المحتوى الرئيسى

إسلام أنور المهدي يكتب: يونيو 2016.. مصر بين كَارِثَتَيْن | ساسة بوست

04/11 13:56

منذ 2 دقيقتين، 11 أبريل,2016

منذ شهرين وهذه المقالة تحتلُّ خاطري وتكبس على أنفاس أفكاري بثقلها! وكل يوم أجد لها دلالاتٍ وقرائن تزيد ثقلها وزنًا، لكن لا أستطيع إطلاق حروفها لأن الأحداث التي أتوقعها كالقنبلة: ينبغي أن يكون لها صاعقًا! ولم يكن قد توافر الصاعقُ بعد، لكنني بالأمس وجدت صاعق القنبلة! كنت أمرُّ على كوبري ستانلي بالإسكندرية مساءً، وجال بخاطري مشهد الجماهير تحتفل بإعلان نتيجة انتخابات 2012 وفوز د. مرسي! تذكرت يومها أننا كنا صباحًا في أعمالنا ومساجدنا نستعد لصدِّ هجوم كاسح سيتم على كل من له سمتٌ إسلامي إذا تم إعلان فوز «شفيق»! كان الضباط وأمناء الشرطة والبلطجية المعروفون في الشوارع يتوعدوننا بالذبح! وكان موعدهم المرصود هو يوم إعلان النتيجة، لكن لما خَرَجَت النتيجة على غير ما يشتهون ارتدى الجميع الأقنعة! وتحوَّلت تجمعات البلطجية التي تنتظر الإشارة بذبحنا إلى مجموعات المحتفلين معنا! والناس على دين ملوكهِم! لكن كنت أنظر في وجوههم ليلتها وأعرفهم! وأقول: سيأتي اليوم الذي ينفذون فيه وعيدهم إذا تراخت قبضة الإخوان، وبما أن الإخوان لم يقبضوا على الحكم أصلًا فقد جاء يوم الوعيد سريعًا في 30 يونيو 2013.

كانت ذكرى مشهد الاحتفال الزائف هي صاعق القنبلة! قنبلة أحذِّر فيها من كارثتين ستحلّ إحداهما على مصر بلا شك في يونيو القادم! لماذا يونيو؟! حسبت هذا واضحًا! لأنه تاريخ انتهاء ولاية د. مرسي نظريًّا! ومعها انتهاء شرعيته التي يتمسك بها أنصاره! حينها سيكون الطريق مفتوحًا للتخلي عنه بصورة لا تصمُ هؤلاء المتخلٍّين بالخيانة ولا بالتخاذُل! سيكون الطريق مفتوحًا للحمائم رجالات التنظيم الدولي للإخوان أن يتخلُّو عنه دون حرج كبير، أيسر مما تخلّو عن «أحمد مفتي زادة» زعيم الإخوان المسلمين في إيران حتى قبض عليه النظام الشيعي الحاكم وسجنه وعذَّبه في 1983، ثم أطلق سراحه محطَّمًا في 1993 ليموت فور خروجه ويتشتت شمل رجاله الذين كان أكثرهم من السنّة الأكراد، لقد تخلَّى التنظيم الدولي للإخوان عنه في صفقة كُبرى مع نظام الملالي في إيران! بحيث تخلَّى الإخوان عن إخوان إيران وسنة إيران ككُلّ! في مقابل أن يدعمهم نظام الملالي سياسيًّا وعسكريًّا في صورة مساعدات عسكرية وإعلامية لحماس، تمامًا كما يحدث الآن من تحسين علاقات حماس مع المخابرات العامة المصرية في مقابل عدم التحرُّك من أجل شرعية د. مرسي أو ما يجري لأنصاره من عسف ونسف! وقصة أحمد مفتي زادة مشهورة، وقد رواها يوسف ندا في شهادته على العصر (2001- 2002)، لكنه رواها بصورة لطيفة لا تصمه بالتخاذل والبراجماتية ولا الخيانة بالطبع، تمامًا كما سيروي بعد ذلك قصة د. مرسي بعد أن يبيعوه! أرأيت كيف هي الخيانة أمر نسبيٌّ يمكن تحسين صورته طالما تحتكم إلى أنظمة الحكم الجاهلية؟! بينما الإسلام لا يُسقِط الحقوق بالتقادُم! ولا يضع للحقوق مدة صلاحية تنتهي بعدها!

دعني أحدثك أولًا عن علامات قدوم إحدى الكارثتين

مارس 2015، رفع الحظر عن أموال يوسف ندا، وهي التي كانت محتجزة بموجب تُهم صاغتها وزارة الخزانة الأمريكية تتعلق بتمويل الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر! وهذه الأموال بالطبع هي رأس مال «جهاز المخابرات العامة الإخواني» الذي يديره يوسف ندا وليست أمواله الخاصة، وإن كان يحلو للبعض تسميه يوسف ندا بـ«وزير خارجية الإخوان» إلَّا أن عمل وزارة الخارجية يكون علنيًّا ولا يتضمن إدارة الأموال واستثمارها وتمويل العمليات الخفية: وهذا ما يقوم به ندا! لذلك أراه في منصب مدير جهاز المخابرات العامة الإخواني وليس وزير الخارجية! أغسطس 2015، «أيمن نور» يشتري «قناة الشرق»! ويُسرِّح منها كل الإخوان والمستقلين المتمسكين بشرعية د. مرسي وبالحل الثوري، ويحلُّهم بأعداء حقيقيين لهذه الشرعية ويغير سياسة القناة من تأييد الشرعية والعمل الثوري السلمي إلى: التمسك بمؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، والسعي لحلٍّ يُرضي جميع الأطراف وأول هذه الأطراف هو النظام ذاته! وقد وضع «هيام فاضل» مديرة للقناة، وهي مؤيدة للانقلاب وعدوة للإخوان وللفكرة الإسلامية عمومًا. ولا توجد أي مصادفة إطلاقًا في أن هذا الشراء جاء بعد بضعة أشهر من الإفراج عن أموال ندا! لأن هذا الشراء صوري! وهو لُعبة ثنائية الغرض يلعبها التنظيم الدولي للإخوان تتلخص في الخلاص من الإخوان المتمسكين بشرعية د. مرسي وإبعادهم عن أبواق الإعلام تفاديًا لمشاغباتهم في المرحلة القادمة، والغرض الثاني هو الدفع بأيمن نور في قلب الأحداث وتوفير منبر إعلامي خالص له، أيضًا ليسُتخدم بقوة في المرحلة القادمة. يناير 2016، تكرار يوسف ندا لأسطورة «شرفاء الجيش» على مسامع الناس، وعبر قناة الجزيرة، تمهيدًا لظهور شخصيات عسكرية –سابقة أو حالية- تزعم أن بيدها حلّ الأزمة في المرحلة القادمة، وقد استفضت هنا في التعليق على ذلك وعلى تاريخ «أسطورة شرفاء الجيش» التي يُلذغ بها الإخوان ويورِّطون أمة الإسلام معهم المرة بعد المرة. مارس 2016، د. «عزام التميمي» رجل التنظيم الدولي للإخوان في بريطانيا ورئيس تحرير قناة الحوار وصاحب أطروحة الدكتوراه عن «الديمقراطية في فِكر راشد الغنوشي»، يبدأ استضافة أيمن نور في برنامجه «مراجعات» على قناة الحوار، والذي يستضيف فيه دومًا كبار رجالات الإخوان ليعرضوا سيرتهم الذاتية ويرووا تبريرات مواقفهم وتصحيحاتها، وهذا البرنامج لم يعرض أبدًا من يخالف نظرة التنظيم الدولي، ولم يستضف يومًا معارضًا للتنظيم الدولي ولو من داخل الإخوان، بل يركز على حمائم الإخوان دون صقورهم، ويعرض السِيَر الذاتية لمؤيدي حمائم الإخوان وأدواتهم ومهادنيهم من خارج الجماعة، بمعنى أن ظهور أيمن نور في هذا البرنامج هو تلميع إعلامي له من قِبَل التنظيم الدولي مباشرة وعرضه على الجمهور الإخواني والمحب للإخوان كرجل مرحلة وحليف جديد قادم بقوَّة! ولك أن تتأمل في عنوان أطروحة الدكتوراه الخاصة بد. عزام لتعرف المسلك المطلوب من الإخوان حاليًا تجاه النظام الحاكم، غالبًا ستكون (الإجابة تونس) هذه المرة أيضًا! لكن على الطريقة الغنوشية وليس البوعزيزيَّة! مارس 2016، إخلاء سبيل مستقلين أمثال الأستاذ «مجدي حسين»، في ظل أحداث تأخير إطلاق سراحه التي تعيد اسمه لامعًا لوسائل الإعلام، ليكون أيضًا صالحًا كرمز وطني له خلفية إسلامية يصلُح للمرحلة القادمة، وهو مناضل معروف وله مواقفه نعم، لكنه أيضًا معروف بموقفين صلبين واضحين: الأول هو سعيه للمشاركة في «مجلس رئاسي مدني» تديره شخصية عسكرية سابقة ليحكم البلاد فترة انتقالية تجري بعدها انتخابات رئاسية ونيابية ويوضع دستور جديد، والموقف الثاني أنه عدو للثورات المسلحة والعمل النوعي حتى أن جريدته «الشعب» ترفض نشر أي مقالة تتحدث عن الثورة السورية من زاوية نُصرة الكتائب المسلّحة التي تقاتل بشار وإيران وروسيا، فقط لتعبيرها بأن ما يجري «ثورة مسلَّحة». هو ما يزال يؤيد الثورة السلمية في سوريا -نحتاج أن يفهم بشار ذلك لا الثوار-! وكذلك يحرص على أن تكون سلمية في مصر. مارس 2016، إعادة إطلاق النظام لسيرة «هشام جنينة» و«مصطفى حجازي» و«صبحي صدقي» و«عنان» وغيرهم؛ بالتزامن مع علوّ نبرة انتقاد السيسي وسياساته الفاشلة، وذلك في أبواق إعلامية محسوبة على «المخابرات العامة» أكثر ما هي محسوبة على «المخابرات الحربية»، مما يعني طرح هؤلاء كبدلاء للسيسي ما بين بديل مدني وآخر عسكري، أو بالأصح، طرحهم كأعضاء بارزين في المجلس الرئاسي المدني المتوقَّع، وذلك في ظل استهداف «محمد البرادعي» من قِبَل ذات الأبواق، مما يعني أنه هذه المرة مستبعد من لعبة المجلس ولو مؤقتًا، وربما كان دوره أخطر لكن موعده لاحقًا وربما انتهى دوره واحترق! وهو مجرم ملوث اليدين بالدماء على أية حال. مارس 2016، إخلاء سبيل رموز جهاديين وسلفيين أفاضل أمثال الشيخ «محمد الظواهري» رمز التيار الجهادي، والشيخ «فوزي السعيد» مؤسس «حزب الفضيلة» السلفي، وهم رجال لهم مواقفهم الراسخة والرافضة للانقلاب كذلك، لكننا هنا في معرض تحليل «لعبة شطرنج» يديرها النظام، وإطلاق سراحهم في ظل استمرار حبس شباب وكوادر الجهاديين والسلفيين والإخوان المناهضين للانقلاب لا يعني إلا استعداد النظام لعودة الإخوان للعمل السياسي والعمل المجتمعي، وربما خشية النظام من دخول منشقين عن الإخوان للعمل الجهادي، فينبغي أن يضيق عليهم النظامُ بالمنافسة، فيُطلق من يحمل فكرًا يخالفهم في مسائل كبيرة كالحاكمية والعذر والتترُّس وغيرها: ليسحب البساط بهم من تحت أرجل الإخوان والمستقلين وأي كيانات جديدة قد تنشأ، فيكون إطلاقه لهم وللإخوان في إطار محدود يرسمه هُو: فينفعه ولا يضرّه، لأن كل طاغوت يريد شَغل معارضيه: بعضهم ببعض، فلن يطلق سراح أحدهم إلا في ظل منافسة شديدة من غريمه الفِكري ليضمن أن يحدّ كل منهم من نشاط صاحبه. مارس 2016، إخلاء سبيل قيادات إخوانية محسوبين على الحمائم ورافضين للعمل النوعي ومتمسكين بالعمل السياسي والنقابي، أمثال أ.د. «حسين إبراهيم»، رئيس لجنة الزراعة بمجلس شورى الثورة ومدير فرع نقابة الزراعيين بالإسكندرية، وذلك في ظل استمرار حبس قيادات صقور الإخوان تحت طائلة الإعدام والمؤبد، وهذا يُظهر بجلاء تفريق النظام العسكري في المعاملة بين الصقور «الإصلاحيين الثوريين» وبين الحمائم «الإصلاحيين النظاميين» وينبئنا بوضوح عن ضغوط النظام من أجل تسليم الجماعة للحمائم وانضوائهم تحت جناح النظام في مصالحة قادمة. لا أخوِّنهم لكن ألا يجدون حرجًا؟! وعن الثوريين والنظاميين فاستزد من مقالتي هنا. مارس 2016، المحكمة الإدارية العليا تقضي بعدم جواز حلّ حزبي «الحرية والعدالة» و«الأصالة» السلفي! وهذا يفتح الباب للعمل السياسي لكل من وافق على المصالحة والسيناريو القادمَيْن ويُسهِّل التخلص من الرافضين بنزع شرعيتهم السياسية عبر فصلهم من بنية الأحزاب التي ستشارك، حتى لو كانوا رؤساء هذه الأحزاب أو أعضاء الهيئة العُليا. مارس 2016، عودة حسابات داعش على الإنترنت لقضية قديمة لا أسباب منطقية لإعادة فتحها الآن، وهي تكفير الأستاذ «حازم صلاح أبو إسماعيل» بموجب استعماله الديمقراطية كسبيل لتطبيق الشريعة وترشُّحه للرئاسة في ظلِّ نظام علماني! وبما أن داعش هي قناع الغرب وأفرع المخابرات الغربية في المنطقة (المخابرات العربية) استزد من مقالتي هنا! فهذه القضية الميتة هي لتنفير الإسلاميين من اتخاذ حازم رمزًا في ظل وقت لا بد وأن كل إسلاميٍّ مستقل سيفكر فيه من جديد: أنه المخلِّص وأنه الحلّ الأوحد لما يجري، فلو جرى سيناريو المجلس الرئاسي المدني كما يرغب صانعوه فسيطالب الإسلاميون المستقلون وصقور الإخوان: إما بعودة د. مرسي بصرف النظر عن انتهاء مدة ولايته، وإما بانتخاب حازم بدلًا منه ومن هذا المجلس، وإما بدخول حازم في هذا المجلس كشرط وضمانة للموافقة عليه، وهذا كله ما لا يريده الذئاب والثعالب! فيبدؤون حملات التشويه مبكرًا ونحن في سبات عميق! الآن يُجري التنظيم الدولي للإخوان انتخابات جديدة لـ«مجلس شورى الجماعة في مصر»، يُمَكِّن فيها للحمائم ويستبعد الصقور، وسيُجري معها: عزلًا لمكاتب الإخوان في المحافظات، ومحاكمات لمن آمنوا بالعمل النوعي ويفصل من مارسوه، ثم تقدِّم الإدارة الجديدة مبادرة صُلح يتم على إثرها الإفراج عن المعتقلين ما عدا من حُكِمُوا في قضايا عنف -وكأن القضاء المصري شامخ فعلًا-! وإن كانت ستتم إعادة محاكمة من أخذوا أحكامًا بتهمة العنف وتخفيف الأحكام عنهم، ومن ثم تعود الجماعة للحياة السياسية والعمل النقابي والاجتماعي: حمامةً بعد أن ذبحت صقورها! وقبل أحداث مارس كلها، في فبراير 2016، اتضح اضطراب السيسي في جنون ظاهر حتى أن الرسائل التي بثَّها في حفل «التنمية المستدامة» من عيّنة: «اسمعوا كلامي أنا بس» و«فاكريني هاسيبها! ده أنا هافضل أبني وأعمَّر فيها لحد ما تنتهي حياتي أو مدتي» كلها رسائل تُفهَم على خلفية شخصيته العُصابية النرجسية بمعنى واحد فقط: أن هذا الرجل قد بلغته رسالة أقوى منه مفادها أن «وقته قد انتهى» وكل هذه الرسائل التي يبثها بصورة لا تليق بشخص رئيس دولة: هي عنادٌ شخصيٌّ واضحٌ، يرد به على من أبلغه تلك الرسالة القاهرة!، وربما لم يعُد للسيسي ما يدعمه حتى من أقرب الناس مجلسًا منه في ذات الاحتفال! ولعل من المناسب هنا الاستدلال بكلمات لـ«نذير رشيد» رئيس جهاز الاستخبارات ووزير الداخلية الأردني الأسبق؛ في شهادته على العصر حين قال: «الغرب لم يدعَمنَا ضد الفصائل الفلسطينية في أيلول 1970 [أيلول الأسود] منذ البداية، بل انتظر ليرَى إذا كنا سننجح أم لا! لأن لديهم قاعدة يطبقونها دومًا هي never back a loser = لا تدعم خاسرًا أبدًا. فلو لم يظهر منذ البداية نجاحنا لم تكن الـ CIA والـ MI6 لتدعمنا»، وعلى ذلك أقول بثقة واعية: السيسي هو أكبر Loser الآن! ولا بد للغرب أن يتخلَّى عن السيسي لصالح من هو أقوى وأنجح منه؛ وذلك مع هامش حرية وهدوء نسبي وتشاركية سياسية يسود بعض الوقت: لإعادة ترتيب الأوراق، وهذا أراه قريبًا، وإن سألتني كيف يكون هذا؟ فدعني أجيبك هذه المرة من كلمات «راشد الغنوشي» وهو يتحدث في برنامج «مراجعات» عن نهاية حكم «بورقيبة» قال: (صار «بورقيبة» يريد الدم ورؤوسًا تطير، وصدر حكم الإعدام ضِدِّي من 3 قضاة، لكن اثنين رفضا، وجرى استئناف وكان 100 محامٍ متطوع للدفاع عنِّي، فصمَّم «بورقيبة» على إعادة المحاكمة بدعوى جرائم جديدة كُشِفَت، وغيَّر القانون: فصار الإعدام بأغلبية 3/5 وأن تُنفَّذ الأحكام حالًا، لكن قبل ذلك قضى الله أمره، وانقلب عليه ساعدُه الأيمن «بن علي»، ولم نلبث أن خرجنا بعد 6 أشهر تقريبًا من ذلك «الانقلاب»، لتستقبلنا مظاهراتٌ في البلاد، وأعلنَّا تأييد الحاكم الجديد، واستبشرنا بما أعلن، وكانت جملة مطالب المعارضة بشكل عام، وسُمِّي هذا الانقلاب بـ«التحوُّل»، وقلنا نعطيه فرصة حتى نستبين، وأخرج 10000 من الإخوة المساجين، وانتشرت فرحة عارمة في البلاد، وتجدَّد عند الناس الأمل، واستبشروا بهذا التحول، ولقي تأييدًا شعبيًّا ونُخبويا واسعًا)، فكِّر جيِّدًا في هذا السيناريو وتلك الظروف أخي القارئ، هل تجد ما يشبهه ذلك الآن ويُعد تمهيدًا له؟!

والآن بعد الحديث عن العلامات وملاحظة كم هي متلاحقة محمومة حتى أن أكثرها جاء في شهر واحد هو مارس 2016 حيث الدنيا تراب والجو عذاب! وليست الدنيا ربيع والجو بديع كما يشتهي الناس! هل اتضحت لك الكارثة الأولى؟! نعم، إنها إجراء «انقلاب محدود» يجري على إثره استبدال السيسي بمجلس رئاسي مدني تديره شخصية عسكرية! ومن ثم يُطلق المعتقلين، لكن يبقى النظامُ كما هو: كأنك يا بوزيد ما غزيت! وهذا يتطلب ثورة جديدة، لكن حقيقية! كما أوضحتُ في مقالتي هُنا.

صحيح أن بعض كباش الفداء السمينة سيتم التضحية بها ومنها: السيسي، وزارة الداخلية، المخابرات الحربية، الدعوة السلفية، لكن كلها لن تزول تمامًا، بل ستجري فيها مذابح قلعة محدودة تُستبدلُ فيها الكروت المحروقة بكروت جديدة هي أقدر على الخيانة والنفاق والكيد للإسلام عمومًا وللثائرين الإسلاميين وللثوار الصادقين في ثوريتهم من شتى الأيديولوجيات كذلك.

وقد بدأ استبدال الكروت فعلًا كما يجري الآن في قضية ريجيني المثيرة للجدل، والتي لا تبدو عَرَضِيَّةً أبدًا ولكن يظهر لي أنها عملية خاصة لتوريط السيسي ورجاله (الداخلية والمخابرات الحربية) مع الاتحاد الأوروبي بصورة لا يقدرون عليها، وستطيح القضية ببعض رؤوس البشوات عما قريب، وكذلك بدأ استبدال الكروت في الدعوة السلفية بعودة محمد إسماعيل المقدم الثعلب الرابض للظهور من جديد في ندوة سلفية بمنطقة العامرية غرب الإسكندرية، وهذا الظهور يُعلن للعارفين به قرب استبدال برهامي وتنفيذ مخطَّط وراثة الدعوة السلفية الذي تحدثت عنه باستفاضة في كتابي «دعاة على أبواب جهنم» هنا. وأهمية الدعوة السلفية للنظام العسكري تتلخص في أمرين هامين: الأول هو منافسة الإخوان والجهاديين والمستقلين على المساجد والموارد المالية والعمل الإسلامي عمومًا وسحب الشباب من بين أيديهم وتخديرهم بعيدًا عن أي عمل معارض للنظام، والثاني اختراق الحركة الإسلامية ذاتها ومعرفة ما يدرو فيها تحت غطاء والإبلاغ عن المعارضين في داخلها لاصطيادهم واحدًا بعد واحد. وهذه العمالة ليست في غفلة كما قد يستخدم النظامُ بعض الشيوخ الأفاضل ويورِّطهم دون قصدهم كما أشرت بعاليه، ولكن عمالة الدعوة السلفية هي عمالة واعية احترافية، وهذا الدور ينبغي أن يستمر لخدمة الجاهلية.

أما الكارثة الثانية فدعني أخبرك عنها من كلام الثعلب «إبراهيم منير» حاكيًا عن قضية «تنظيم 1965» في برنامج «مراجعات» أيضًا! قال (وفي أوائل يوليو 1965 صدر عدد «نيوزويك» ذكر أن وضع «عبد الناصر» في الحكم مهتز وأن «رشاد مهنا» [قائد «الحرس الحديدي» السابق المقرب من الملك] قد يكون هو المرشح لخلافته، وكان وصل حال البلد وما يحدث من الجيش إلى أدنى مستويات الضعف والهزال أمام الناس وكان بحاجة إلى شيء ليستعيد قوَّته، وكان الضباط يحاولون الاتصال بمجموعات من الإخوان ليقوموا بشيء، وطُبِخَت الطبخة حتى يحدث شيء في البلد، ومكتب المشير «عبد الحكيم عامر» حيث «شمس بدران» هو الذي قام بالحملة ضد الإخوان في 1965 رغبةً من النظام في تصدير مشاكِلِه، وكان شمس بدران نفسه يطمع أن يكون شيئًا كبيرًا، وظهرت قضية «حسين توفيق» وهي محاولة انقلاب فاشلة في الجيش حاولوا توريط الإخوان فيها، وفُتِح «سجن القلعة» من جديد، وبدأ التعذيب! لكن كان تم استثنائي من كل هذا، وكان المطلوب إيجاد تنظيم للإخوان بأي صورة من الصور، وكان رئيس المباحث العسكرية عميد «سعد زغلول عبد الكريم» وكان هو اليد الأولى لشمس بدران، واعتقل المئات ومنهم الأستاذ سيد قطب، وكان معروفًا أن من لديه معلومات ينجو من الموت، ومن ليس عنده يُعذَّب حتى يقول ما يشاؤون أو يموت! ولم يُقدَّم سلاحٌ واحدٌ كدليلٍ في المحاكمات، واعتُقل كل من كان يكتب ضد النظام وأخذ حظه من التعذيب تأديبًا ثم أُطلِق سراحه، وقتل العشرات تحت التعذيب، وأُعدِمَ الأستاذ سيد، وأخذنا أحكامًا وبقينا في السجون مكتوب على ملفاتنا «اعتقال مدى الحياة») [بتصرُّف كثير].

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل