المحتوى الرئيسى

«حلقة أصدقاء الثقافة الفرنسية»: الشراكة والجرأة

04/11 00:57

كثيرة هي التسميات التي تُطلق على حقبتنا هذه: «عهد الانحطاط والبربرية» و«عصر الظلام» و«حقبة التكفير» و«عهد الداعشية» و«عصر اضمحلال القيم والأخلاق وانعدام الثقافة». حسناً، لا شكّ في أن ما تمرّ به المنطقة العربية خصوصاً، والعالم عموماً، على مختلف الأصعدة، يحمل على تعميم تلك الاعتقادات. إذ حلّ العنف بديلاً عن الحوار والتفاهة أمست وباءً وانعدام الثقافة «موضة». وعادت ممارسات اندثرت منذ آلاف السنين إلى الظهور: الذبح والجلد والإعدام الميداني وقطع الأيدي والأرجل واستعباد البشر وسبي النساء وغيرها. وكأن قبائل ما قبل التاريخ استفاقت فجأة. وها هو العالم يفقد توازنه تدريجياً.

وربما، لأن ما نعيشه، يُعَدّ الحقبة الأعنف في التاريخ المعاصر، هناك مَن يُطلق مبادرات للتصدي لهذا الواقع وحماية ما تبقى من إرث حضاري جماعي. هنا، تبرز الثقافة كأحد أبرز أسلحة المواجهة. فهي بحسب السفير الفرنسي لدى لبنان إيمانويل بون «أصبحت مجتمعاً للدفاع عن النفس وأساس الخلق والتراث والنُبل في العالم». وفي سبيل تعزيز حضور النشاطات الثقافية، ولاسيما تلك المشتركة والمتبادلة بين لبنان وفرنسا، أطلق بون في قصر الصنوبر الجمعة مبادرة «حلقة أصدقاء الثقافة الفرنسية» ( Cercle des amis de la culture francaise).

تهدف المبادرة إلى إرساء أُسس نظرة مستقبلية حول العمل الثقافي في لبنان، لكون الفنون والفلسفة والعلوم ومختلف المجالات الثقافية تدخل في صلب العلاقة المتبادلة بين فرنسا ولبنان. وتسعى إلى أن تكون حلقة شراكة تجمع أهم رعاة البرامج الثقافية والفنية في البلدين، كما ستشكل حلقة عمل ثقافي فاعل لاستقبال أحداث حصرية باستمرار.

وترتكز «دائرة أصدقاء الثقافة الفرنسية» على ثلاثية الكاتب والباحث السياسي أندريه مالرو القائمة على «الشراكة والجرأة والرؤية». بحسب بون إن «الشراكة الفرنسية ـ اللبنانية الثقافية واضحة. فالثقافة هي المركز لهوياتنا وذاكرتنا وتقاليدنا. وكلّ من لبنان وفرنسا يتمسكان بالحضارات القديمة ويحملان ثمارها».

في معرض حديثه الهادف لإثبات صوابية إطلاق المبادرة، يستعيد بون أسماء كبار الأدباء والمفكرين والمبدعين الفرنسيين واللبنانيين. يتحدث عن رئيس الجمهورية شارل حلو والأسطورة فيروز والكاتب أمين ريحاني وعازف البوق إبراهيم معلوف، وعالم الآثار الفرنسي موريس دونان والشاعر والسياسي ألفونس دو لامارتين والملحن وعازف البيانو كاميل سانت ساينز. يصفهم بـ «الشفعاء والوسطاء المبدعين الذين سيقفون في مواجهة تفتيت العالم وضد الوجود الهمجي»، فبنظره «بدأت المعركة الفكرية الكبيرة في قرننا هذا، وعلى كل شخص فينا أن يدافع عن النبل والثقافة في العالم عبر الشراكة الفاعلة والعمل الثقافي».

يردّ بون اختيار لبنان كمنصة لإطلاق المبادرة لأن «اللبنانيين والفرنسيين قدموا روحاً للفن، وكأن البلدين كانا ينظران إلى بعضهما بالمرآة». إلا أنه بالمقابل، هناك من شكك في قدرة المبادرة على إعادة إحياء الحياة الثقافية الفرنسية - اللبنانية في بيروت كسابق عهدها. إذ إن «الثقافة» بمفومها الفضفاض لم تعد تندرج في سلم أولويات الشباب اللبناني، كما أن هامش الحريات المتاح لتنظيم الفاعليات الثقافية، على اختلافها، يضيق شيئاً فشيئاً. إلا أن بون يرد في تصريح لـ «السفير» بـ «دعوة اللبنانيين إلى الفخر بما لديهم، فالحرية التي يتمتع بها اللبنانيون على مختلف المستويات ليست موجودة في أي مكان آخر على هذه البقعة من العالم العربي»، مشدّداً على أن «اللبنانيين يعملون ويقدمون الكثير للثقافة والثقافة تعمل وتقدم الكثير أيضاً للبنانيين».

ولا ينكر السفير المتحمّس للعمل المحلي سياسياً وثقافياً أن «إطلاق مبادرة كهذه يبدو أمراً بديهياً إذا ما نظرنا إلى تاريخ العلاقة بين البلدين، إلا أن فرنسا لا يمكن أن تكون أكثر عظمة إلا عندما تحاول أن تجسّد هذه العظمة لمصلحة غيرها. ولذلك نحن مقتنعون بأنه ليس هناك من عمل ثقافي من دون رؤية للعالم، لذا نسعى من خلال الثقافة إلى تعزيز صورة لبنان الرسالة، كما اعتدناه دائماً».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل