المحتوى الرئيسى

سليم عبدالله الحاج يكتب: السياسة الجزائرية بين الثابت والمتحول | ساسة بوست

04/12 12:18

منذ 2 دقيقتين، 12 أبريل,2016

لم تخلُ الزيارة الأخيرة لوزير خارجية النظام السوري إلى الجزائر من عوامل إثارة الجدل، فمنذ خمس سنوات لا يغادر مسؤولو نظام الأسد قوقعتهم سوى لزيارة روسيا وإيران تقريبًا، وهما الدولتان الموكل لهما مهمة حماية النظام من السقوط المفاجئ وغير المتفق عليه دوليًّا، بينما لا تلعب الجزائر هذا الدور وبالتالي يأتي التساؤل حول فحوى ورمزية الزيارة في الوقت الذي تتسارع به جهود تسوية الأزمة السورية، ثم التساؤل في مستوى آخر عن طبيعة السياسة الخارجية للدبلوماسية الجزائرية في ضوء التحولات العربية، ولكن التوصل إلى إجابة مقنعة عن هذه الأسئلة لن يكون متاحًا بطريق الاعتماد على الأحكام المسبقة وتطبيق الرؤى الجاهزة مما يسود عادة في أجواء الجدل بين طرف مؤيد وآخر معارض دون الاستناد إلى الوقائع، ولقد رأينا ما تركته الزيارة من أسى في نفوس بعض الداعمين للثورة السورية الناقمين على الأسد ونظامه، وما تركته من ارتياح وبهجة في نفوس الفريق الآخر رغم أن الأمر لم يتم مثلما أُوحِي لهذا ولا لذاك، والصحيح أن هناك حاجة للبحث الموضوعي في الجوانب الثابتة والمتحولة في السياسات الجزائرية حتى وإن تعذر إجراؤه في جو ساخن ومحموم بالأفكار المتصلبة التي تغذي المواقف المعلنة.

الثوابت السياسية في الجزائر هي أمور تعبر عن الضمير الجمعي ويتم إدراكها فرديًّا وجماعيًّا بطريقة مستقلة عن أي تأثير أو تقييم مسبق، ثم تترجمها الفعاليات الرسمية على شكل مواقف تحاول من خلالها السلطة والطبقة السياسية أن تتناغم مع عموم الشعب، من  الثوابت الداخلية في الجزائر تمجيد التاريخ ورجالاته وتبني الحلول المحلية السيادية، رفض المساس بالمؤسسة العسكرية لأن وعاءها الشعبي يجعلها صورة مصغرة عن الوحدة الوطنية واستمرار الدعم الاجتماعي أيضًا، حيث يرى مجمل الجزائريين أن لهم حقًّا ثابتًا في الانتفاع من الريع النفطي لأرض ضحوا من أجلها بالغالي والنفيس بعيدًا عن الاعتبارات الاقتصادية.

وأما الثوابت الخارجية فتشمل الدعم الوجداني للقضية الفلسطينية، لأنها عملية انتصار مطلقة لا شبهة فيها لمظلوم ضد ظالم ـ بالإضافة إلى الخصومة العفوية والعنيدة مع ما يعتقد أنها مصادر التهديد والاستهداف الأجنبي، دون أن ننسى ثابت التحفظ أي تجنب الدخول في سياقات إشكالية مثل التدخل في الأزمات الشائكة أو إبداء مواقف علنية منحازة في مسائل.

وعلى هامش الثوابت عندما تصبح برمجة الوعي أمرًا ضروريًّا للإبقاء على وضع مستقر تظهر المتحولات في السياسة كأمور تنتج عن المؤثرات بشتى أنواعها، والطرف القادر على التأثير والتوجيه له اليد الطولى في صناعة القرار الخاص وتهيئة الرأي العام لقبوله. متحولات السياسة في الجزائر تشمل الموقف من الأداء الحكومي والطبقة السياسية، ومن الأشخاص والأيديولوجيات   وتفاصيل الأحداث الخارجة عن نطاق الثوابت، ولا تأخذ هذه المتحولات شكلًا منتظمًا يمكن الاعتداد به دائمًا.

وحتى لا نذهب بعيدًا في التنظير سنحاول الإجابة عن التساؤل الموضوع في بداية المقال بعد إعادة طرحه بشكل آخر، أي أن نبحث عن موضع الزيارة المثيرة للجدل بين الثابت والمتحول في السياسة الجزائرية، من الواضح مبدئيًّا أن سوريا بالنسبة للجزائر هي في المقام الأول قضية تاريخ وجغرافيا متوسطية مشتركة وتمازج اجتماعي كبير، وهذا ثابت لدى الجميع ولكنه لا يؤدي عمليًّا إلى أي التزام تجاه موقف معين في الصراع السوري، ليس من الثوابت الجزائرية دعم الأنظمة المارقة والمنبوذة جهارًا ولا دعم مساعي إسقاطها ولكنها تدفع باستمرار عمل المرافق الدبلوماسية والتواصل في حده الأدنى مع المؤسسات الرسمية، دون أن تتخلى عن تحفظها، وزائر الجزائر أي وليد المعلم هو أحد أدوات البيروقراطية السورية الشكلية التي تدير الهيكل الخارجي للدولة السورية الذي من المحتمل أن يبقى جزئيًّا أو كليًّا في أي تسوية للأزمة، كما أن انتماءه للطائفة السنية وإن كان علمانيًّا يجعله ممثلًا لطرف جوهري في الانتقال السياسي القادم، واللافت أن الجزائر لم تستقبل منذ خمس سنوات سوى مسؤولي البيروقراطية السنية سواء في البرلمان، أو حزب البعث العربي الاشتراكي، أو وزراء حكوميين  يديرون الواجهة – ويعبرون عن موقف شريحة كبيرة جل همها هو لقمة العيش وحسب أيا كان الحاكم ـ ولم تكن في موضع ترحيب تجاه الأقلية من العناصر المتسببة في الأزمة بعمق النظام السوري والتي ستسقط إن عاجلًا أو آجلًا، ولا مكان لها في المستقبل السياسي لهذا البلد، وهذه المقاربة المتحفظة تتيح للجزائر لعب أدوار محدودة مثل الوساطة أو تقديم المشورة في سياق إقليمي أو دولي متفق عليه، ولن يكون سياقًا ثنائيًّا بين نظامين متحالفين حول مصلحة أو مشروع مشترك، فهناك فوارق دقيقة لا يصح تجاهلها في الشكل والمضمون بين التجربة الجزائرية والوضعية السورية الحالية.

ومع ذلك لا يجب أن نغفل ما تتسبب به الثورة المعلوماتية أي تدفق الأفكار والمعطيات، من تغذية للجوانب المتحولة في السياسة الجزائرية بقيام ما يشبه مجموعات ضغط مؤدلجة في الصحافة والإعلام المسموع والمرئي، والحياة الحزبية والجمعوية، وهي أطراف لها انطباعات معينة مثل الإيمان المرضي بنظرية المؤامرة ولعبة المحاور وكراهية العرب، ويحاول كلهم الإيحاء بأن مواقفهم تعبر عن مصلحة الجزائر استنادًا لجزئيات من هنا وهناك، وتسطيح فظيع للأشياء، وبالتالي كانت الزيارة المعنية مادة دسمة لهذه المساعي وحاولوا من خلال حشد الرأي العام فرض أمر واقع لابد أنه سيترك أثرًا في مكان ما على تراسيم الموقف الرسمي المتحفظ بالثوابت.

وختامًا، إن عودة الاستقرار إلى سوريا، وتمكين شعبها من الحكم الراشد والحريات السياسية لجميع الأفراد دون تمييز، هو مصلحة جزائرية بتجفيف منابع التطرف وتعزيز الوحدة الوطنية للشعوب بالقضاء على منطق الأقلية الانعزالية، وفي هذه القراءة تحديدًا لابد للجزائر الرسمية أن تجد توليفة ملائمة بين الثابت والمتحول لضبط مقتضيات هذه المصلحة دون مساس بالمبادئ.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل