رفض تظل المعضلة قائمة، لماذا هذا البرلمان تحديدًا دون غيره من برلمانات مصر المتعاقبة يمكنه أن يحدد حدود مصر للأجيال القادمة؟ المادة 151 من الدستور المصري تمنع الحكومة والبرلمان من إبرام اتفاقيات تتعلق بالسيادة الوطنية دون الدعوة لاستفتاء شعبي، إذ أن للشعب وحده في مجموعه تقرير الفصل في مسائل السيادة إذا أخذنا برواية الحكومة ابتداء وقررنا أن تلك الأرض سعودية إذ يجعل كونها مصرية حتى الاستفتاء غير قادر على تمرير اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة الشقيقة؛ حيث يمنع النزول عن أي قطعة أرض مصرية قولًا واحدًا، فهل تدعو الحكومة للاستفتاء؟ أو هل يرفض البرلمان التصديق دون استفتاء؟ أشك ويشك مصريون كثر، والأيام كاشفات.

التساؤل الأهم حول التنازل المصري، 66 عامًا والجزيرة مصرية وساحل سيناء مصري ما يجعل المياه في المضيق بين الجزيرة والساحل مياهً إقليمية مصرية وبالتالي عربية خالصة ويعطي مصر وبالتالي العرب لـ66عامًا سيادة شرعية على البحر الأحمر، أما وقد أصبحت الجزيرة سعودية والساحل مصري فما مصير المياه في المضيق بين الساحل والجزيرة؟ هل تكون السيادة للمملكة؟ أم تبقى لمصر؟ أم يصبح المضيق دوليًا تطالب بعدها إسرائيل ومن ورائها دول العالم بالحق فيه ما يمثل «الخازوق الأكبر» ورصاصة الرحمة الأخيرة على الأمن العربي وعلى الخيارات العربية؟

حكومة أخفت علينا حملها 9 أشهر، ثم بعد أن وضعت تقسم أن المولود ابن شرعي، لم تطلعنا على إجابة السؤال قبل أن توقع المعاهدة؟ هل نتوقع منها أن تطلعنا اليوم بعد أن وقعت دون علمنا على الإجابة؟ لطالما أطعنا أمرها، لطالما دفعنا أولًا ثم شكونا، غير أننا لم نحصل في أي مرة على ما دفعناه قبل الشكوى وعلى ما يبدو لم يحقق أحد أو يرى أحد شكوانا.

التساؤل الأخر المهم للغاية والماس في الصميم الأمن القومي العربي مرة أخرى، المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها قالت إنها سترث المعاهدات التي وقعتها مصر بشأن الجزيرة، وأنها ستلتزم بكل المعاهدات بما فيها اتفاقية كامب ديفيد، والسؤال هو ولماذا تلتزم؟ إذا كانت هذه الأرض أرضًا سعودية، والاتفاق بين مصر وإسرائيل التي لا تعترف بها المملكة فكيف تلتزم المملكة باتفاق مع من لا تعترف به؟ أم أن هذا يعني اعترافـًا ضمنيًا من المملكة بإسرائيل؟ أم هو عدم قدرة منها على فرض إرادتها على ما أصبح اليوم جزرها؟ كل فرضية أخطر من الأخرى، تستلزم إما توضيحًا أو بكاءً إلى ما لا نهاية على العرب.

الملحوظة السياسية الأهم حول الأمر في مصر هو هذا التماهي النسبي بين الأيديولوجيات السياسية المختلفة لأول مرة منذ يناير 2011، فجأة تناسى الإخواني مرسيه وشرعيته المزعومة، وتناسى الثائر كل جرائم الإخوان في حق الثورة، وانضم قطاع واسع من المصنفين فلولاً لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك للمثلث وكانت الصدمة شديدة على قطاع واسع من الأغلبية الصامتة وفرصة للتساؤل حول ما تم، والمقارنة بين موقفهم اليوم وموقفهم من الرئيس المعزول محمد مرسي الذي أثيرت طوال فترة حكمه أحاديث حول المساس بالسيادة الوطنية كانت سببًا رئيسيًا كافيًا للمصريين ليطيحوا به بمعاونة الجيش، جرس الإنذار الأخطر الذي يدق صاخبًا في أذن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتجمع الأكبر لأطياف مختلفة من معارضي النظام معًا ما يجعل من 9 أبريل 2016 يومًا مفصليًا حاسمًا في تاريخ مصر، فهل يسمع النظام صوت الخطر، أم يمضي في طريقه حتى النهاية؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل