المحتوى الرئيسى

رحالة جول (1) | دينامو دريزدن: نادي الشعب - Goal.com

04/11 18:37

دوام الحال من المحال، مثل عربي يدرك مشجعو كرة القدم حول العالم أهميته. حيث تسلّم بيل شانكلي تدريب ليفربول وهو يقبع في الدرجة الثانية قبل أن يحوله إلى أكثر فرق القارة رعباً. بينما كان نادي "ميونخ 1860" هو النادي الأكبر في مدينة ميونخ حتى ستينيات القرن الماضي قبل أن يصبح بايرن ميونخ هو الفريق الأول في بافاريا وألمانيا. لكن جماهير دينامو دريزدن ربما تكون أكثر الجماهير فهماً لمعنى هذا المثل في أوروبا. حيث اختبر النادي شعور الانتقال من قمة المجد إلى قمة الفشل في أكثر من مرة. فمن النادي الأكبر والأنجح في المانيا الشرقية إلى نادي صغير يعيش في ظل "دينامو برلين" المفضل من قبل السلطات الألمانية الشرقية. ومن أحد الأندية المؤسسة للبوندسليجا (بعد توحيد الألمانيتين) إلى متصدرٍ للدرجة الثالثة. لكن شيئاً واحداً لم يفارق دينامو دريزدن طوال سنواته الجيدة والسيئة: جماهيره.سمعة جماهير دينامو دريزدن أصبحت تفوق سمعة النادي بحد ذاته، فمقاطع الفيديو التي تظهر حماس وشغف جماهير الفريق خلال المباريات أصبحت تملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. ففي كل مباراة يلعبها الفريق على ارضه، يحضر ما يزيد عن 30 ألف متفرج ليرددوا "دينامو دينامو دينامو" بأعلى أصواتهم خالقين جواً يندر وجوده في أي ملعب آخر في أوروبا. لكن ذلك ليس كل شيء، فجماهير دريزدن ليست صخبة فقط، بل مخلصة إلى أبعد الحدود. حيث يحظى الفريق بمتوسط حضور جماهيري لمبارياته يزيد عن ذلك التي تحظى به كل أندية الدرجة الثالثة و15 نادياً من أصل 18 في الدرجة الثانية، لا وبل يزيد عن متوسط الحضور الجماهيري الذي يحظى به ناديا انجولشتاد ودارمشتاد في البوندسليجا. لكن المباراة التي تستطيع تلخيص مدى وفاء جماهير دريزدن بأفضل شكل هي تلك التي لم يحضروها.حيث قام الإتحاد الألماني في آذار من العام 2012 بمعاقبة جماهير نادي دينامو دريزدن، المنافس في دوري الدرجة الثانية حينها، بمنعها من حضور مباراة واحدة على أرضهم، وذلك بسبب شغبهم أثناء لقاء جمعهم ببروسيا دورتموند في منافسات كأس المانيا. عقوبة قد تبدو بسيطة للبعض، لكن الأموال التي تحصل عليها أندية الدرجات الدنيا في أوروبا من بيع بطاقات مبارياتها تلعب دوراً مهماً في دعم ميزانية النادي، ويمكن لأي مباراة بدون جمهور أن تؤثر على الميزانية بشكل كبير. فما كان من جماهير الفريق إلا أن قامت بشراء بطاقات للمباراة وهي تدرك أنها لن تحضرها. ليعلن النادي عن بيع كامل بطاقات المباراة في غضون أيام من طرحها للبيع. جماهير النادي جلست حول أسوار الملعب لتحاول دعم لاعبيها خلال مباراتهم ضد فريق إنجولشتاد والتي انتهت بالتعادل السلبي، لتٌعرف تلك المباراة في الصحافة العالمية باسم "المباراة الشبح".كل هذه المعطيات جعلت دينامو دريزدن خياراً حتمياً للحلقة الأولى من "رحالة جول". فتوجهت إلى دريزدن لمتابعة لقاء الفريق بغريمه "إيرزجيبرجيه أويه" فيما يعرف بديربي مقاطعة زاكسوني. المباراة تأتي في إطار منافسات كأس مقاطعة زاكسوني، والذي يتأهل الفائز به لمنافسات كأس المانيا في الموسم المقبل. وبالرغم من أن الناديين ضمنا تأهلهما لكأس المانيا بفضل تصدرهما لدوري الدرجة الثالثة (حيث تتأهل جميع أندية الدرجتين الأولى والثانية وأفضل أربعة أندية من الدرجة الثالثة والفائزون بمسابقات الكؤوس المحلية في المقاطعات، والتي يبلغ عددها 21 كأساً، إلى الدور الأول من كأس المانيا)، لكن المباراة وفت بكل وعودها من ناحية الحماس الجماهيري. شوارع مدينة دريزدن بدت كأنهر متعددة تصب جميعها في نقطة واحدة: ملعب دينامو. جموع غفيرة ترتدي جميعها اللونين الأصفر والأسود ملأت مدرجات الملعب، وخصوصاً المدرج الخاص بأولتراس الفريق، قبل ساعة من انطلاق المباراة وقابلت دخول لاعبي الفريق الخصم لتأدية حركات الإحماء بصافرات استهجان سمع صداها إلى خارج أسوار الملعب. لكن الجو اختلف كلياً بمجرد دخول أول لاعبي الفريق إلى أرض الميدان. فمنذ تلك اللحظة وحتى نهاية اللقاء، لم يتوقف 24 ألف متفرجاً حضروا اللقاء من الغناء والتشجيع والإحتجاج على قرارات الحكم. هذا الحماس والإخلاص الجماهيري هو مصدر فخر جماهير دينامو والتي تعتبر فريقها أفضل فريق في المقاطعة، بالرغم من أن النتائج الحالية تشير إلى أن نادي RB Leipzig، متصدر الدرجة الثانية والذي يتمتع بدعم مالي هائل من شركة ريد بول النمساوية، هو أفضل فرق المقاطعة.  لكن معظم جماهير دينامو التي قابلتها كانت ترسم نظرة من الإشمئزاز بمجرد أن أذكر لهم اسم RB Leipzig ومنهم من بادر فوراً للقول: "إنهم ليسوا فريقاً، إنهم شركة". شتيفان، أحد الجماهير التي قابلتها، قال لي: "أتمنى أن يصل أي نادي من مقاطعة زاكسوني إلى البوندسليجا (المقاطعة لا تملك أي فريق حالياً) إلا RB Leipzig لأنهم ليسوا من مقاطعتنا. إنهم فريق نمساوي مزروع في المانيا الشرقية".رد جماهير دينامو القاطع والقاسي تجاه جيرانهم في لايبزيج يبدو طبيعياً في ظل تاريخ دينامو دريزدن العريق مقارنةً مع السرعة الرهيبة التي وصل بها RB Leipzig إلى مشارف البوندسليجا. دينامو دريزدن، حاله كحال معظم أندية المانيا الشرقية، بدأ تحت سيطرة من الشرطة المركزية التي كانت تعرف باسم "الستازي" والتي كانت تسيطر على معظم مفاصل الحياة في البلد الشيوعي. لكن نجاحات دينامو في أوائل الخمسينيات كانت مفتاح تحوله إلى نادي صغير للسنوات العشر المقبلة. حيث أثارت نجاحات النادي غيرة ايريك ميلكيه، الرئيس الأسطوري للستازي، والذي أراد أن تحظى العاصمة برلين الشرقية بالنجاح الكروي بدلاً من دريزدن. فقام في عام 1954 بنقل الفريق بكامل لاعبيه إلى العاصمة مؤسساً نادي دينامو برلين ليهبط دينامو دريزدن إلى الدرجة الثانية ويبدأ مرحلة استعادة التوازن. هذه المرحلة لم تنتهي سوى في بداية السبعينيات حينما تمكن النادي من تحقيق ثنائية الدوري والكأس في موسم 1970/71. لتبدأ منذ تلك اللحظة أفضل فترات دينامو دريزدن في التاريخ. النادي تمكن من إضافة أربعة ألقاب أخرى في الدوري قبل نهاية عقد السبعينيات، ولم ينهي أي موسم في ترتيب أسوأ من الثالث. عقد السبعينات شهد أيضاً تمكن دينامو من اللعب في المسابقات الأوروبية في جميع مواسمه. دريزدن تمكن من إقصاء بعض الأسماء الكبيرة كيوفنتوس وبنفيكا وبورتو لكنه لم يصل يوماً أبعد من الدور الربع النهائي في أي مسابقة أوروبية. وربما يعود ذلك إلى أن الفريق واجه عملاق تلك المرحلة ليفربول ثلاث مرات مختلفة في ذلك العقد. ليفربول تمكن من المرور في المرات الثلاث، لا وبل ذهب للفوز بالبطولة في المرات الثلاث. لكن دينامو وقع مرة جديدة ضحية نجاحه والذي أعاد ليثير غيرة إيريك ميلكيه والذي أجبر الحكام والخصوم على التلاعب بالنتائج لتأمين فوز ناديه دينامو برلين بكل بطولة دوري في المانيا الشرقية بين عامي 1978 و1987، بينما حل دينامو دريزدن ثانياً في ست مناسبات خلال الفترة ذاتها. ومع تضاؤل قوة وتأثير ميلكيه بشكل خاص والشرطة الألمانية الشرقية بشكل عام في نهاية الثمانينيات، تمكن دينامو دريزدن من استعادة لقب الدوري خلال موسمين من آخر 3 مواسم قبل توحيد الالمانيتين والوصول إلى نصف نهائي كأس الإتحاد الأوروبي موسم 1988/89. ليبدأ النادي عصر المانيا الموحدة في الدرجة الأولى، لكن الرحلة لم تستمر أكثر من أربعة مواسم. ومازال النادي الأكثر جماهيرية في القسم الشرقي من المانيا يتأرجح بين الدرجتين الثانية والثالثة من ذلك الوقت.الموسم الحالي يبدو أفضل مواسم الفريق منذ سنين، حيث يتصدر رجال المدرب أويه نيوهاس ترتيب دوري الدرجة الثالثة بفارق 9 نقاط قبل 7 جولات من نهاية الدوري. لكن أداء لاعبي الفريق اليوم لم يكن بذات الجودة التي أظهروها طوال الموسم. حيث تسبب خطأ كارثي من حارس المرمى بالهدف الأول للضيوف وبازدياد صخب جماهير دينامو التي وصلت إلى حد الغليان بعد أن ألغي الحكم هدفين للفريق. لاعبو الفريق تفننوا في إضاعة الفرص التي ساهم اللاعب سوري الأصل إياز عثمان بخلق معظمها، وللمفارقة فإن عثمان أهدر أفضل فرص دريزدن بعد أن وجد نفسه منفرداً بالمرمى لكنه سدد الكرة في جسد الحارس. الضيوف عادوا ليعاقبوا دينامو دريزدن بهدف ثاني قبل إنتهاء الشوط الأول بدقائق، قبل أن يقضي خطأ دفاعي جديد على آمال دريزدن في الوصول للنهائي، لكن دون أن يستطيع القضاء على أصوات الأولتراس والتي وإن خفتت قليلاً لكنها لم تتوقف. جمهور الفريق لم يأبه كثيراً بالنتيجة، رغم مرارة الخسارة أمام الغريم، لأن المهم حالياً هو "التركيز على إنهاء الموسم في الدوري بأفضل طريقة ممكنة" بحسب تعبير أحد المشجعين. وبالرغم من الفخر الكبير الذي يبدو في أعين مشجعي الفريق حينما يذكرون لي أنهم يتصدرون دوري الدرجة الثالثة وأصبحوا بحكم المتأهلين إلى الدرجة الثانية، إلا أن جميع من قابلتهم أجابوا بـ"كلا" عندما سألتهم عن رغبتهم في مشاهدة فريقهم في البوندسليجا بعد موسمين أو ثلاثة. معظم جمهور الفريق يبدو مقتنعاً أن حجم النادي وإمكانياته لا يتناسبان مع عالم البوندسليجا بل يفضلون الصعود إلى الدرجة الثانية والبقاء فيها. "الذهاب إلى البوندسليجا والبقاء هناك بحاجة للأموال، والحصول على الأموال يعني بيع هويتنا، نحن سعيدون بما نحن عليه، لن نبيع هويتنا لكي نقضي موسماً أو موسمين مخيبين للآمال في البوندسليجا ومن ثم نعود إلى حيث بدأنا مع ديون طائلة. نادينا يقدم لنا أكثر من مجرد الفوز بالمباريات. إنه هويتنا"، هكذا عبر زفين عن رأيه والذي يشابه أراء جميع من قابلتهم خلال اللقاء. وبصراحة، وبعد الأخطاء الكارثية في دفاع الفريق التي شاهدتها، فربما من الأفضل بقاء الفريق حيثما هو.  بعد المباراة، وفي الطريق الواصلة بين الملعب والمحطة الرئيسية للقطارات في دريزدن، مررت بعشرات المجموعات من مشجعي دينامو. وبالرغم من خيبة الأمل الواضحة على وجوههم، لكنهم كانوا سعيدين بمباراة أخرى جمعتهم مع فريقهم ولاعبيهم وأصدقائهم. دينامو دريزدن ليس نادياً يبحث عن الألقاب، بل هو قلب وروح مقاطعة لم تتعافى كلياً بعد من أثار العيش في النظام الشيوعي لألمانيا الشرقية. إنه نادٍ تملكه جماهير أصبحت تيقن أن أي نجاح قد يكون مؤقتاً، ولكن عشق دينامو يبقى للأب

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل