المحتوى الرئيسى

محسن عوض الله يكتب: صرخة جائع

04/11 10:18

“انتظروا قرارات مؤلمة”.. جملة لخص بها السيد رئيس الوزراء مستقبل مصر وشعبها فى ظل حكومة تسعى لعقاب شعب، لا يجد الكثير من أفراده قوت يومهم، وفى الوقت نفسه تكافئ رجال الأعمال وأصحاب النفوذ والسلطة بقرارات تضاعف أرباحهم على حساب مواطن كل ذنبه أنه ولد فى وطن لا مكان فيه للفقراء.

لم يعد المستقبل يحمل الخير أو حتى بشائر أمل، فالواقع يؤكد أننا بانتظار مستقبل أكثر قتامة ووضع اقتصادي أكثر قسوة، ومزيد من توحش الأسعار والغلاء الفاحش.

صرخات الفقراء لا تتوقف من فواتير كهرباء تمت مضاعفتها، وفواتير مياه ملوثة أصابتهم بالأمراض وفواتير غاز أشعلت حياتهم نارا.

اختفى المصريون فى لحظة غابرة، تحولت وجوههم الساخرة من كل شىء إلى وجوه كالحة تعلوها كآبة تحاول إخفاء حزنها بابتسامة صفراء مفتعلة كمحاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة، فى ظل معركة مستمرة وصراع لا ينتهي مع حكومة لا ترحم ضعيفًا ولا تساعد مسكينًا.

شوارع غير ممهدة تمتلئ بالقمامة، وعادة لا تخلو من جائع يبحث عن قوت أولاده وسط أكوامها، مشردون فى كل مكان، أطفال يجوبون الشوارع بحثا عن عصابة أو قواد يتولى أمرهم، عجائز تخطوا السبعين يبحثون عن مساعدة تسد رمقهم.

الوضع أصبح جد خطير فى ظل إعلام يتحدث عن رغد الحياة والنعيم تحت قيادة رشيدة للرئيس الذي ضحى بنفسه لينقذ البلاد من الأشرار، وهو نفس الرئيس الذي يزعجه مجرد انتقاد فى أى وسيلة إعلامية حتى لو كان ذلك النقد أقل كثيرا من الواقع.

رئيس يجتمع بنخبة مثقفة لا تعرف عن آلام الشارع شيئا، نخبة لا تجيد سوى التنظير والحديث عن ضرورة إقصاء الدين ومنع النقاب كحلول مثالية لأزمات دولة لا يجد فيها الفقير ما يستر به سوءته، وخبراء لا يعرفون من الحياة سوى نظرية المؤامرة وحروب الجيل الخامس والمؤامرات الكونية التي تحيط بأم الدنيا.

عقلاء البلد منبوذون وتلاحقهم اتهامات الخيانة والعمالة، ولا صوت يعلو فوق صوت المنافقين، لم يعد بالإمكان السكوت، فالنار ستحرق الجميع، عفوا.. ستحرق الفقراء والمهمشين فقط، فأصحاب النفوذ والسلطة وضعوا طائراتهم الخاصة على أهبة الاستعداد للهروب فى أى لحظة تُهدد فيها مصالحهم.

احذروا الغضب المكتوم والدموع المتحجرة فى عيون الفقراء، فقد تتحول فى لحظة إلى عاصفة جحيم تحرق الأخضر واليابس، فليس على الجائع حرج، وثورة الجوعى لا تعرف الموءامات السياسية، ولا علاقة لها بالأشرار ولا الأخيار، فالجوعى لا يعرفون اسم الحاكم ولا يهتمون بالمعارضين بعد أن أفقدتهم دوامة الحياة ذاكرة الوطن، وصار الصراع اليومي مع الجوع معركتهم الأهم التي لابد من الخروج منها منتصرين لضمان البقاء على قيد الحياة.

فى كتابه “صرخة نبي”، يصف المؤرخ “أبوري” أحوال المصريين في أواخر الأسرة السادسة الفرعونية تحت حكم الملك بيبي الثاني، والذي شهدت فترة حكمه أول ثورة جياع فى التاريخ البشري، وكانت هذه الثورة من حوالي 45 قرنا.

ووثق المؤرخ هذه الثورة الشعبية بقوله: “إن الناس قد جاعت وماتت من الجوع. ولأن الناس عاجزون عن دفن موتاهم فقد نشطت صناعة الدفن، والعاجزون عن الدفن كانوا يلقون الجثث في النيل حتى أصبحت التماسيح ضخمة بسبب هذه الجثث، ولم يعد يستورد خشب الأرز من لبنان لصناعة التوابيت، وهجم الناس على قبور الملوك، وهجموا على طعام الخنازير، فلم يعد أحد يجد طعاما، وانقلبت الأوضاع في المجتمع، ولم يعد أحد يضحك، وحتى الأمهات لم يعدن ينجبن، والمرأة التي كانت ترتدي الكتان تمشي ممزقة، والتي كانت تملك المرايا لم تعد ترى وجهها إلا على سطح الماء، ولم يعد أحد يحترم الكبير ولا العالم ولا رجل الدين ولا أبواه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل